يعيش لبنان حالة أزمة مزمنة، بسبب نظام حكم ما كان ممكنا أن يؤدي إلى وحدة وطنية، أو إلى تعزيز الحس بالانتماء إلى وطن، وصحيح أن ذلك النظام يحظى بالتوصيف بأنه ديمقراطي، لأنه يأتي ببرلمان منتخب ورئيس منتخب، ولكن وفق مواصفات وشروط وضعت قبل نحو قرن من الزمان، توزع المناصب السيادية والدستورية والتنفيذية وفق معادلة "طائفية" وعائلية، تجعل الوطن كعكعة معظم أجزائها مخصصة لبيوت معينة، احتكرت تمثيل الطوائف، ثم برزت في السنوات الأخيرة طائفة جديدة ممثلة في حزب الله الذي صار دولة موازية داخل المعادلة الهشة، بعد أن كانت العناصر التي يمثلها كمّا مهملا في معادلة الحكم القديمة، وصار التلميذ الذي غلب شيخه.
انفجار غير مفاجئ
ومن المؤكد أن اللبنانيين باتوا يرفضون أن يظلوا رهائن لآل فرنجية وشمعون والحلو والجميل ووكلائهم، ومن يسعون لتكريس الأحزاب الوراثية، ولم أستطع أن أتمالك نفسي من الضحك، وأنا أسمع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري يخاطب الجماهير متعهدا بالقضاء على النظام القديم، الذي هو نتاجه، فلو لم يكن ابن رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، لما تسنى له شغل منصب أكبر من مقاسه الفكري والثقافي والسياسي.
ولم يكن انفجار الغضب الشعبي في لبنان على بؤس الحال العام بسبب بؤس نظام الحكم، مفاجئا إلا للجالسين على الكراسي الوثيرة في بعبدا وملحقاتها من حاملي الألقاب الفخمة، وشاغلي المناصب العليا في البلاد، الذين غاب عنهم أن دوام الحال من المحال، فكان الهلع والجزع وسوق الوعود بتحسين الأمور بإجراء إصلاحات هنا وهناك.
الحراك الشعبي الناشد للتغيير أو الإصلاح يبدأ عفويا في جميع الدول، ولكن وفي غياب قيادة مركزية وأجندة مركزية يسهل على السلطات الحاكمة اختراق الحراك وإضعافه
غياب القيادة المركزية
والحراك الشعبي الناشد للتغيير أو الإصلاح يبدأ عفويا في جميع الدول، ولكن وفي غياب قيادة مركزية وأجندة مركزية يسهل على السلطات الحاكمة اختراق الحراك وإضعافه بالرشا والوعود والوعيد، وينفتح الباب أمام السذج والبسطاء والانتهازيين، لتبخيس وتبسيط القضايا وتمييعها عن قصد أو من غير قصد.
وفي زمان صارت فيه وسائل التواصل الاجتماعي هي الأداة الأساسية لنقل أخبار مثل الحراك الذي يشهده لبنان، والتنسيق بين قطاعات الشارع السياسي والمطلبي، نلحظ أمرا مؤسفا يتمثل في أن بعض المشاركين في الانتفاضة، لا ينقلون عنها إلى العالم الخارجي، إلا مشاهد ممعنة في العبط والسخف والبلاهة والتفاهة، بتركيز عدسات الكاميرات والمايكرفونات على أشخاص ومجموعات عابثة تستغل الحراك الجماهيري لممارسة تهريج مبتذل، لا علاقة له بقضايا البلاد الصغرى أو الكبرى.
الوضع في لبنان لا يحتاج إلى إصلاح، بل إلى خلخلة الجذور لتغيير النظام بتغيير الدستور والسعي لإقامة دولة المواطنة