رغم الهموم الاقتصادية والمالية والمعيشية التي تشغل بال اللبنانيين هذه الأيام، فإن ذلك لم يمنع تحول العاصمة اللبنانية (بيروت) إلى فضاء حواري عربي شامل، يحتضن الكثير من القضايا التي تهم العرب من المشرق إلى المغرب.
ففي بيروت تتوالى المؤتمرات حول مختلف القضايا الإشكالية، ومنها: تجديد العروبة ودورها المستقبلي، ودور المسيحيين العرب وعلاقتهم بالمتغيرات في المنطقة والعالم، وقضايا العيش المشترك والحوار ومواجهة الإرهاب.
كل هذه القضايا شكلت محاور عدد من المؤتمرات التي عقدت أو ستعقد في المرحلة المقبلة، وتزامن ذلك مع إقرار الأمم المتحدة للمشروع الذي أعلنه الرئيس اللبناني العماد ميشال عون تحت عنوان: "أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار"، والتي سيكون مقرها لبنان.
تتوالى المؤتمرات حول مختلف القضايا الإشكالية، ومنها: تجديد العروبة ودورها المستقبلي، ودور المسيحيين العرب وعلاقتهم بالمتغيرات في المنطقة والعالم، وقضايا العيش المشترك والحوار ومواجهة الإرهاب
فقد أقام النادي الثقافي العربي (وهو أحد أعرق الأندية الثقافية اللبنانية والذي يتولى الإشراف على معرض الكتاب السنوي) مؤتمرا شاملا تحت عنوان: "تحدي تجديد العروبة"، وشارك في المؤتمر عدد من الشخصيات الفكرية والسياسية اللبنانية والعربية، حيث جرى استعراض العديد من العناوين التي تواجه العرب والعروبة اليوم. ورغم أن هذا الموضوعات قد أثير حولها النقاش كثيرا خلال العقود الماضية، فإنها لا تزال إحدى القضايا الساخنة اليوم في ظل ما يواجهه
العالم العربي من إشكاليات ومتغيرات، ولا سيما بعد الثورات الشعبية العربية، وكل ذلك يستلزم مقاربات جديدة لهذه القضايا.
وفي الأيام القليلة المقبلة وبرعاية وحضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يعقد "اللقاء المشرقي" مؤتمره الأول في 13 و14 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في فندق الهيلتون- حبتور، سن الفيل، تحت عنوان "
الحوار نهج حياة وطريق سلام: إشكاليات التعددية والحرية".
قبل انطلاق المؤتمر، ترددت معلومات أن خلفية المؤتمر تهدف إلى محاولة سياسية لإحياء حلف الأقليات في المنطقة، وأن إيران تقف وراء هذه الحركة للرد على تحالف الأكثريات، أي السنّة والغرب، وأن إيران اختارت لبنان لعقد المؤتمر الأول نظرا لرمزيته.
لكن رئيس الرابطة السريانية حبيب أفرام، وهو من منظمي المؤتمر، استغرب الأمر، وقال في أحد التصريحات الصحفية: "لم نتحدث مطلقاً عن الحماية أو عن الأقليات. وهذه أحد الهجومات التي تطال المؤتمر.. أولاً، ليس في فكرنا وتطلعاتنا طلب أي حماية من أي أحد، ولا نقبل إلا بالمواطنة. ثانيا، لسنا في حلف مع أحد ونرفض كلمة الأقليات أو أن يكنّى أي مكون بأنه أقلية. نحن كلنا شعوب وقوميات ومذاهب وطوائف لها خلفياتها وحضورها وتاريخها وفكرها؛ ضمن الأوطان والوحدة الوطنية والمساواة والمواطنة وحقوق الإنسان وحقوق كل جماعة وحرياتها وحقوقها. لسنا أقليات ونرفض هذه الكلمة، بل نكنى بأسمائنا، من شيعة وسنة وأكراد وكلدان وكرد ودروز وآشوريين.. ضمن الخانة الوطنية".
وسيفتتح المؤتمر بكلمة لرئيس الجمهورية، وسيتضمن أربعة محاور: الأول "التنوع والتعدد القومي والديني والمذهبي في الشرق"، والثاني "الحفاظ على هذا التنوع مسؤولية عالمية"، والثالث "معاً في مواجهة الإرهاب والتطرف والإلغاء"، والرابع "دور لبنان كوطن رسالة، رسالة حوار وعيش مشترك ومساواة ومواطنة". وسيحاضر فيه نحو 25 مفكراً من الأردن وسوريا والعراق ومصر وفلسطين وأندونيسيا وباكستان وفرنسا وبلجيكا وأمريكا وكندا وألمانيا وإيران، وغيرها. وهو أول مؤتمر عالمي ينظم باسم اللقاء، ونتمنى أن يصبح ثابتة، وأن يصبح عرفا أن يرأسه فخامة الرئيس، وهذا كله يصبّ في القرار الاممي بأن يكون لبنان "أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار"، والتي حصلت على شبه إجماع من الأمم المتحدة.
كل هذه المؤتمرات وغيرها من الأنشطة الحوارية التي تشهدها بيروت وغيرها من العواصم العربية، أو تطلقها جهات عربية في العالم، تشير لحجم التحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم
وبموازة ذلك، يستعد "لقاء سيدة الجبل" الذي يرأسه النائب السابق الدكتور فارس سعيد لعقد مؤتمر في باريس في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، تحت عنوان: "أي دور للمسيحيين العرب في المرحلة المقبلة". ولن يقتصر الحضور على الشخصيات المسيحية، بل ستشارك بعض الشخصيات الإسلامية. وسيتناول المؤتمر مبدئيا أربعة محاور، أوجز سعيد خطوطها العريضة قائلاً: "المحور الأول الإرهاب والعنف في المنطقة، والثاني العروبة الحديثة والمعاصرة والدولة الوطنية، والثالث تحالف الأقليات وتداعياتها على مستقبل المسيحيين في المنطقة، والرابع قد يكون موضوع له علاقة بالرؤية الاقتصادية في المنطقة بعد هذه المرحلة. وسيتم الإعلان الرسمي عن المحاور ومضمونها بعد استكمال عملية التواصل مع كل الشخصيات التي ستشارك في إطلاق هذا المؤتمر".
كل هذه المؤتمرات وغيرها من الأنشطة الحوارية التي تشهدها بيروت وغيرها من العواصم العربية، أو تطلقها جهات عربية في العالم، تشير لحجم التحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم، والتي تحتاج لمراجعات فكرية شاملة، ورؤى جديدة للتعاطي مع المتغيرات العالمية والتحديات التي يواجهها العرب، وبقية المكونات العرقية أو الدينية أو الفكرية في المنطقة.
فهل ستنجح هذه المحاولات، أو تظل نتائجها داخل غرف وقاعات الفنادق، وبين أوراق وملفات المؤتمرات المتنقلة من مكان إلى آخر؟