يرجح محللون بأن تركيا قد تقرر المضي بإيجاد حل جذري لمسألة "هيئة تحرير الشام" في إدلب، في حين يرى البعض أن الأمر ليس لمصلحتها طالما أن الفصيل يشكل تهديدا للنظام السوري، وأن البديل عنه هو تواجد قوات الأسد مكانه.
ويثير الأمر التكهنات، لا سيما أن تركيا تبدو وقد فرغ صبرها، بعد مفاوضات مع التنظيم، وفق ما كشفه نشطاء بوقت سابق، لا سيما أن أنقرة بهدف لقطع المجال أمام أي هجوم جديد لقوات النظام السوري بدعم روسي، على خلفية ذرائع متعلقة بمحاربة "الإرهاب".
وبعد صمت طويل نسبيا، جاءت تصريحات مستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، حول نفاد صبر بلاده من "تحرير الشام"، لتحرّك التساؤلات حول وجود خطط تركية لأكثر من سيناريو في إدلب.
جاء ذلك في تصريحات أدلى بها أقطاي لقناة "حلب اليوم" المعارضة، قبل يومين، قال فيها، إن "تركيا لن تصبر إلى النهاية، ووارد أن يتكرر سيناريو عفرين في إدلب".
اقرأ أيضا: بعد تشكيلها.. حكومة المعارضة السورية توضح "أولوياتها"
وأضاف أن "تحرير الشام" تدعي أنها تحافظ على إدلب، و"لكنها ذريعة لجلب القصف والقتل والتدمير، والنتيجة تهجير أهالي المنطقة، ويجب تنبيه عناصرها وتحذيرهم من أجل فهم اللعبة التي هم فيها لكي لا يكون ذريعة لهدر دم الناس.
وفي حديث صريح للغاية، قال أقطاي: "تركيا لا تستطيع أن تحافظ على إدلب بوجود ذريعة تحرير الشام".
مجرد رسائل
وفي معرض تعليقه على تصريحات أقطاي، اعتبر الباحث بالشأن السوري فراس فحّام، أن التصريحات هذه تحمل رسائل للداخل السوري، أكثر من كونها تعطي مؤشرات على تحركات تركية في إدلب.
وقال لـ"عربي21"، إن تركيا لا زالت تتجنب خيار التدخل العسكري التركي المباشر ضد "تحرير الشام"، وذلك لأن أي عملية عسكرية في إدلب، حتى لو كانت تحت قيادة تركيا وبمشاركة فصائل من المعارضة، ستؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني، وزيادة تأزيمه.
وتابع فحّام، بأن صانع القرار التركي، لا زال يميل إلى قرار تفكيك "تحرير الشام" بهدوء، ودمج عناصرها السورية ضمن التشكيلات العسكرية الوطنية المعارضة، واستبعاد القيادات الأجنبية، وتحديدا من المصنفين على لوائح "الإرهاب".
ووفق الباحث، فإن العائق الرئيس أمام تحقيق هذه المقاربة التركية، هو الموقف الروسي غير الراغب بإعطاء مساحة واسعة لتركيا من أجل تمرير رؤيتها في إدلب.
ضغوطات على تركيا
واستدرك فحّام بالقول: "غير أن تركيا قد تجد نفسها مضطرة في نهاية المطاف، لتنفيذ عملية عسكرية -وإن كانت محدودة- ضد مفاصل محددة في "تحرير الشام"، لإجبار الأخيرة على حل نفسها، والاندماج في التشكيلات العسكرية المعارضة.
لكن، الكاتب الصحفي التركي، عبد الله سليمان أوغلو، رأى في حديثه لـ"عربي21" أن تركيا غير قادرة في الوقت الراهن، على القيام بأي تحرك عسكري في إدلب، مرجعا ذلك إلى صعوبة القيام بعملتين عسكريتين في آن واحد.
واعتبر أن استطاعة أنقرة القيام بعمليتين عسكريين بشكل متزامن في ظل تعقيدات المشهد العسكري والميداني في شرق الفرات وإدلب، "أمر بالغ الصعوبة، وتركيا اليوم تستعد للتدخل شرق الفرات لإنشاء المنطقة الآمنة".
والسبت، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن بلاده أنهت كافة استعداداتها على طول الحدود مع سوريا، تمهيدا للقيام "بتطهير منطقة شرقي الفرات، من التنظميات الإرهابية التي تتحرش بنا".
اقرأ أيضا: أردوغان: أنهينا الاستعداد لتطهير منطقة شرق الفرات بسوريا
وأضاف أردوغان قبيل مغادرته إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه "لا يمكننا تجاهل الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية، في مكان لم تدعَ إليه"، معربا عن ثقته بأن "الخطوات التي ستخطوها أنقرة شمال سوريا، ستقصم ظهر تنظيم (ي ب ك).
وتابع أردوغان: "كما هو معلوم فإن واشنطن شريكتنا الاستراتيجية ونحن معا في الناتو، وواصلنا شراكتنا هذه لسنوات طويلة، وليس لدينا رغبة بمواجهة الولايات المتحدة"، منوها إلى أن "موضوع منظومة باتريوت لا يزال مطروحا على الطاولة"
صيغة مثالية
وبالعودة إلى تصريحات أقطاي، اعتبر الصحفي إبراهيم إدلبي أن تلويح مستشار الرئيس التركي، بالتحرك العسكري ضد "تحرير الشام"، يدلل على حجم الضغط الكبير التركي على التنظيم.
وقال لـ"عربي21": "يبدو أن تركيا قد عثرت على الصيغة المثالية لحل "تحرير الشام" دون الخوض في عملية عسكرية، والتصريح الأخير لأقطاي هو لترهيب الهيئة، ودفعها للقبول بالحل السلمي".
وكانت أنباء قد رشحت عن قيام تركيا ببحث آلية تمكين "الحكومة المؤقتة" التابعة للائتلاف السوري المعارض في إدلب، وحل "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ"تحرير الشام".
ووفق معلومات أولية، فإن مشاورات جدية تبحث في دخول "المؤقتة" إلى إدلب كخطوة أولى، على أن تليها خطوات تتمثل في إعلان "تحرير الشام" عن حل نفسها، تمهيدا للإعلان عن تشكيل عسكري موحد، يتبع لـ"وزارة الدفاع" في "المؤقتة".
ولم يتسن لـ"عربي21" الحصول على تأكيد من "الحكومة المؤقتة" لهذه الأنباء، لكن مصدرا خاصا أكد أن روسيا لن تدعم تمكين "الحكومة المؤقتة" في إدلب، معتبرا في حديث سابق لـ"عربي21" أنه "ليس من مصلحة الروس، دخول الحكومة المؤقتة إلى إدلب، لأن ذلك سيعطي المدينة صبغة مدنية بعيدة عن سيطرة التنظيمات المتشددة، وهو الأمر الذي سيسحب الذرائع الروسية بضرب إدلب".
وأشار إلى استخدام روسيا والصين حق النقض ضد مشروع القرار الذي ينص على وقف لجميع الأعمال العدائية بمحافظة إدلب، تحت ذريعة أن من شأن القرار إنقاذ "الإرهابيين" في إدلب.
وتساءل المصدر، "كيف ستوافق روسيا على سحب حجة هجومها الدائم على إدلب"؟، وذلك في إشارة إلى عدم دقة الحديث عن خروج قمة أنقرة بتفاهمات جديدة حول إدلب.
ومنذ مطلع العام الجاري، بدأت "تحرير الشام" بالتحكم بإدارة محافظة إدلب، وذلك بعد جولات اقتتال خاضتها ضد الفصائل المعارضة، وتتخذ روسيا من ذلك ذريعة لمواصلة هجماتها على المحافظة وريفها.
الولايات المتحدة أين؟
في الأثناء، دعا المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري، تركيا إلى توجيه ضربات لـ"تحرير الشام".
وأضاف في حديث لصحيفة أمريكية، الجمعة، أن النظام السوري وروسيا تذرعا بوجود إرهابيين في إدلب من أجل شن حملة عسكرية لاسترداد أراض من فصائل المعارضة، ما عرض حياة أكثر من ثلاثة ملايين مدني للخطر، وأدى إلى نزوح ما يزيد على 500 ألف شخص.
وفي إطار الحديث عن الموقف الأمريكي، كشف معارض سوري، تفاصيل اجتماع عقدته شخصيات من المعارضة السورية، مع مسؤولين من وزارة الخارجية الأمريكية، الخميس الماضي، في مدينة أنطاكيا التركية.
وأوضح رئيس المكتب السياسي في "لواء المعتصم" مصطفى سيجري على "تويتر"، أن المسؤولين الأمريكيين أكدوا على رفض بلادهم لأي عملية عسكرية في إدلب، وشددوا على دعم الولايات المتحدة للجهود التركية فيما يخص المنطقة والهادفة لوقف إطلاق النار بشكل كامل وتثبيت اتفاق سوتشي.
ووفق سيجري، فإن مسؤولي الخارجية الأمريكية أكدوا على استمرار الجهود الدبلوماسية الأمريكية في الضغط على نظام الأسد والتوصل إلى دلائل تؤكد تورطه باستخدام الأسلحة الكيماوية والعمل على محاسبته وتسريع تنفيذ العقوبات المفروضة عليه، مؤكدين وجود تحرك للوزير مايك بومبيو في الأمم المتحدة بخصوص ذلك.
تسيير دوريات مشتركة بسوريا.. نجاح تركي أم مناورة أمريكية؟
انتقادات لتباطؤ واشنطن بتنفيذ اتفاق "المنطقة الآمنة" بسوريا
هل تستجيب هيئة تحرير الشام لمطالب الحل؟ مراقبون يجيبون