تسقط المعياريَّة تماما في
قبضة الصيرورة، وتذوب فكرة المرجعيَّة؛ حين يضع الإنسان (أي إنسان) نفسه معيارا
للقيم، ذلك أن الإنسان كائن تاريخي حادِث، دائم التغيُّر والتبدُّل. صحيح أن فطرة
الله (التي فطر الناس عليها) تُبقي على الحد الأدنى مما يمكن تسميته بـ"المشترك
الإنساني"، سواء اعترف به الجميع أو أنكره بعضهم؛ لكن دور هذه الفطرة ليس
تشكيل المرجعيَّة، أو اختلاقها؛ بل التمييز بين المرجعيَّات المطروحة لاختيار
الموافِق منها للفطرة، لاختيار الناموس الإلهي الموافِق للتكوين الإلهي؛ حتى
يتحقَّق الإنسان وتنسجم روحه مع بدنه بانسجام الكسب مع الفطرة.
لهذا، فخاتم الكتب، الذي
أوحي به إلى حضرة خاتم الرُسل صلى الله عليه وآله وسلم ليكون للعالمين نذيرا، إلى
يوم يبعثون؛ هو نصُّ هداية وناموس مرجعي فوق التاريخ، فهو معيار محفوظ لا يتغيَّر ولا
يتبدَّل، إذ يحوي كل القيم الأساسيَّة التي تحتاجها الإنسانيَّة في رحلتها إلى
الله حتى قيام الساعة. يليه ما صحَّ من سنَّة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله
وسلم كشرح عملي وأسوة حسنة (كما سماه القرآن) في تمثُّل القرآن والعيش بمقتضى
الناموس الإلهي.
ولا تبدأ المأساة
الإنسانيَّة إلا حين يتألَّه الكائن البشري الحادِث المحدود، رافضا حاكميَّة النص
المتجاوز للتاريخ؛ ليضع نفسه لا معيارا للقيمة فحسب، بل ومصدرا للإلزام بها كذلك. ساعتها
تنحرِفُ البشريَّة انحرافا هائلا عن التوحيد، ومن ثم عن إنسانيتها؛ وقد يقع مثل
هذا الانحراف في مجتمعات تسمَّى مسلمة، وهي تُوغِلُ كل يوم في الشرك بغير وعي. ومن
أمثلة ذلك: من يرى أن حجاب المرأة الشرعي ليس فرضا لأن أمه لم تكن ترتديه، لا لأن "تأويله" للنصوص
الشرعيَّة قد قاده إلى ذلك! أو من يرى أن المسلم قد يظل مسلما، لا ينتقص دينه وهو
لا يصلي؛ لمجرَّد أن أباه عُرِفَ في مجتمعه بأنه مسلم، وهو لم يكن يصلي. هذا
التألُّه البشري يختلِف جذريّا عن التأول الخاطئ أو حتى عن التأويل "التآمري".
إذ إن هذا التألُّه يعني تفريغ الدين من مضمونه في روع المتلقي، لا انحراف
المتديِّن بتأول فاسد فحسب؛ بعد إذ صار كل فعلٍ ينتمي إلى الدين، حتى ما كان كُفرا
بواحا به!
هذا التألُّه البشري يختلِف جذريّا عن التأول الخاطئ أو حتى عن التأويل "التآمري". إذ إن هذا التألُّه يعني تفريغ الدين من مضمونه في روع المتلقي
القدوة ليست مرادفا للمعيارية، وإنما هي النموذج الدال على المعياريَّة، الأسوة الحسنة؛ والشاهد الحادي إليها، ومن ثم؛ فالصلة وثيقة
الإسلام والرجم (20): بم تثبت الحدود في الإسلام؟
لباسُ المرأة بين العرف والشّرع
الإسلام والرجم (17): هل شهد الرسول إقامة الحدود؟