نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مقالا للخبير في الشؤون الإيرانية في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ريه تاكيه، يتحدث فيه عن مدى رضا إيران عن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا.
ويقول تاكيه في مقاله، الذي جاء تحت عنوان "مع خروج أمريكا من سوريا فإن إيران ليست سعيدة"، إن إيران تجد نفسها على خلاف في الأهداف مع كل من دمشق وانقرة، في الوقت الذي تفلت فيه بغداد من قبضتها.
ويرى الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن "الحديث عن مكاسب إيران من الانسحاب الفوضوي الأخير من شمال شرق سوريا هو مبالغة في التعليق، ويبدو أن الطبقة الدينية الحاكمة في طهران تشعر بالقلق مما يحدث كله".
ويعتقد تاكيه أن "استمرار الحرب الأهلية في سوريا كان لصالح طهران، التي استطاعت التحرك بمهارة في السياسة التي فرضتها الحرب، وقامت بعقد علاقات جيدة مع نظام بشار الأسد وأكراد سوريا الذين يعارضونه، وشكل الدعم الأمريكي لهم نوعا من التوازن بين الطرفين، وظل الأسد رغم وضعه الضعيف يحلم بتوحيد سوريا، إلا أن حلفاءه الإيرانيين نصحوه بالحد من طموحاته وتعزيز سلطته في المناطق التي يسيطر عليها، واتبع الأسد النصيحة في ظل الدعم الأمريكي للأكراد، الذين كانت مواجهتهم ستكلفه المناطق الخاضعة لحكمه".
ويجد الكاتب أنه "مع رحيل الأمريكيين الآن، وما تبع ذلك من صفقة أجبر الحلفاء السابقون لأمريكا على عقدها مع الأسد، فليس هناك ما يمنعه للمحاولة وتعزيز سلطته على نسبة 40% من أراضي سوريا كانت تحت سيطرة أعدائه الأكراد، لكن هل يستطيع الأسد السيطرة عليها دون حرب طويلة؟ خاصة أن معظم أطراف الحرب الأهلية باتوا في حالة من الإجهاد، بالإضافة إلى أن هذا الأمر يتطلب من إيران ضخ موارد جديدة لدعم الحرب، في وقت يعاني فيه اقتصادها من ضغوط العقوبات الأمريكية وسوء الإدارة".
ويبين تاكيه أنه "لهذا كله، باتت تركيا تحتل مركزا مهما في تفكير الطبقة الدينية الحاكمة في إيران، ففي منطقة تنتشر فيها الدول الضعيفة تبدو تركيا قوة ضاربة لديها طموحات في منطقة الشرق الأوسط، وعليه فإن التدخل العسكري التركي في سوريا سيخرب خطط إيران في منطقة المشرق، وهذا كله في وقت تجد فيه نفسها في مواجهة مع السعودية".
ويشير الباحث إلى أن "التحالف الإيراني مع أكراد سوريا كان من أجل خلق منطقة عازلة تضبط تحركات تركيا، ومع خروج الأمريكيين فقد تلاشى هذا التحالف حتى قبل تقدم القوات التركية، ودعا الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف تركيا لعدم التقدم إلى سوريا، فيما لامست تصريحات المرشد الأعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي مظاهر القلق الإيراني، عندما دعا في خطبة الجمعة تركيا لعدم (الوقوع في المصيدة الأمريكية)، وبالتالي الدخول في مستنقع يشبه المستنقع اليمني الذي وقعت فيه السعودية".
ويلفت تاكيه إلى أن إيران وجهت تحذيرات غير كلامية لأنقرة، عندما قامت بمناورة عسكرية على الحدود الإيرانية التركية، وذلك بعد فترة قصيرة من دخول القوات التركية إلى شمال شرق سوريا.
ويفيد الكاتب بأنه "مع خروج الأمريكيين فإن تركيا لن تستمع لتحذيرات إيران، خاصة أنها ستكون قوية، في وقت سيتحول فيه الأسد إلى التهور بعد ضعف الأكراد، وعودة محتملة لتنظيم الدولة، وبهذه الطريقة خلطت تركيا أوراق إيران، التي كانت تأمل في تحقيق مكاسب تدريجية في الشرق العربي، من خلال الإبقاء على شعلة الحرب الأهلية لمدة أطول".
ويلاحظ تاكيه أن "التطور الأخير في سوريا تزامن مع تطورات أخرى في العراق، وليست من صالح إيران أيضا، فعلى مدى عقد أو أكثر تمتعت طهران بالسيطرة على القرار السياسي للبلاد، التي جاءت بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وكانت الإطاحة بصدام حسين تخليصا للملالي من شخص ظل شبحه يلاحقهم لعقود طويلة، بل إن صدام قاد حربا في عام 1980 تركت آثارها على جيل من الإيرانيين حتى اليوم، ومنذ عام 2003 أصبحت المليشيات الشيعية في العراق قوات مساعدة للحرس الثوري، وهو أكبر نجاح لإيران، في وقت تستخدم فيه طهران العراق لبيع نفطها ونقله إلى السوق العالمية في تحد للعقوبات".
ويستدرك الكاتب بأن "سيطرة إيران على العراق لا تسير حسبما تريد، فهي تختار رئيس الوزراء والمليشيات، لكنها تتحمل مسؤولية الفساد وعجز حكومات ما بعد الغزو الأمريكي، وقد انفجر السخط ضدها إلى احتجاجات هذا الشهر هزت كيان الحكومة في بغداد، وحاولت طهران السيطرة على الوضع، واستخدمت نظريات المؤامرة متهمة السعودية والولايات المتحدة بالوقوف وراءها".
ويورد تاكيه نقلا عن آية الله خامنئي، قوله إن "إيران والعراق هما شعبان مرتبطان بقلوبهما وأرواحهما معا، وحاول الأعداء زرع بذور الشقاق والفتنة، لكنهم فشلوا ولن تنجح مؤامرتهم"، مشيرا إلى أن خليفة خامنئي القوي إبراهيم رئيسي أكد هذه الفكرة عندما قال إن الفتنة تسيطر على العراق.
ويعلق الكاتب قائلا إن "خلف هذه التصريحات البلاغية اعترافا بأن سيطرة الحكومة في بغداد على الأمور باتت ضعيفة، ولو انهارت فقد تندلع حربا أهلية جديدة لن تكون طهران قادرة على احتوائها أو التحكم بملامحها".
ويختم تاكيه مقاله بالقول إن "طهران تواجه الآن سوريا المشتعلة، وهناك الكثير مما قيل حول حكمة سحب الولايات المتحدة قواتها المتواضعة من سوريا، إلا الحديث عن مكاسب إيران من الخروج، وإن قيل هذا فهو تعبير عن قلق القادة الإيرانيين من فقدانهم السيطرة على سوريا، وهذا أمر عادي لكل دولة تحاول تحقيق طموحاتها في الشرق الأوسط، الذي لا يمنح راحة لأي دولة طموحة، حتى لو كانت إيران".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)