بينما تستعر المعارك في اليمن بين الحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا في عدد من جبهات الجنوب، تسعى جماعة الحوثي إلى الاستفادة سياسيا وميدانيا مما يجري إلى أقصى حد ممكن.
فعلى الصعيد الميداني، منح الانقلاب في عدن "الجماعة" فرصة لالتقاط أنفاسها على جبهات القتال مع الجيش، في عدد من محاور القتال، ومكنها من إعادة ترتيب صفوفها من جديد، تمهيدا للزحف نحو مزيد من المناطق، فيما تحاول سياسيا تسويق نفسها دوليا، في مسعى منها لكسب اعتراف بسلطتها على الأرض.
وتشهد المحافظات اليمنية الجنوبية اشتباكات بين قوات المجلس الانتقالي، المدعوم إماراتيًا، ويطالب بانفصال الجنوب، وبين قوات الحكومة الشرعية.
وسيطر الانفصاليون نهاية الشهر الماضي على محافظتي عدن وأبين، بدعم من طيران إماراتي استهدف مواقع للجيش اليمني؛ ما أسفر عن سقوط نحو 300 بين قتيل وجريح.
وأقرت الإمارات، الخميس الماضي، بشن تلك الغارات، لكنها بررت ذلك بأنها استهدفت "مجموعات إرهابية مسلحة" ردًا على مهاجمتها قوات التحالف في مطار عدن، لكن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ولأول مرة، اتهم أبو ظبي بدعم "انقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي"، والتخطيط له، في مسعى منها لتقسيم اليمن.
وطالب السعودية بالتدخل الفوري لوقف القصف الجوي الإماراتي ضد قوات الحكومة الشرعية في عدن وأبين.
الصحفي والناشط السياسي نبيل البكيري قال، إنه "ما من شك في أن ما يجري في عدن، يعتبر خدمة كبيرة لمشروع الحوثي وانقلابه في صنعاء، لأن عدن كانت رمز الشرعية، ومثلت نقطة انطلاق لتجميع مؤسسات الدولة ومقوماتها العسكرية، والسياسية، والاقتصادية.
اقرأ أيضا: اليمن تخوض معركة دبلوماسية ضد أبوظبي.. هل تنجح؟
ولفت في حديث لـ"عربي21" إلى أن إزاحة الحكومة عن المشهد في عدن، يعد انتصارا لجماعة الحوثي التي دأبت على ترويج فشل الحكومة الشرعية، وأنه لا يمكن لها أن تقوم بمهامها أمام الشعب، وبالتالي فإن الانقلاب في عدن أثبت صحة ما تقوله الجماعة، ويعزز وجهة نظرها أمام المجتمع الدولي في حقيقة مآل السلطات الشرعية في اليمن.
وشدد على أن الحوثي، يسعى من خلال كل المعارك التي يخوضها عسكريا وسياسيا، إلى "تثبيت دعائم سلطته في البلاد، وتسويق نفسه على أنه طرف قادر الحضور، ويسعى من خلال متحدثيه وقادته، إلى اثبات أنهم سلطة أمر واقع، ولا يمكن تجاوزهم في أي تسوية، وبالتالي فهم يبحثون عن شرعية دولية، ورأينا كيف أنهم عينوا سفيرا لهم في طهران مؤخرا".
وكانت جماعة الحوثي أعنت الشهر الماضي تعيين إبراهيم الديلمي سفيرا فوق العادة ومفوضا لدى إيران، في خطوة قوبلت باستنكار الحكومة اليمنية التي قالت إن "الإعلان عن إقامة تبادل دبلوماسي بين نظام طهران ومليشيات الحوثي يعد انتهاكا سافرا للقوانين والأعراف الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالأزمة اليمنية".
وفي ما يتعلق بدور أبو ظبي في دعم الحوثي، قال البكيري: "ما تجريه الإمارات من دعم للانفصاليين، يخدم بشكل مباشر الحوثيين، فالتدخل الإماراتي في اليمن كان هدفه واضحا منذ البداية، و يتمثل في القضاء على حزب الإصلاح الإسلامي، ووأد أي فكرة للانتقال السياسي الديمقراطي في اليمن كامتداد لثورات الربيع العربي".
وكشف البكيري أن "الامارات تحالفت بشكل سري مع الحوثي، ومدت الجماعة قبل سقوط صنعاء بالمال والسلاح، وضغطت على حليفها الرئيس السابق علي عبد الله صالح حتى يسلم المؤسسة العسكرية لجماعة الحوثي".
واستطرد قائلا: "ما دار بعد 5 سنوات من سقوط صنعاء كان لعبا عالمكشوف، الإمارات انضمت إلى التحالف العربي وكانت تدعي أنها تحارب الحوثي، لكن الحقيقة مختلفة تماما، فمعظم عملياتها كانت تستهدف الجيش الوطني تحت ذريعة القصف الخطأ، وهي بدعمها انقلاب عدن، تعلن نفسها حليفا لجماعة الحوثي وتعمل من أجل استقراره وما التفاهمات الأخيرة بين إيران والإمارات إلا تأكيد لصحة ما نقول".
وعلى صعيد ميداني قال: "الحوثي يحاول الاستفادة ميدانيا مما يجري في عدن بإعادة ترتيب صفوفه، وما حصل في عدن أعطاه فرصة لالتقاط أنفاسه في العديد من الجبهات، واستطاع ترتيب صفوفه في الحديدة والحد الجنوبي".
ومضى يقول: "رأينا حالة اتفاق تام بين المليشيات المدعومة إماراتيا، وجماعة الحوثي في الضالع، حيث تمكن الحوثي من سحب قواته لدعم جبهات أخرى باتجاه الحد الجنوبي وتعز".
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي خالد عقلان، إن الحوثي يعد أكبر المستفيدين مما يجري في عدن، "كون المعركة صرفت تماما من قتاله وإنهاء انقلابه، إلى خلق انقلاب آخر على السلطة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن".
اقرأ أيضا: الحكومة اليمنية تنفي أي حوار مع "المجلس الانتقالي" بجدة
وأضاف في حديث لـ"عربي21" أن اليمنيين الآن أمام مشهد مستغرب ومدان يتناقض كليا مع الأهداف المعلنة من التدخل العسكري في اليمن، فالتحالف العربي أصبح متورطا في الانقلاب على الشرعية، لأنه مكّن الانفصاليين من عدن، وهو يضغط الآن لإجراء محادثات وحوار مع المجلس الانتقالي المدعوم اماراتيا، في خطوة خطيرة تهدد شرعية الحكومة، على اعتبار أن الجلوس على طاولة الحوار مع المجلس الانقلابي يعطيهم شرعية".
ورأى أن السعودية التي تقود التحالف "أصبحت في ورطة حقيقية حول مشروعية تدخلها في اليمن، كون تدخلها أصبح مغايرا للأهداف المعلنة، فهي داعمة للانقلابات على الشرعية في اليمن عبر دفعها للمشاريع الصغيرة العنصرية والمناطقية على حساب المشروع الكبير لإقامة الدولة اليمنية".
وفي هذا الاتجاه تابع: "واضح أن السعودية والإمارات تتخذ من التحالف لدعم الشرعية، غطاء لتعزيز مشاريع تفكيك البلاد، وحصرها في كانتونات صغيرة بما يمهد لإعادة ترتيب الخارطة في الجنوب، بحيث تكون عدن وما حولها خاضعة للإمارات، وشبوة وما حولها إلى حضرموت والمهرة تحت النفوذ السعودي".
وعلى صعيد سياسي قال عقلان، إن الحوثي يستدعي الآن اعترافا دوليا به وبسلطته، بفعل ممارسات التحالف التي أضعفت الحكومة الشرعية في البلاد، لافتا إلى أن تلك الممارسات جعلت عدن تستحضر مشاهد الحرب الأهلية اليمنية عام 1986 والتي راح ضحيتها نحو 20 ألف يمني.
بعد انقلاب عدن.. هل أصبح تقسيم اليمن أمرا واقعا؟
أين السعودية من مشهد انهيار انفصاليي الإمارات باليمن؟
إلى أي مدى سيضغط تعطيل الوزارات في عدن على الانقلابيين؟