أثار
توقيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس مجلس الوزراء الليبي فايز
السراج على مذكرتي تفاهم إحداها عسكرية وأخرى اقتصادية، غضبا
مصريا إضافة لتوتر العلاقات القائم بين البلدين منذ منتصف العام 2013.
وشهد
أردوغان توقيع اتفاقيتي تعاون أمني وعسكري وأخرى حول السيادة البحرية (ترسيم الحدود
البحرية) مع السراج، على غرار
اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان
وقبرص عام 2014.
وفي
رد فعلها رفضت الحكومة الليبية المؤقتة، غير المعترف بها دوليا والموالية للواء خليفة
حفتر، هذه الخطوة، معتبرة أن "الاتفاقية غير شرعية وتحتاج موافقة مجلس النواب".
من جانبها
أدانت مصر، التي تدعم حفتر وتقطع علاقاتها بتركيا منذ الانقلاب العسكري، الاتفاق، فيما
أجرى وزير خارجيتها سامح شكري اتصالا هاتفيا بوزيري خارجية اليونان وقبرص، نيكوس دندياس
ونيكوس خريستودوليدس، حول الاتفاق التركي وحكومة السراج.
وقال
بيان الخارجية المصرية، إن هذه المذكرات "معدومة الأثر القانوني"، وأنها
"إعلان غير شرعي، ومن ثم لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أي أطراف ثالثة، ولا
يترتب عليه أي تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط، ولا أثر له على منظومة
تعيين الحدود البحرية بمنطقة شرق المتوسط".
وتزايدت
مؤخرا حدة التوتر بين التكتل الثلاثي لمصر اليونان وقبرص من جهة وبين
تركيا من جهة
أخرى، بعد خطوات اتخذتها أنقرة للبحث عن الغاز بالبحر المتوسط بعمق 100 كيلو قبالة
ولاية أنطاليا منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وهو ما رفضه الاتحاد الأوروبي والدول
الثلاث عبر بيانات رسمية وباجتماعات مسؤوليها المتتابعة.
"فرصة"
وفي
تعليقه قال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية بإسطنبول الدكتور ممدوح
المنير إن موقف الحكومة المصرية "المتشنج" من الاتفاق الأمني بين أنقرة وحكومة
الوفاق بطرابلس "يعكس حالة التخبط لديها من خسائرها المتتالية بليبيا".
ويعتقد
الباحث المصري خلال حديثه لـ"عربي21" أن "مصر السيسي، التي تقف بكل
قوة ضد أي مصالح حقيقية للشعب الليبي، وتنحاز بشكل سافر لصالح حفتر ومليشياته، لابد
أن تفقد اتزانها بسبب الاتفاق التركي الليبي".
وأضاف
المنير أن الاتفاق يأتي بعد ضوء أخضر أمريكي خصوصا بعد الرفض الرسمي الأمريكي لهجوم
حفتر على طرابلس ومطالبتها إياه المتكررة بالتوقف عن ذلك.
ويعتقد
المنير أن هذا الموقف الأمريكي "ليس حبا بحكومة الوفاق، ولكن لأن حفتر بدأ يعتمد
على دعم روسي مباشر في حربه على حكومة الوفاق، فضلا عن وجود قوات روسية على الأرض تعمل
بجواره، بل تسببت بإسقاط طائرة مراقبة أمريكية بالمنطقة".
وتابع
الأكاديمي المصري بأن أنقرة وطرابلس اقتنصتا فرصة الخلاف الأمريكي مع حفتر، ومن خلفه
روسيا لعقد الاتفاقية الأمنية، موضحا أن "واشنطن لا تريد نفوذا روسيا بالبحر المتوسط
أو إفريقيا عبر
ليبيا؛ وبالتالي لجأت إلى إعطاء الضوء الأخضر للأتراك لعقد الاتفاقية"
حسب اعتقاده.
ويرى
المنير أن " الشق الأمني في الاتفاقية يخدم طرابلس بمواجهة حفتر، رغم أنها لا
ترقى لاتفاقية دفاع مشترك لأن ذلك سيحتاج لموافقة برلمانيّ البلدين وهو غير متاح لحكومة
طرابلس حاليا".
وبين
مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية بإسطنبول أن "الاتفاقية الأمنية
كافية لتركيا للقيام بما يلزم لدعم طرابلس، كما أن أنقرة ستستفيد من الاتفاقية لحماية
حدودها البحرية بالمتوسط والتي تسعى اليونان للسيطرة عليها وهو ما لم تسمح به تركيا،
فإجمالي احتياطات الغاز المقدرة بهذه المنطقة يكفي تركيا لـ500 عام وأوروبا كلها 30
عاما".
وحسب
المنير فإن هناك "حاجة ماسة للطرفين لهذه الاتفاقية، والغضب المصري لن يتجاوز
زوبعة في فنجان، وربما بعض المناكفات من خلال حفتر، لكن بمستوى ضعيف للغاية نتيجة الموقف
الأمريكي".
وختم
بقوله: "ما قد يعقد الوضع هو التحرك الروسي؛ بمعنى هل تكتفي روسيا بمستوى الدعم
الحالي لحفتر، أم ستصعد المواجهة غير المباشرة مع واشنطن بها؟".
"حرب
نفوذ"
ويرى
المحاضر في جامعة سكاريا التركية محمد الزواوي أن اتفاقية أنقرة وطرابلس "تعد
امتدادا لحرب النفوذ الدائرة الآن بين مختلف الأطراف حول السيطرة على المناطق الرخوة
بالشرق الأوسط بعد التغيرات الجيوسياسية التي حدثت بالمنطقة في الآونة الأخيرة".
وقال
الباحث والأكاديمي المصري لـ"عربي21" إن أبرز تلك التغيرات هي "تداعيات
الربيع العربي، وكذلك اكتشافات الغاز شرق المتوسط"، موضحا أن "الاتفاق يعد
وسيلة للرد على الاتفاق المصري القبرصي اليوناني حول ترسيم الحدود الذي عمل على استثناء
تركيا والقبارصة الأتراك من المعادلة".
وأكد
أن "إضافة اتفاقية بحرية تركية مع ليبيا يعزز تواجد أنقرة البحري بالمنطقة، ويعمل
على توسيع نطاق تواجدها الإقليمي، وشرعنة مطالبها بأن تكون طرفا بترسيم الحدود البحرية
المتنازع عليها".
ويعتقد
الزواوي أن "الاتفاق الأمني يعد تعزيزا لموقف تركيا وللدفاع عن الشركاء المتفقين
أيدلوجيا مع أهداف تركيا بالمنطقة بدعم فرص تواجد الإسلام السياسي بالمعادلة تحت إطار
ديمقراطي، بهدف دمجهم بالحلول السياسية".
وأوضح
أستاذ العلوم السياسية أن هذه "الأهداف تتعارض مع استراتيجية القاهرة بمحاولة
إخراج أنقرة من الإقليم وعمل توازن قوى وتحالفات ضد التواجد التركي الذي يمثل تحديا
أيدلوجيا للنظام المصري، كذلك بالنظر إلى اعتباره أن الإسلام السياسي وكذلك الديمقراطية
يمثلان تهديدا لنظامها العسكري المتواجد بالسلطة منذ 1952".
وفسر
الزواوي ما يجري بأنه "امتداد للصراع على تركة النظام الإقليمي العربي الذي تهاوى،
ومحاولة القوى الإقليمية تعزيز أقدامها بالمنطقة، ومحاولة جني مكاسب وتشكيل تحالفات،
وإعادة ترسيم الغطاء الأيديولوجي، وعمل دوائر أمنية جديدة تصب بمصالح تلك الدول".
وختم
المحاضر بجامعة سكاريا حديثه بالقول إن هذا "ما يفسر توتر القاهرة في اقتراب تركيا
من مناطق النفوذ المصري التقليدية بكل من ليبيا والسودان، حيث عملت تركيا بقوة على
عدم إنجاح مخطط القاهرة بإعادة بناء الدولة الليبية انطلاقا من تشكيل جيش ليبي يمثل
تكرارا لتجربة انقلاب يوليو 2013، على حساب الديمقراطية ودمج الإسلاميين بالعملية
السياسية كما بالحالة الليبية".
وعلى
الجانب الآخر أكد الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار أن "مذكرة التفاهم الأولى
من شأنها أن تزيد الوضع بليبيا اشتعالا بدلا من التهدئة والعمل بجدية لأجل حل سياسي،
أما مذكرة التفاهم الثانية فمن شأنها تكريس السيطرة الإسرائيلية على ثروة الغاز بحوض
شرق البحر المتوسط، باتفاق تركي مع طرف ليبي، يعد بجوهره موجها ضد مصر".
وأضاف
عبر "فيسبوك": "توازن المصالح بشرق البحر المتوسط يتطلب تقليل حدة النزاع
بين أنقرة والقاهرة، وفتح الباب للتفاهم بين البلدين يحد من انفراد إسرائيل بقيادة
تحالفات استغلال ثروات قاع شرق البحر المتوسط".