نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للخبير في الشؤون العرقية في الصين أدريان زينز، تحت عنوان "لا تريد الصين أن نعرف، وها هي ملفاتها تقول الحقيقة"، يعلق فيه على التسريبات الأخيرة التي كشفت عن السياسات القمعية ضد المسلمين الإيغور، قائلا: "لا إنكار بعد اليوم ولا تهرب".
ويقول زينز في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الحزب الشيوعي الصيني لا يستطيع إخفاء حملته المستمرة من الاعتقالات الجماعية ضد الأقليات العرقية في إقليم تشنجيانغ في شمال غرب البلاد، ولا الزعم بأن جهوده هي مجرد برامج تعليمية نافعة، فما نشر بشكل على نطاق واسع وتم التأكيد منه بروايات مباشرة أثبتته وبطريقة لا شك فيها سجلات (غيغابايتس) من الملفات، وأطنان من التقارير وآلاف البيانات، بعضها سري وآخر يحظر نشره".
ويشير الكاتب إلى أن "صحيفة (نيويورك تايمز) نشرت وحللت في الأسبوع الماضي مجموعة كبيرة من الوثائق الحكومية الداخلية والتي حددت السياسات التي يجب اتخاذها من أجل قمع الأقليات المسلمة في إقليم تشنجيانغ، وكشفت الصحيفة عن دور الرئيس شي جين بينغ في تحديد معالم السياسة".
ويلفت زينز إلى أنه "نشرت يوم الأحد مجموعتان من الوثائق، التي قمت بمراجعتها وتم الكشف عنها، ومن بين المجموعة برقية سرية تم تسريبها وقعها نائب رئيس الحزب الشيوعي في تشنجيانغ زو هيلون، التي تقدم تعليمات للسلطات حول كيفية إدارة (مراكز التدريب المهني)، وهي تعبير مجازي عن معسكرات الاعتقال، أما المجموعة الثانية فهي عبارة عن مجموعة من الملفات والبيانات من الحكومات المحلية، وتكشف عن أثر حملة الاعتقالات الاقتصادية والاجتماعية على العائلات والمجتمعات التي تم استهدافها".
وينوه الكاتب إلى أن "البرقية تعود إلى 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، وتم توجيهها إلى المكاتب السياسية والقانونية المحلية، وكتبت عليها عبارة (عاجل جدا)، وتكشف مدى الإجراءات الأمنية والرقابية التي طبقت على مراكز الاعتقال، وذلك من أجل منع أي نوع من الرقابة الخارجية، فالرسالة والأمر والمذكرات حول التعليم الذي يتم تنفيذه هناك هو (سري للغاية) و(حساس جدا)، ويمنع حتى على الحرس في المعسكرات من إحصاء عدد المعتقلين".
ويفيد زينز بأن "محاولات السلطات فرض نظام من السرية تأكدت من خلال وثيقة تعود إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، وأعدتها حكومة منطقة هوتان، وفيها توبيخ للمسؤولين لأنهم (لم يحافظوا على الأسرار) المتعلقة بالحملة، وتؤكد عدم السماح (لأي شخص) وفي أي ظرف بنشر المعلومات عن المعتقلات أو مراكز إعادة التعليم من خلال الهاتف أو الهاتف النقال أو الإنترنت، ويحظر تماما على المسؤولين (استقبال الإعلام ومنح مقابلات)، أو القيام (بالكشف عن معلومات دون إذن) حول حملة الاعتقال".
ويعلق الكاتب قائلا إن "محاولة السلطات تأكيد السرية على سياساتها في إقليم تشنجيانغ تؤكد أنها كانت تعلم أن هذه الممارسات والسياسات تحمل أدلة الإدانة".
ويقول زينز إنه كان قادرا على استخراج كمية هائلة من الملفات التي أعدتها الحكومة المحلية داخل تشنجيانغ، وبينها آلاف التفاصيل والبيانات والجداول التي تحتوي على أسماء وأرقام تعريفية وعناوين عشرات الآلاف من الأشخاص، معظمهم إيغور، وعدد منهم المعتقلات والسجون أو مراكز إعادة التعليم.
ويشير الكاتب إلى أنه "في منطقة يركاند، هناك 800 ألف نسمة في جنوب غرب تشنجيانغ، ونسبة الإيغور منهم 96%، ومن الملفات قام ستة مسؤولين بإعداد ستة جداول مؤرخة عام 2018 عن مواطني ست قرى، وتشير إلى أن نسبة 16% من سكان القرى إما في السجن أو في معسكرات الاعتقال، ففي قريتين من بلدية كوشريك، التي تقول الوثائق إنهما (ملوثتان بشكل كبير بأيديولوجية التطرف)، فإن نسبة 60% من الأهالي لديهم واحد أو أكثر في السجون أو معسكرات الاعتقال، وبعيدا عن حجم حملة الاعتقال تكشف الملفات عن أثرها المدمر والعميق داخل المجتمعات والعائلات في تشنجيانغ".
ويبين زينز أن "الجداول تكشف عن أن الحكومة استهدفت الرجال في منتصف العمر، الذين عادة ما يكونون من أصحاب البيوت الذين يوفرون المال للبيت، وفي الرحلات التي نظمتها الحكومة الصينية قدمت صورة مختلفة عن نساء جميلات في المعتقلات يتعلمن المهارات، لكن الحقيقة تقول إن المعتقلين هم أشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 30- 59 عاما".
ويلفت الكاتب إلى أن "سياسة الاعتقالات تركت آثارها الخطيرة على الواقع الاجتماعي والاقتصادي، واحتفظت السلطات المحلية بسجلات دقيقة عنها، ففي جدول مؤرخ عام 2017 وأعد للوضع في محافظة يركاند، تم تسجيل العائلات ذات الدخل المتدني التي تستحق الدعم الاجتماعي، التي ضمت عائلة بخمسة أبناء تتراوح أعمارهم ما بين 3- 14 عاما، وهي في الواقع عائلة أيتام لأن الأب معتقل والأم وضعت في مركز إعادة تعليم، وفي حالة ثانية، وهي ليست عادية، فقد تم سجن الأب والأم العاملين وتركا والديهما الكبيرين، حيث وصفت الوثيقة أحدهما بالمريضة جدا لتقوم بالعناية بولدين صغيرين، وفي خانة عن سبب الفقر كتب فيها (نقص العمل والأموال)، ولن يخرج والد الطفلين من السجن إلا بحلول 2030".
وينوه زينز إلى أن "جدولا آخر أعد في أيلول/ سبتمبر 2018، ويحتوي على أسماء من فشلوا في دفع القروض في بلدة بلال في محافظة أكتو، يظهر أن سبب التعثر في دفع القرض لـ80% منهم هو (الاعتقال)، ومعظم الأموال المقترضة لا تزال في البنك".
ويقول الكاتب إن "من الأمثلة المثيرة للقلق ما تأتي من قرية في محافظة يركاند، وهي عن مزارع إيغوري، وأب لخمسة أولاد، تم سجنه في عام 2017، ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2016 حصل على قرض من 40 ألف رينمينبي (5700 دولار) لشراء آلة زراعية، التي ظلت دون استخدام أثناء اعتقاله، فلم يكن أحد من عائلته يعرف كيف تعمل، ولم يتم دفع القرض حسب الوقت، وقررت الحكومة أن على العائلة استئجار الآلة، وأن ترسل الابن الأكبر للعمل، وهو ما يعرف بـ(تخفيف الفقر بناء على الاستفادة من السياسات)، وبعد الإفراج عن الأب في حزيران/ يونيو 2018، تقدم بطلب المساعدة المالية ليدفع القرض والفائدة المتراكمة عليه، وبدأ في كانون الثاني/ يناير 2019 بالعمل في مصنع نسيج في محافظة يركاند مقابل 800 رينمينبي (113 دولارا أمريكيا) في الشهر، ثم أصبح ابنه البالغ من العمر 20 عاما عاجزا عن العمل وسجل في سجلات الحكومة بأنه لا يستطيع العمل".
ويرى زينز أن "الوثائق تقدم لنا الدليل ودليل الحكومة بنفسها، فبالإضافة إلى تطبيقها نظام الاعتقالات الجماعية، فإنها تقوم بتفكيك العائلات وتدفعها نحو الفقر والعمل ضمن نظام العبودية، ورغم ما اتسمت به السياسة من السرية فلم تعد الحكومة الصينية إخفاء مدى وتوسع حملة القمع في تشنجيانغ".
ويستدرك الكاتب بأنه "مع ذلك فإن هناك الكثير من التفاصيل التي لا نعرفها، فعدد المعتقلين لا يزال سرا، وبناء على الملفات التي حصلنا عليها وبتقديري الخاص فإن العدد يتراوح ما بين 900 ألف إلى 1.8 مليون شخص اعتقلوا في تشنجيانغ منذ عام 2017، وما لا تكشفه الوثائق هو أشكال التعليم التي يتلقاها المعتقلون وكيفية معاملتهم، رغم وجود شهود لدينا حول ما يجري في الداخل".
ويشير زينز إلى أن "البرقية الموجهة للمسؤولين لا تذكر أي شيء عن استخدام العنف الجسدي، مع أنها تتحدث عن استهداف من يقاومون أساليب إعادة التعليم، ويجب (تعريضهم لنموذج التعليم القائم على الضرب)".
ويقول الكاتب: "نعلم اليوم الكثير عن حملة القمع ضد الإيغور، لكن الملفات الجديدة التي ظهرت خلال الأسابيع الماضية تكشف عن المدى المذهل للقمع الذي تمارسه الصين ضد الإيغور، والآثار المدمرة التي تتركها على المجتمعات هناك وخارج المعتقلات، فأرقام النظام تشير إلى انخفاض مستويات النمو السكاني في الإقليم، ففي هوتان وكشغر، اللتين تعدان من مدن المنطقة الكبرى، تراجع النمو بنسبة 84% في الفترة ما بين 2015- 2017".
ويختم زينز مقاله بالقول إن "الحزب الشيوعي الصيني يقول إنه يقوم (بالتحويل من خلال التعليم) للأقليات العرقية في تشنجيانغ، لكنه في الحقيقة يقوم بتمزيق المجتمعات واستعبادها على قاعدة هائلة وبتوجيهات من الرئيس شي نفسه".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
صحيفة فرنسية: الوضع يزداد توترا في الجزائر قبيل الانتخابات
تعرف على أكثر استخدامات النفط والغاز شيوعا وإضرارا بالبيئة
واشنطن بوست: ما هي خطة ترامب القادمة في سوريا؟