نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافيين ديفيد كيركباتريك وإريك شميدت، يقولان فيه إن القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية كانت تقوم بما لا يقل عن عشر مهمات ضد تنظيم الدولة في اليوم، بحسب المسؤولين، مشيرين إلى أن هذا كل توقف الآن.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن هؤلاء الشركاء، قوات سوريا الديمقراطية، كانوا يقومون بصمت بإطلاق سراح بعض هؤلاء المحتجزين وضمهم إلى صفوفهم لإبقائهم تحت المراقبة، لافتا إلى أن هذا "البرنامج" أصبح مهددا أيضا.
ويقول الكاتبان إن مقاتلي تنظيم الدولة يقومون عبر الحدود مع العراق بحملة اغتيالات ضد مخاتير القرى؛ وذلك لتخويف المخبرين الحكوميين، مشيرين إلى أنه عندما أعلن الرئيس ترامب في وقت سابق من هذا الشهر عن نيته أن يسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، ليفسح مجالا للهجوم التركي على الأكراد، الذين كان حلفاء لأمريكا، حذر الكثير من أنه يزيل رأس الحربة في الحملة لهزيمة تنظيم الدولة.
وتورد الصحيفة نقلا عن المحللين، قولهم الآن إن انسحاب ترامب منح تنظيم الدولة أكبر انتصار له منذ أربع سنوات، وحسن كثيرا من فرصه، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تسارع فيه القوات الأمريكية في البحث عن مخارج، فإن المسؤولين الأمريكيين قالوا الأسبوع الماضي بأنهم فقدوا قدرتهم على جمع المعلومات الاستخبارية عن التنظيم على الأرض.
وينقل التقرير عن مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز بحث "تشاتام هاوس" في لندن، لينا الخطيب، قولها: "ليس هناك شك بأن تنظيم الدولة هو واحد من كبار الرابحين مما يحصل في سوريا".
ويلفت الكاتبان إلى أن وقف الدعم لقوات سوريا الديمقراطية شل مقدرة أمريكا وشركائها السابقين في ملاحقة فلول التنظيم، مشيرين إلى أن مؤيدي تنظيم الدولة احتفلوا لدى سماعهم أخبار الانسحاب الأمريكي على شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات المحادثة المشفرة، ما رفع من معنويات المقاتلين في المنظمات المرتبطة في مناطق بعيدة مثل ليبيا ونيجيريا.
وتجد الصحيفة أنه بإزالة القوة المضادة، فإن الانسحاب سهل عودة ظهور تنظيم الدولة بصفته شبكة إرهابية أو تمرد طويل الأمد في كل من سوريا والعراق.
ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من أن ترامب أعلن بشكل متكرر عن الانتصار ضد تنظيم الدولة، حتى أنه تباهى الأسبوع الماضي أمام قيادات الكونغرس حول كونه "قبض على تنظيم الدولة" شخصيا، فإنه يبقى تهديدا، مشيرا إلى أنه بعد خسارة التنظيم لآخر رقعة يسيطر عليها في سوريا فإنه قام بتوزيع مؤيديه ومقاتليه، وأمرهم بالذوبان في المجتمع أو الاختباء في مناطق نائية في الصحراء والجبال.
ويذكر الكاتبان أن التنظيم يحتفظ بحوالي 18 ألف عضو في العراق وسوريا، بما في ذلك 3 آلاف أجنبي، بحسب تقديرات تقرير حديث للبنتاغون، فيما لا يزال أبو بكر البغدادي، الذي كان قد أعلن نفسه خليفة، فارا، مشيرين إلى أن البغدادي ظهر في تسجيل فيديو في نيسان/ أبريل، يقول فيه: "معركتنا اليوم هي معركة استنزاف وإنهاك للعدو.. والجهاد ماض إلى يوم القيامة"، بحسب النص الذي نشره موقع SITE الاستخباري.
وترى الصحيفة أنه بالمقارنة مع ما كان تنظيم الدولة يسيطر عليه من مساحات، فإن أي احتمال إلى أن يعود بالقوة ذاتها أمر بعيد، فالتغيرات التي حصلت في كل من سوريا والعراق تجعل من الصعب على التنظيم استغلال الطائفية للحصول على دعم السنة.
وينوه التقرير إلى أن الحكومة العراقية وسعت من جهود الحصول على دعم السنة، فيما لم يترك بشار الأسد مجالا لمتطرفي السنة للقيام بالتحشيد بعد أن سحق الثورة ضده، بالإضافة إلى أن كثيرا ممن عاشوا تحت حكم تننظيم الدولة يعارضون عودته بشدة، مستدركا بأنه لكونه تنظيما سريا، فيبدو أن تنظيم الدولة في مرحلة صعود.
ويورد الكاتبان نقلا عن تقرير هذا الصيف من المفتش العام للعمليات ضد تنظيم الدولة في البنتاغون، قوله إن متطرفي التنظيم قاموا "باغتيالات وهجمات انتحارية وخطف وحرق لحقول الحبوب في شمال العراق وسوريا"، وأشار إلى أن التنظيم يقوم بإنشاء "خلايا جديدة" و"يسعى لتوسيع نقاط القيادة في العراق".
وتشير الصحيفة إلى أن المتطرفين قاموا بحرق حقول الحبوب وإفراغ قرى كاملة، وجمعوا الأموال من خلال الاختطاف وأخذ الفديات، وجني "الضرائب" من المسؤولين المحليين، وأخذ نصيب من عقود إعادة البناء، لافتة إلى أن هجماتهم على مخاتير القرى -فقد قتل حوالي 30 في العراق عام 2018 بحسب تقرير للبنتاغون- تعد محاولة لتخويف الآخرين من التعامل مع بغداد.
ويلفت التقرير إلى أن ترامب قال في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي بأنه ينوي سحب آخر 2000 جندي أمريكي من سوريا، لكن البنتاغون خففت من ذلك وسحبت حوالي نصف العدد.
ويقول الكاتبان إنه مع ذلك، فإن المسؤولين العسكريين الأمريكيين يقولون بأن مساعدة قوات سوريا الديمقراطية في تصيد الخلايا السرية للتنظيم والمقاتلين الفارين يحتاج إلى مزيد من التدريب، وتقديم المعلومات الاستخباراتية أكثر من التدريب لمعركة في ميدان مفتوح، مشيرين إلى أن تقرير المفتش العام للبنتاغون قال بأنه حتى الانسحاب الجزئي سيؤثر سلبا على المهمة الأمريكية في العراق وسوريا.
وتذكر الصحيفة أن تنظيم الدولة قام الشهر الماضي بإعلان المسؤولية عن تفجير حافلة صغيرة مفخخة، تسبب بمقتل أكثر من 10 حجاج شيعة بالقرب من مدينة كربلاء، لإثبات أنه لا يزال نشيطا، وكان ذلك الهجوم هو الأقوى منذ أن خسر التنظيم الأراضي التي يسيطر عليها، مشيرة إلى أنه خلال ساعات من إعلان ترامب قبل أسبوعين عن سحب القوات الأمريكية قام التنظيم بمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية في مدينة الرقة.
وينقل التقرير عن ليث الخوري، من شركة "فلاشبوينت بارتنرز" المتخصصة في المخاطر التجارية، قوله إن مؤيدي تنظيم الدولة صرحوا بعد إعلان ترامب قائلين: "لقد يئس الصليبيون"، وأضاف الخوري أن الرسائل الأخرى "حثت جنود تنظيم الدولة في كل مكان على مضاعفة جهودهم".
ويفيد الكاتبان بأن المهام التي قامت بها قوات سوريا الديمقراطية تضمنت دوريات مكافحة إرهاب ومداهمات لخلايا متطرفة، بعضها كان يتم بالتعاون مع القوات الأمريكية وأخرى وحدها، بحسب المسؤولين الأمريكيين، مستدركين بأن الأكراد واجهوا امتعاضا من السكان العرب في شمال شرق سوريا.
وتنوه الصحيفة إلى أن القوات التي يقودها الأكراد قامت للحصول على دعم المجتمعات المحلية بإعفاء البعض، وأطلقت سراح مئات المعتقلين من مقاتلي ومؤيدي التنظيم، فيما وصف بأنه صفقات تصالح اعتمدت على علاقات غير رسمية مع قيادات المجتمع لإعادة اندماجهم.
ويورد التقرير نقلا عن الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة، التي تجولت في المنطقة بشكل مكثف ووثقت حالات عفو "تصالح" في تقرير الصيف الماضي، قولها إن تلك القوات قامت بضم بعض معتقلي تنظيم الدولة المطلق سراحهم إلى قواتها.
وينقل الكاتبان عن قادة المليشيات الكردية، قولهم لخليفة في مقابلة: "ما الذي تريدون أن نفعله؟ نقتلهم جميعا؟ نسجنهم جميعا؟ إن الطريق الأفضل إلى الأمام هو بإبقائهم تحت المراقبة وإبقائهم ضمن قوات سوريا الديمقراطية"، وقالت خليفة بأن من تم استيعابهم في قوات سوريا الديمقراطية لم يكونوا قيادات في تنظيم الدولة، وأنه لم يحصل انتكاسات لحد الآن.
وتستدرك الصحيفة بأن الانسحاب الأمريكي الآن والاجتياح التركي يهددان المراقبة غير الرسمية لأولئك السجناء السابقين، بحسب خليفة، فيما هناك خطر بأن يعودوا للقتال إلى جانب تنظيم الدولة، مشيرة إلى أن تركيا، التي حاربت الانفصاليين الأكراد محليا على مدى عقود، شنت الهجوم بهدف دفع القوات الكردية للخلف، واضطر قيادات الأكراد دون الحماية الأمريكية للتحول إلى محالفة الأسد.
ويورد التقرير نقلا عن بعض المحللين في العراق، قولهم إن هناك فرصا أمام تنظيم الدولة لاستغلال سخط السنة في المناطق التي كان التنظيم يسيطر عليها، حيث لم تف الحكومة بوعود إعادة الاعمار ما بعد الحرب، وبقيت المليشيات الشيعية التي نشأت لهزيمة تنظيم الدولة في الأماكن التي سيطرت عليها، وحاولت أحيانا الاستفادة من المجتمعات المحلية.
وينقل الكاتبان عن مدير مبادرة العراق في "تشاتام هاوس" ريناد منصور، قوله: "الناس في المناطق المحررة يتساءلون: (لماذا بقيت هذه المجموعات؟ ولماذا يسمونا كلنا تنظيم الدولة، ولماذا يفرضون علينا الضرائب وينهبوننا ويأخذون أموالنا؟)"، وأضاف أن الحملة ضد تنظيم الدولة كانت "حلا عسكريا لما هو مشكلة اجتماعية وسياسية".
وتشير الصحيفة إلى أن ترامب أصر على أنه يجب على تركيا أن تتحمل مسؤولية تنظيم الدولة في سوريا، وأشار إلى أنه قال للرئيس التركي رجب طيب أردوغان" "ستكون هذه مسؤوليتكم".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن مسؤولين سابقين وحاليين يقولون بأن سجل الجيش التركي في مكافحة الإرهاب قاتم، وليس هناك أمل في ملء الفراغ الذي تركته القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
ديلي بيست: قوات أمريكية خاصة انسحبت إلى قاعدة التنف
الغارديان: بوتين في الرياض يحتفل بخروج أمريكا من سوريا
هكذا حول تراجع ترامب في سوريا المشهد الكلي إلى فوضى