NYT: هكذا دافع محافظ المصرف المركزي اللبناني عن نفسه

تشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمعلق روجر كوهين، تحت عنوان "معركة لبنان ليولد أخيرا"، يقول فيه إن لبنان كان متقدما على الجميع في الحرب الأهلية، وهو الآن آخر الدول في الربيع العربي، الذي يتوحد فيه الناس في الاشمئزاز والتعب من السرقة والفساد والمحاباة، التي سببت معاناة واسعة في هذه الأرض الجريحة. 

ويقول كوهين في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "شعب ومواطنون لا يمكن التفريق بينهم، اكتشفوا فجأة العلم اللبناني، يقفون أمام المصرف المركزي في بيروت، ويطالبون محافظه منذ مدة طويلة، رياض سلامة، بالاستقالة، وتقديم نفسه إلى العدالة وتقديم توضيحات حول زفاف ابنه المفرط في التبذير، الذي عقد في مدينة كان الفرنسية، وتقديم أدلة حول الأموال التي سرقتها الحكومة". 

ويشير الكاتب إلى شعار الثورة "كلن يعني كلن"، قائلا: "يجب أن يرحلوا مع سلامة، بالإضافة إلى الرئيس الماروني ميشال عون، ورئيس الوزراء السني سعد الحريري، ورئيس البرلمان الشيعي نبيه بري، وزعيم حزب الله حسن نصر الله، نعم نصر الله لأن المحرمات سقطت وبسرعة متناهية". 

ويلفت كوهين إلى أن "ربع سكان لبنان خرجوا للشوارع، وفي البلد الأكثر طائفية يقف الجميع معا، إلا أن الوحدة هشة، فحزب الله الذي قاتل لحماية نظام بشار الأسد لن يتخلى عن السلطة بسهولة، وألقى زعيمه اللوم في هذه الاضطرابات لقوى خارجية، وحذر من الفوضى". 

ويستدرك الكاتب بأن "اللبنانيين تعبوا من القيام بدور الوكيل عن الآخرين، فهم يستعيدون بلدهم ومعه أعلامه، وبيروت مشلولة والأعمال فيها معطلة، وكان خطاب عون الذي وجهه للمتظاهرين فشلا ذريعا، وقال إن تغيير النظام لا يبدأ من الشارع، وسخر من الناس لأنهم يعتقدون أن الشارع هو المكان الذي يجب أن يبدأ منه التغيير". 

ويجد كوهين أن "الجديد في لبنان هو حركة شعبية تدفعها وسائل التواصل الاجتماعي، مصممة ومتحدة للتخلص من الوضع القائم ومنح العدالة للناس. ومن تركيا وتشيلي، ومن فرنسا إلى مصر، ومن البرازيل إلى ليبيا كانت ثورات الغضب هي علامة العقد الماضي، حيث فشلت وتلاشت، فأن تكون دون قائد شيء جميل، لكنه وضع ليس فعالا". 

ويستدرك الكاتب بأن "لبنان هو لبنان، حكومة ضعيفة، وجيشان (جيش الدولة ومليشيا حزب الله)، وعملتان، و18 جماعة دينية معترف بها، وألف نظرية مؤامرة، ولهذا فإن الوضع لا يمكن استمراره لمدة طويلة، فالدولة ضعيفة، والاقتصاد يقف على حافة الانهيار، والشعب المجهد ليس لديه مزاج للتسوية مع قادته، وكفى خوفا وأمراء حرب وحروبا طائفية، لبنان يبحث عن بداية جديدة".

وتنقل الصحيفة عن أحد المتظاهرين أمام المصرف المركزي، قوله: "هذه أول مرة في تاريخ بلدنا يقف فيها المسيحيون والدروز والسنة والشيعة والجميع جنبا إلى جنب.. وهذا إما نجاح أو فشل، والفرصة الأخيرة للبنان.. ساهم اللبنانيون والفلسطينيون في بناء دبي لكنهم لم يستطيعوا بناء بلديهم، ولهذا كان عليهم الخروج وبناء الدول الأخرى لإطعام أبنائهم"، فيما قالت أخرى: "نحن لسنا بلدا فقيرا، إلا أن من يحكمنا هم من اللصوص". 

ويقول كوهين: "سمعت قصصا كثيرة عن جعل الدولار العملة الرسمية في البلد لاستعباد الاقتصاد اللبناني لصالح أمريكا، وكيف ساعد محافظ البنك المركزي، سلامة، على مدى 26 عاما، على تحويل أموال هائلة لحسابات في ملاجئ ضريبية للوزراء وعائلاتهم وأصدقائهم، بالإضافة إلى نظريات أخرى". 

وينوه الكاتب إلى أن "الاقتصاد يعاني من انهيار مستمر بسبب عدم تدفق رأس المال، فيما ظلت البنوك مغلقة خشية تدافع الناس على شراء الدولار، أما أكوام النفايات فهي مثل التلال، والكهرباء لا تأتي بشكل مستمر، ويتم التخلص من المياه العادمة برميها في البحر، وتقول العضو المستقل في البرلمان بولا يعقوبيان: (الشيء الوحيد الذي نقوم بتدويره هنا هم الساسة)". 

ويذكر كوهين أنه استطاع الوصول إلى مكتب سلامة عبر دائرة من الحواجز الأمنية، ووجده يتعرض لضغوط صعبة، وغاضب من الاتهامات الموجهة ضده، وقال سلامة: "اليوم الجميع يستطيع قول ما يريده عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. قرأت الكثير من سير ذاتية كتبت عني، واكتشفت أنني لا أعرف نفسي.. مساهمتي في السنوات الماضية كانت هي الحفاظ على استقرار لبنان". 

وتورد الكاتب نقلا عن سلامة، قوله إن التعامل مع اقتصاد يقوم على الدولار أمر ليس سهلا، حيث نسبة 73.5% من الأرصدة هي من العملة الأجنبية، والعجز في الميزانية عال، وحماية العملة المحلية معركة يومية، ويضيف: "لا أعلم إن كانت الحكومة فاسدة جدا، وكل ما أقوله هو أنني وضعت آلية للتحقيق ومواجهة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب ولم أتنازل في هذا، ومن عانوا من قراراتي يحاولون جري الآن باتهامات الفساد". 

ويفيد كوهين بأن سلامة أكد أن المصرف المركزي لا سلطة له على حسابات المصارف الخاصة، قائلا: "لم يتعامل البنك المركزي مع الحسابات الخاصة، وهذا الأمر ليس من صلاحيتي، ويجب على البنوك معرفة عملائها وتقديم تقارير لنا لو رأت أمرا مشبوها". 

ويشير الكاتب إلى أن سلامة قال عن زواج ابنه في كان، الذي كان مصدر كثير من الشائعات، إنه جرى في الخارج لأن ابنه المسيحي تزوج من مسلمة، وكان من السهل عقد الزواج المدني في الخارج، وأضاف: "كان عشاء عاديا". 

ويلفت كوهين إلى أن سلامة يشعر بالقلق، وليست لديه فكرة عن الكيفية التي ستنتهي فيها المواجهة، ويرى أن الحل لا يكون من خلال العنف، ويقول: "نحن بحاجة لإعادة الثقة"، مشيرا إلى أنه عندما سئل إن كان سيستقيل فإنه أجاب: "إذا كان ذلك سيخدم البلد، لكنني أعتقد أنه سيترك أثرا عكسيا فيما يتعلق بثقة الأسواق.. لو كنت أنا المشكلة فاعتبرها محلولة، لكن التعبئة وجعل المال ورأس المال هو العدو لا يدفعان للأمام، ونريد بناء دولة واقتصاد نام". 

ويرى الكاتب أن "مدير البنك يجد نفسه في وضع خطير، بعد سنوات من التعامل مع شبكة السلطة، لكنه لم يتخل عن كرامته والناس الذي يقفون أمام البنك، فلا حل على ما يبدو للمشكلة، فهناك معركة جيلية لبناء بلد شريف يمكن أن يكون نموذجا للشرق الأوسط". 

ويتذكر كوهين كيف كان قبل 36 عاما يغطي الحرب الأهلية لصحيفة "وول ستريت جورنال"، وقام بزيارة المصرف المركزي بالطريقة ذاتها، لكن بيروت لم تكن تشتعل بعد. 

ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "الجيل الحالي الذي لم يعش ويلات الحرب، يكافح من أجل التخلص من إرث الحرب، وستكون معجزة لو نجحوا، لكن لبنان الجديد خرج للحياة في الأيام التسعة الماضية ولن يتم إطفاء نوره بسهولة".

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)