خلّفت الطريقة التي تحدث بها رئيس الدولة
الجزائري المؤقت، عبد القادر بن صالح مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، استياءً
عارما لدى من اعتبروها انتقاصا للسيادة الجزائرية ودعوة مبطنة للتدخل الأجنبي في
شأن محلي خالص.
وكشف تلفزيون "روسيا اليوم"، مساء الخميس،
عن مقاطع للقاء جمع الرئيسين على هامش قمة روسيا إفريقيا في سوتشي، ظهر فيه بن
صالح وكأنه يُلقي تقريرا على بوتين بشكل مرتبك مع إعطائه معلومات اعتبرها الكثيرون
مغلوطة.
وقال ابن صالح في نص المقطع مخاطبا بوتين:
"فخامة الرئيس إذا كنت قد طلبت منكم هذه المقابلة، فالغاية التي أسعى من
ورائها هي أنني أريد أن أطمئنكم بأن الوضع في الجزائر متحكم فيه وأننا قادرون على
تجاوز هذه المرحلة الدقيقة".
وأوضح أن الدولة وضعت خطة للخروج من الأزمة وهي
في مراحلها الأخيرة، حيث تم إنشاء هيئة حوار لم تكن رئاسة الجمهورية والمؤسسة
العسكرية ممثلتين فيها، تمخض عنها إنشاء سلطة لتنظيم الانتخابات الرئاسية التي
ستجرى في 12 كانون الأول المقبل.
ثم استطرد قائلا عن الحراك الشعبي: "صحيح
أن هناك بعض العناصر تخرج دوريا للشارع وترفع شعارات (يقصد رافضة للانتخابات).
وأضاف: "غير أن وسائل الإعلام تضخم ما يجري وتقدم معلومات غير دقيقة".
وظهر بوتين مبتسما بطريقة أثارت الكثير من
التأويلات وهو يستمع إلى بن صالح، ثم ردّ عليه بالقول: "نحن نعلم بأن هناك
أحداث في غاية الأهمية تجري حاليًا في الجزائر، ونأمل حقيقة من أن يتغلب الشعب
الجزائري على صعوبات المرحلة الانتقالية، نحن مقتنعون بأن كل شيء سوف يتم بطريقة
يستفيد منها الشعب الجزائري، وأنه سيُقوي دولته وسيادته".
موجة تعليقات
واللافت أن الإعلام العمومي الجزائري، قد غضّ
الطرف تماما عما دار في هذا اللقاء، مُدعمّا فرضية أن كلام بن صالح لم يكن موجها
للنشر لولا أن تم كشفه من الإعلام الروسي لغايات تضاربت الآراء في تأويلها.
وما إن ظهر مقطع الفيديو الخميس، حتى انفجرت
وسائل التواصل الاجتماعي، بعدد ضخم من التعليقات التي صبّت في معظمها في خانة
استهجان ما حدث واتهام بن صالح بتمريغ سمعة الجزائر وسيادتها في التراب.
وتساءل المعلقون عن سرّ حرص بن صالح على إطلاع
بوتين عن شأن داخلي سيادي وطمأنته دون أن يطلب هو ذلك، واستهجنوا حديثه عن الحراك
الشعبي بتلك الطريقة التي وصفوها بالمغلوطة من خلال القول بأن من يخرج رفضا
للانتخابات هم مجموعة عناصر فقط يُضخمهم الإعلام.
اقرأ أيضا: احتدام الجدل بالجزائر بين مؤيدي انتخابات الرئاسة ورافضيها
وقال سعيد صالحي القيادي في ائتلاف منظمات
المجتمع المدني، إن تصريح بن صالح أمام بوتين هو بمثابة دعوة للتدخل في شؤون
البلاد وطلب النجدة من الخارج ضد شعب مسالم وحضاري، رغم أن السلطة للمفارقة هي من
تعودت على اتهام المعارضة بأنها تمثل الأيادي الخارجية.
وأوضح صالحي في تصريح لـ"عربي21"،
أن النظام يحاول جاهدا إقناع الرأي الدولي وشركاء الجزائر بمساندته تارة عبر
محاولة تغليطهم حول حقيقة ما يجري وتارة أخرى عبر إغرائهم بالمزايا وهو ما حدث مع
التعديلات المدرجة على قانون المحروقات.
والغريب في كل هذا، وفق الناشط في الحراك
الشعبي، أن النظام الذي تعوّد على عدم قول الحقيقة للشعب، يعتقد أيضا أنه بإمكانه
مغالطة الرأي العام الدولي في زمن التكنولوجيا والعولمة، حيث لا يمكن حجب الحقيقة
أو التعمية على المظاهرات.
تبريرات أنصار بن صالح
لكن بن صالح رغم الهجوم عليه وجد أنصارا قالوا
إن خطابه كان موجها للمستثمرين ليطمئنهم على أن الوضع متحكم فيه وهو يسير نحو
تنظيم الانتخابات الرئاسية.
ورأت بعض التعليقات في صفحات فيسبوك المساندة
لبن صالح، أن رئيس الدولة يُحاول أن يجذب مستثمرين جدد إلى الجزائر خارج الفضاء
الفرنسي المتأثر بما تُروّجه وسائل الإعلام الفرنسية حول الوضع في البلاد.
وذكر بعض المساندين لقرارات قيادة المؤسسة
العسكرية، إن الضعف الذي ظهر بن صالح، يدعم أكثر فكرة ضرورة الذهاب إلى الانتخابات
الرئاسية وانتخاب رئيس شرعي يستطيع تمثيل البلاد في الخارج.
وهناك من اعتبر أن مجرّد إلقاء بن صالح لكلمته
أمام بوتين بالعربية، هو انتصار للجزائر في وقت كان المسؤولون سابقا يستعملون
الفرنسية خارج الديار الجزائرية.
وعلّق أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران رابح
لونيسي، على النقطة بالقول، إن "حديث بن صالح بعربية فصيحة، لكن باستكانة
وضعف، هي محاولة منه لكسب بعض الجزائريين الذين لازالوا متأثرين بخطاب إعادة
الاعتبار للغة العربية الذي تستخدمه السلطة لإنقاذ نفسها وكسب البعض من هؤلاء
بالرغم من أن بن صالح لا يتقن في الحقيقة إلا العربية فقط.
وقال لونيسي في حديثه مع "عربي21"،
إن هذه الملاحظة الشكلية يراد منها إخفاء خطورة مضمون ما دار في اللقاء، مشيرا إلى
أن مجرد ذكر بن صالح بأنه طلب مقابلة بوتين "هو تصرف خطير يعني في ثقافتنا
مطالبة مرؤوس مقابلة رئيسه إما لطلب مساعدة أو تقديم شكوى، وهو ما يزيد النظام في
الجزائر ضعفا أكبر".
أما الملاحظة الأهم في تقدير لونيسي، فهي
الإيحاء من خلال لقائه ببوتين إلى النموذج السوري، وكأننا عدنا -يضيف- إلى نفس
منطق التخويف الذي اعتمده الوزير الأول السابق أحمد أويحيى للجزائريين في بداية
الحراك عندما حذّر من تحوّل الجزائر إلى سوريا جديدة.
بالمقابل، قرأ أستاذ العلوم السياسية في ردّ
بوتين وابتسامته من حديث بن صالح، إدراكا روسيا لحقيقة أن ما يقع في الجزائر هي
ثورة سليمة لا يمكن المغامرة بدعم نظام يريد قمعها.
وأضاف: "بوتين بمخابراته يعرف جيدا أن
الحراك الشعبي في الجزائر ليس وراءه منافسوه على الصعيد الدولي كأمريكا وأوروبا
اللذين يدعمان النظام، ولهذا هو يفكر من الآن في علاقته مع النظام الجديد القادم
في الجزائر الذي ستكون علاقاته متوازنة مع كل دول العالم، ومنها القوى الكبرى مع
الحفاظ على مصالح الجزائر".
توقيف نائبة رئيس حزب فرنسي بالجزائر بعد مشاركتها في الحراك
قايد صالح يتحدث عن "العملاء" ويؤكد على المسار الانتخابي
هذا ما رفعه جمهور الكرة بالجزائر من شعار ضد السيسي (شاهد)