كشف أولياء أمور طلاب
مدارس ابتدائية وإعدادية في
مصر، أن ثلاثة أمراض معدية تحاصر أبناءهم منذ أكثر من شهر داخل المدارس، نتيجة
انتشار أمراض التيفوئيد، والالتهاب السحائي، والجدري المائي، بين تلاميذ مدارس
القاهرة والجيزة والإسكندرية والشرقية.
وكانت وزارة الصحة المصرية رفضت في البداية
الاعتراف بانتشار أمراض معدية بالمدارس، ونفت من خلال المكتب الإعلامي لمجلس
الوزراء وجود مثل هذه الأمراض، إلا أنها عادت وأعلنت يوم الأحد 3 تشرين الثاني/
نوفمبر الجاري، وفاة الطالب حازم محمد عبد الغني بالصف الثاني الإعدادي بإدارة
العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، نتيجة إصابته بالتهاب رئوي حاد، بالإضافة لإصابة
12 تلميذا بالمحافظة بالجدري المائي.
وفي القاهرة، قررت إدارة القاهرة الجديدة
التعليمية السماح لتلاميذ مدرسة "المستقبل 9" و"الحرية" و"اللواء
عمر سليمان"، و"الدكتور مجدي يعقوب" بالتجمعين الثالث والخامس،
بالغياب المفتوح بعد انتشار أعراض مرض التيفوئيد على عدد من التلاميذ، وفقا لشكاوى
تقدم بها أولياء الأمور، بأن التحاليل التي أجروها على أبنائهم بعد تعرضهم لسخونة
عالية، أكدت إصابتهم بحمي التيفوئيد.
وفي محافظة الإسكندرية تقدمت منى الشبراوي، عضو
مجلس النواب عن المحافظة، ببيان عاجل لوزير الصحة عن حقيقة انتشار الإصابة بعدوى
الالتهاب السحائي بين تلاميذ المحافظة، بعد وجود شبهة في وفاة الطفلة "كارما
مصطفى عبد العزيز"، نتيجة إصابتها بعدوى الالتهاب السحائي أثناء وجودها
بالمدرسة.
ورغم نفيها المتكرر لوجود هذه النوعية من الأمراض
المعدية بالمدارس، بدأت وزارة الصحة المصرية بشكل مفاجئ، منتصف الأسبوع الماضي،
حملة تطعيم واسعة تشمل 7 ملايين تلميذ، بمختلف مراحل التعليم من الروضة وحتى
الثانوي، ضد مرض الالتهاب السحائي وحمى التيفوئيد.
"إهمال متعمد"
من جانبه، يؤكد عضو البرلمان السابق، واستشاري
الأمراض الطفيلية والحميات، بجامعة الإسكندرية، محمد جمال حشمت، لـ
"عربي21"، أن المشكلة ليست في الإصابة بأي أمراض مثل التيفوئيد أو
الالتهاب السحائي أو غيرها من الأمراض المعدية، وإنما المشكلة في تعامل النظام
معها، وإصراره على عدم وجودها، حتى تنتشر بشكل أوسع، وبالتالي يصعب مواجهتها، كما
حدث مع وجود الالتهاب السحائي بالإسكندرية، ثم انتقاله لمحافظات أخرى.
ويشير حشمت إلى أن النظام العسكري برئاسة عبد
الفتاح السيسي، لا يريد الاعتراف بانتشار هذه العدوى، خوفا من فضح حقيقة حملة "100
مليون صحة"، التي يتبناها، ويردد أنها قضت على الأمراض المعدية والمتوطنة
بمصر، رغم أن كل الأرقام الخاصة بأمراض الفشل الكلوي وأمراض الكبد، تشير لوجود
زيادة مستمرة في عدد المرضي.
ووفق حشمت فإن النظام العسكري يتعامل مع ملف
الصحة بإهمال كبير، "لأنه ملف يقتطع من موازنة الدولة، وهو ما يخالف توجهات
السيسي، الذي يريد تحويل كل شيء في مصر لسياسة البيع والشراء، بمعنى أن من لديه
أموال، يمكن أن يحصل على الخدمة، حتى لو كان منصوصا عليها في الدستور الذي وضعه
بنفسه، بأنها خدمة مجانية، وهو ما يبرر تخفيض موازنتي الصحة والتعليم لأقل من 2%
من إجمالي الموازنة العامة للدولة".
وحسب استشاري الأمراض الطفيلية والحميات، بجامعة
الإسكندرية، فإن الأمراض التي بدأت تنشر في المدارس والتجمعات الأخرى، خاصة
الالتهاب السحائي والتيفوئيد، من فصيلة الأمراض المعدية التي يمكن أن تؤدي للوفاة
إذا لم يتم علاجها بشكل عاجل، ووفق الاشتراطات الصحية والأمصال التي وضعتها منظمة
الصحة العالمية.
ويشير حشمت لكارثة أخرى، وهي أن غياب المعايير
القياسية للوقاية الصحية جعلت الإصابة بالأمراض المعدية تنتقل إلى الأطباء
العاملين في هذا المجال، مستدلا بحالة طالبة الامتياز "يارا عصام"، التي
تعرضت للوفاة بعد إصابتها بعدوى الالتهاب الرئوي من أحد المرضى أثناء قيامها
بعملها داخل العناية المركزة، وظهور أعراض للمرض على اثنين من زميلاتها، وهو ما
يكشف الإهمال الطبي الواضح في التوعية بخطورة هذه الأمراض حتى بين الأطباء الشباب.
"بيئة خصبة"
ويؤكد عضو لجنة التعليم بمجلس الشعب المصري
سابقا، محمود عطية، لـ"عربي21"، أن هناك أكثر من سبب لوجود أمراض معدية
داخل المدارس، أهمها غياب الرقابة الصحية بشكل كامل على المدارس، بما فيها المدارس
الخاصة، وليس الحكومية فقط، موضحا أن الطالبة التي توفيت نتيجة إصابتها بالالتهاب
السحائي بالإسكندرية، كانت بمدرسة خاصة وليست حكومية.
ويشير عطية إلى أن المدارس الحكومية بيئة خصبة
لانتشار الأمراض المعدية، في ظل زيادة الكثافة الطلابية بشكل كبير، ولعدم وجود
رعاية صحية جيدة، نتيجة زيادة تكلفتها المادية، وضعف الموازنة المخصصة للصحة
المدرسية، وحتى حملات التوعية الصحية التي تقوم بها الحكومة، هي نفسها تحتاج
لحملات توعية، نتيجة غياب الخبرة والاهتمام والرقابة من القائمين عليها.
ويوضح عضو لجنة التعليم السابق، أن "النظام
العسكري لا يعنيه صحة التلاميذ، لأنه غير مهتم بصحة المصريين بشكل عام، وأن حملات "100
مليون صحة" وغيرها، الهدف منها "الشو الإعلامي"، وليس الخدمة
الطبية الحقيقية، وإلا لما ظهرت مثل هذه الأمراض المعدية بين طلاب المدارس، رغم أن
معظمها اندثر من مصر منذ سنوات مثل التيفوئيد".