عملية البحث عن رئيس جديد للجزائر، مازالت تجري في فيافي سياسية معقدة ومظلمة في الجزائر، بين رئيس حكومة سابق، زكّى نفسه قبل أن يزكّيه الناس، وقرّر أن يقتحم النار، وهو يعلم بأنها لن تكون لا بردا ولا سلاما عليه وعلينا، ورئيس حكومة أسبق زكّى نفسه أيضا، إلا أنّه اشترط أن يقتحم المعركة ولكن، من دون نار ولا سعير، وآخرون لم يُقنِعوا أنفسهم بما هم قادرون على فعله، فما بالك أن يُقنعوا عامة الناس!
من المخاطرة أن نحلم برئيس جديد، لا يمتلك من فنِّ السياسة وحسابات الاقتصاد، سوى مزيجٍ من الإرادة وحبِّ التغيير. ومن الجنون أيضا، أن نعود إلى كوابيس الماضي غير الجميل، ولكن ببعض التنازلات من كل الأطراف قد نصل إلى الحلِّ الأقل سوءا، لأن الجيد يتطلب تضحيات كبيرة جدا، وليس تنازلات “سياسوية” فقط.
الخلاف الحاصل في المسيرات الشعبية الأخيرة إلى درجة التراشق بالاتهامات، والخلاف الحاصل في قمَّة السلطة بحثا عن حل ينقذ البلاد والعباد والمتحكّمين في دواليب النظام، أمرٌ منتظر، وحصل في كل الثورات والحركات التحررية في العالم قديما وحديثا، فأغبى الشعوب من كانوا على مذهبٍ واحد لا خلاف بينهم، ولكن نجاح الثورات يقاس بجني الثمار وتجاوز كل العقبات من خلال التنازلات والاكتفاء بأهمِّ الانتصارات، وتحقيق ما تبقَّى منها على مراحل، خاصة إذا كانت هذه الإنجازات كبيرة ما كان يحلم بها أحدٌ منذ فترة قصيرة.
كل الإطلالات السياسية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية القادمة، كانت مخيِّبة، فالسيد عبد المجيد تبون بالغ في “الأنا”، وقدّم نموذجا من الجرأة المبالَغ فيها، من رجل كان جزءا من الحكم فما استطاع، ويريد أن يكون كل الحكم ليستطيع، والسيد مولود حمروش اعتذر عن عدم المساهمة في إطفاء النار، من الذين طلبوا النجدة، ظنا منهم بأنه أصلحُ أو ربما آخرُ رجل مطافئ في بلد التهمه اللهب في كل مكان، فنأى بعض الناس بجانبهم، وقرر آخرون المغامرة، وقد يكون بعضهم من الذين أشعلوا النار.
وإذا كانت كل التقارير الاقتصادية الدولية قد حذرت من انهيارٍ وشيك وغير مسبوق لمستوى معيشة الجزائريين، فإن كل الطامحين في الرئاسة لا يمتلكون أيّ تصوّر ولا نقول أي حلّ للخروج من هذه الأزمة، وإذا كانت كل التقارير الداخلية قد خلُصت إلى أن الأزمة سياسية وأخلاقية، فإن رجالات الحَراك عجزوا عن رسم خارطة طريق، واكتفوا برفض الآخر من دون تقديم أيّ بديل.
قد يكون السيد تبون ومن معه من بيادق النظام السابق، جزءا من المرض، وقد يكون السيد حمروش والذين رفضوا دخول الرئاسيات، جمعا من الأطبَّاء الذين رفضوا علاج هذا المرض، ولكن الأخطر أن يبقى الداءُ من دون علاج، طوال هذه المدة، فالجرح مع مرور الوقت يتعفَّن.
عن صحيفة الشروق الجزائرية