اختلف السوريون في ما بينهم حيال تشكيل اللجنة الدستورية، فمنهم من اعتبرها تكريسا لوجود المعارضة، ومنهم من اعتبرها تكريسا لوجود النظام على حساب المعارضة.
وإذا كان كلا الفريقين ينشدان الهدف نفسه في إسقاط النظام الديكتاتوري واستبداله بنظام ديمقراطي، فإن رؤيتهما لمسار الحل السياسي مختلفة.
الفريق المعارض للجنة الدستورية، يستند في موقفه على قاعدة الحقوق أكثر مما يستند على قاعدة الفعل السياسي، أي السياسة كممارسة ضمن إمكانيات الواقع المتاح وشروطه، في حين يستند الفريق المؤيد للجنة في موقفه على رؤية موضوعية (دون أن تكون أكثر عقلانية بالضرورة) للفعل السياسي، وبالتالي فهو يغلب الحلول الممكنة على الحلول المستحيلة أو صعبة التحقق.
لا يعني ذلك أن أحد الفريقين على حق والثاني على خطأ، فالظاهرة السياسية أكثر تعقيدا من مجرد تفسيرها تفسيرا أحاديا.
تكمن مخاطر الموقف الأول (المعارض للجنة) في أنه قد يتحول إلى تصور ميتاواقعي إذا ما استمر في إصراره على أولوية الحق، في حين قد يقع الفريق الثاني (المرحب باللجنة) في فخ الأوهام إذا ما ظل ينظر إلى السياسة فقط خارج العمل الإرادوي للأنا الجمعية السورية المعارضة، وأنها تجسيد لإرادات أقوى، وبالتالي ليس بالإمكان أحسن مما كان.
من المهم المزاوجة بين الموقفين أثناء العمل السياسي من أجل الحصول على نتائج أفضل، خصوصا أن إرهاصات وبوادر الحل السياسي على المستوى النظري إلى الآن تشابه مسار الحل العسكري على المستوى العملي
من المهم المزاوجة بين الموقفين أثناء العمل السياسي من أجل الحصول على نتائج أفضل، خصوصا أن إرهاصات وبوادر الحل السياسي على المستوى النظري إلى الآن تشابه
مسار الحل العسكري على المستوى العملي، أي السيطرة الأكبر للنظام على حساب المعارضة، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن الحرب امتداد للسياسة.
هيمنة رؤية النظام
لقد جانب وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم الحقيقة؛ حين أكد أن اللجنة الدستورية تشكلت بعد فرض رؤية النظام.
وهذا صحيح، بدءا من اللحظة التي قرر فيها المجتمع الدولي عدم الالتزام بالمراحل الانتقالية التي حددها القرار الدولي 2254 (الحكم الانتقالي، الدستور، الانتخابات)، والبدء بدلا من ذلك بالدستور ثم الانتخابات، مع إرجاء الحكم الانتقالي إلى ما بعد الانتخابات.
والسبب في هذا التحول كانت الاستجابة لموقف النظام الرافض رفضا مطلقا البدء بالحكم الانتقالي.
قبلت الأمم المتحدة بذلك، فمن شأن التوصل إلى دستور جديد أو إعلان دستوري وإلى صيغة متفق عليها للانتخابات، أن تبلور تصورا واضحا لشكل الحكم المقبل.
الاتفاق على سلتي الدستور والانتخابات تعني بالضرورة الاتفاق على جزء من المبادئ السياسية العامة، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال إعادة صياغة الدستور والانتخابات بمعزل عن المبادئ العليا للانتقال السياسي
بعبارة أخرى، إن الاتفاق على سلتي الدستور والانتخابات تعني بالضرورة الاتفاق على جزء من المبادئ السياسية العامة، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال إعادة صياغة الدستور والانتخابات بمعزل عن المبادئ العليا للانتقال السياسي. وهذه خطوة تكتيكية مهمة تساعد وتسرع في الوصول إلى تفاهمات، فعلى سبيل المثال، سيتضمن الدستور الجديد بطبيعة الحال المبادئ العامة لشكل نظام الحكم وآلية الإصلاح السياسي والإداري، شرط أن تنشأ بعد مرحلة كتابة الدستور الجديد بيئة محايدة تقود إلى انتخابات حرة ونزيهة.
تصريحات المعلم تجسيد هي لواقع أنه لا يمكن تمرير أي قرار إلا بنسبة 75 في المئة، في وقت الذي لا تملك فيه أي جهة لوحدها الحصول على هذه النسبة، وكأن مسألة الاتفاق غير قابلة للتحقق، ما يعني في نهاية المطاف فشل ذريع للجنة، وهذا هدف يسعى النظام إليه من أجل تقديم حلول أحادية الجانب.
أيضا، وبحسب بيان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فإن مهمة اللجنة ستكون في إعادة صياغة الدستور ضمن عملية انتقال سياسي، وهذه عبارة فضفاضة تشبه فقرات "بيان جنيف 1" وبعض الفقرات الواردة في القرارات الأممية حول سوريا. وبهذا يبقى الخلاف قائما بين الطرفين حول تعديل دستور 2012 أو إعادة كتابة دستور جديد، ليترك الأمر للتفاهمات المحلية والدولية.
مهمة المعارضة في هذه اللجنة ستكون المهمة الأصعب لها منذ تكونها، وهي تحتاج بذلك إلى خبرات عريقة على المستوى القانوني وعلى مستوى الفلسفة السياسية، وهذا الأمر يتطلب إعداد فريق مؤهل
فرص وعقبات
ومع كل ذلك، لا يمكن إخفاء أن المعارضة السياسية (بغض النظر عن الشخوص الحاكمة فيها) حققت الاعترف عمليا بها ضمن أول تشكيل مؤسسي رسمي مشترك.
كما أن عمل ومرجعيات اللجنة مبنية على القرار الدولي 2254 الذي ما يزال إلى الآن يشكل المرجعية القانونية- السياسية للحل. وقد كان الأمين العام للمنظمة الدولية حريصا على تأكيد هذه المسألة، وفي ذلك قطعُ للطريق على محاولات روسيا إيجاد مسارب سياسية فرعية تكون بديلا عن المسار الأممي المحدد في جنيف.
إن مهمة المعارضة في هذه اللجنة ستكون المهمة الأصعب لها منذ تكونها، وهي تحتاج بذلك إلى خبرات عريقة على المستوى القانوني وعلى مستوى الفلسفة السياسية، وهذا الأمر يتطلب إعداد فريق مؤهل يعمل وراء اللجنة التي لا يستوفي كثير من أعضائها المؤهلات اللازمة لدخول معركة التفاوض.