نشرت مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا للكاتب سكوت باترسون، يقول فيه إن السلطة تفسد، فهل هذا ما حدث لحزب الله الذي مارس تأثيرا كبيرا في لبنان حتى عندما كان جنوده يموتون في سوريا؟
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الاحتجاجات في لبنان كسرت حاجز الخوف، لافتا إلى أن مقاتلا مخضرما من حزب الله لا يتذكر عدد المرات التي سافر فيها إلى سوريا، فالصور الفظيعة على هاتفه النقال تشهد كم كان محاربا فعالا، وهي أيضا شاهدة على قدرة وحدته في تقديم جثث مقاتلي تنظيم الدولة والجهاديين، إلا أن المقاتل لا يريد العودة إلى سوريا، ويرفض العودة إليها.
ويقول باتريسون إن الحزب الذي أنشئ لقتال إسرائيل وسع من مهمته إلى جبهات أخرى، مثل اليمن والعراق، ما أجبره على تخفيف متطلبات التجنيد، مشيرا إلى أن الحزب يواجه أزمة مالية بسبب المصاعب التي تمر بها راعيته الإيرانية.
وتلفت المجلة إلى أن عدد قتلى حزب الله في سوريا يقدر بحوالي 1250 مقاتلا، فيما يضاعف تقدير آخر العدد، مشيرة إلى أنه إذا كان هذا الأمر صحيحا فإن من عادوا بالأكفان أكثر ممن قتلوا في الحرب ضد إسرائيل منذ إنشاء الحزب عام 1982.
وينقل التقرير عن المقاتل الذي امتنع عن الكشف عن اسمه، قوله: "لقد أغرقونا بالأكاذيب"، وأضاف: "لقد أثرى القادة أنفسهم، وأنا مستعد لحرب إسرائيل، لكنك تموت في سوريا دون أي داع".
ويفيد الكاتب بأن هذا الغضب انعكس على الخيار الذي قرر عدد كبير من الشيعة اتخاذه، وهم أنصار حزب الله، بالانضمام للتظاهرات التي تشهدها البلاد ضد الفساد والطائفية ونقص الخدمات، التي تدعو إلى التخلص من النظام السياسي القائم، الذي بات حزب الله يؤدي دورا مؤثرا فيه.
وتعلق المجلة قائلة إن الأيام التي كان فيها حزب الله يتمتع باحترام واسع في لبنان ولت دون رجعة؛ لأنه بنى "مجتمع المقاومة" ضد إسرائيل، عندما قدم المساعدات والخدمات الاجتماعية والصحية للطائفة التي ظلت محرومة، وظل الحزب بأيديولوجيته متجاوزا السياسة وبعيدا عن لطخة الفساد.
ويورد التقرير نقلا عن المقاتل، الذي كان يرتدي زيا مموها وأخفى بعيدا عن الأنظار بندقيتين ومسدسا، قوله: "الآن يعاقب الحزب نفسه لأنه ارتكب خطأ فادحا من خلال التوسع في سوريا والعراق واليمن؛ لأنه يخسر قاعدة الدعم"، ويضيف: "الشيء المهم، عندما لا يستطيع الرجل إطعام عائلته ومساعدتها فماذا يفعل إذن في داخل حزب الله؟"، مشيرا إلى أن 600 دولار في الشهر لا تستحق أن يموت من أجلها الشخص في سوريا.
ويقول المقاتل للمجلة: "لا يمكننا عمل أي شيء (بهذا المبلغ) هنا في لبنان، وهم (القادة) يقودون رينج روفر وأغنياء جدا، ولا يهتمون بأحد، وهذه هي المشكلة الكبيرة.. لم يعد الناس يتحملون هذا الأمر".
ويعلق باترسون قائلا إن التذمر من حزب الله موجود منذ سنوات خلف الأبواب المغلقة، لكن بهدوء، حتى اندلعت التظاهرات التي خرجت احتجاجا على ضريبة مكالمات وسائل التواصل الاجتماعي، على طريقة الربيع العربي، التي انضم إليها الشيعة الساخطون.
ويقول مقاتل حزب الله: "لقد كسر حاجز الخوف.. يرى الناس الوضع عبر منصات التواصل الاجتماعي ولا يمكنهم (الحزب) الكذب بعد هذا".
وتنوه المجلة إلى أن أنصار للحزب وحركة أمل حاولوا استفزاز المتظاهرين، فاعتدوا في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر على خيام المتظاهرين بالعصي والأنابيب، لكنهم فشلوا، مشيرة إلى أن الأمين العام للحزب حسن نصر الله، تبنى نبرة متوازنة، عبر فيها عن دعم حركته للمطالب الشرعية للمتظاهرين، لكنه رفض محاولات تغيير النظام السياسي بالقوة، واتهم نصر الله دولا ومخابرات أجنبية بالتلاعب بالمتظاهرين؛ لأنها تريد "الانتقام وتصفية الحسابات".
ويجد التقرير أن هذا كله لا يخفي أزمة الحزب المالية، الذي تلقى ولعقود الدعم المالي، إضافة إلى الأعباء التي تحملها بنشر مقاتليه دفاعا عن نظام بشار الأسد.
وينقل الكاتب عن المحلل المقيم في بيروت والزميل في المجلس الأطلسي نيكولاس بلانفورد، قوله: "يواجه حزب الله في هذه الفترة تناقضا ظاهريا"، فالحزب وإن لم يكن قويا عسكريا أو سياسيا مثل الآن، إلا أنه في الوقت ذاته يواجه الكثير من مظاهر الضعف التي لم تكن موجودة في الماضي.
وتشير المجلة إلى أن أحد مظاهر ذلك الضعف هو التوسع السريع، وزيادة عدد المقاتلين إلى 25 ألف مقاتل متفرغ بعد الحرب التي خاضها الحزب ضد إسرائيل في عام 2006، التي وصفها نصر الله بالنصر الإلهي، وحتى تلك الحرب لم يكن عدد قوات الحزب ليتجاوز الـ 3 آلاف إلى 5 آلاف مقاتل، الذين يتلقى الواحد منهم تدريبا دينيا لمدة عامين قبل السماح له بلمس السلاح، إلا أنه عندما أرسل الحزب مقاتليه إلى سوريا عام 2012، فإن المقاتل لم يعد يحتاج إلا لشهر تدريب قبل إرساله إلى الجبهات.
ويلفت التقرير إلى أن الضعف الثاني هو نقص المال بسبب العقوبات الأمريكية على إيران وحزب الله، وكلفة الحرب في الخارج، التي تكلف الحزب بحسب تقديره 20 مليون دولار في الشهر، مشيرا إلى أن المتظاهرين في الشارع هتفوا بأن لبنان أهم من سوريا.
وينوه باترسون إلى أن الضعف الثالث هو النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية بين المسيحيين والمسلمين السنة والشيعة، مشيرا إلى أنه بموجب ذلك فإن النتيجة الإجمالية ستكون نقطة تحول للحزب الذي يتطلع إلى المرشد الروحي للثورة الإيرانية آية الله خامنئي، وبعيدا عن مشكلة التجنيد والمال أصبح الحزب جزءا من النظام السياسي الذي كان يمقته.
وتورد المجلة نقلا عن بلانفورد، قوله: "لا أعلم كيف سيعيد حزب الله الأمور للوراء"، وأضاف: "أعتقد أن حزب الله وصل ذروته في لبنان، وأصبح كبيرا على بلد صغير مثل لبنان".
ويستدرك التقرير بأن الحزب لا يزال يتمتع بدعم ومؤيدين، فبحسب مقاتل شارك في سوريا عدة مرات والعراق فإن الحزب قوي، و"لو فتح النار على الناس في بيروت فلن تتأثر شعبيته.. السبب لأن أنصار حزب الله لن يتنازلوا، ومرت علينا ظروف أسوأ والمقاومة لها من يدعمها"، وأضاف أن اي مقاتل يرى راتب 600 دولار ليس كافيا فهو حر بتركه، و"كوننا مقاتلين ملتزمين نحصل على رواتبنا فإننا لم نتأثر، لكن داعمينا هم الذين يتأثرون".
وينقل الكاتب عن المقاتل واسمه علي، قوله: "تؤدي الأيديولوجية دورا هنا، وحتى الأنصار، نعم يعانون وهم تحت خط الفقر، وفي النهاية عليك أن تفهم أن حزب الله عمل بجد خلال السنوات على الأيديولوجية".
وتعلق المجلة قائلة إن هذا اعتقاد ديني يرى في المقاومة والجهاد واجبا دينيا، مشيرة إلى قول علي: "نقوم اليوم بتجنيد نوع جديد من الأشخاص، فئة ثانية لأننا بحاجة إليهم.. هم ليسوا ملتزمين مثلنا لكننا بحاجة إليهم، ونعمل عليهم من ناحية الأيديولوجية والانضباط".
ويشير التقرير إلى أن الحزب لطالما عمل على منع السخط في معاقله، ولهذا كان اندلاع التظاهرات فيها، كما في عدد من المدن اللبنانية، دليلا على وجود السخط.
ويورد باترسون نقلا عن المحتجة نسرين حمود، من طرابلس في الشمال، قولها: "عندما يخرج الناس في الجنوب إلى الشوارع، فعندها تعلم أن الخوف قد ذهب، وعندها نعلم أن هناك ثورة حقيقية".
وتقول المجلة إنه حتى عندما طلب نصر الله من الشيعة عدم المشاركة، فإن علاء من بعلبك اختار غير ذلك؛ "لأن أولويات نصر الله غير أولوياتنا، فنحن نريد تغيير النظام وحياة أفضل، أما أولوية حزب الله فهي الحفاظ على النظام، والتأكد من علاقة جيدة مع حلفائه".
ويجد التقرير أن هذا يعني أن حزب الله يقف على منعطف طريق، لافتا إلى قول البروفيسور في الجامعة الأمريكية رامي خوري: "حزب الله جيد في المقاومة لكنه ليس جيدا في السياسة.. حانت اللحظة ليعيد تقييم الطريقة التي يتعامل فيها مع سياسة تقوم على الطائفية والنموذج التوافقي، وهم لاعبون رئيسيون بل صانعو ملوك في ذلك".
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" بالإشارة إلى قول خوري: "لهذا فإن هناك الكثير من اللوم على الحكم الفاسد، حتى لو لم يكونوا يحكمون بأنفسهم، فهم يستحقون اللوم؛ لأنهم سمحوا لشركائهم بأن يكونوا فاسدين، وبأن يعاملوا المواطنين بازدراء".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
FP: كيف سيتصرف حزب الله مع احتجاجات لبنان المستمرة؟
فورين بوليسي: هل هزمت الثورات الشعبية إيران بالشرق الأوسط؟
الغارديان: هل أسكت شبح الحرب بسوريا الاحتجاجات العربية؟