شيئاً فشيئاً يضيق الخناق على النخبة السياسية المنضوية في إطار معسكر الشرعية، والمتواجدة في الرياض وتلك المتواجدة في الداخل وبقية العواصم، بعد أن وجهت لها الحكومة السعودية ضربات موجعة تمثلت في فرض اتفاق الرياض، والمضي في مسار تفاوضي منفصل مع الحوثيين.
تحدي الانفصال
يتعين على هذه النخبة اليوم أن تواجه تحدي الوجود السياسي الصلف لجماعة المجلس الانتقالي المدعومة من الإمارات بعد أن أصبحت نداً سياسياً جهوياً بسقف طموح لا يقل عن الانفصال، ويتعاطى مع اتفاق الرياض باعتباره مجرد وسيلة اقتضتها الحاجة إلى كسر إرادة الشرعية بعد أن امتلكت أقوى الأوراق في مواجهة الانفصاليين، ومن خلفهم الإمارات.
يتعين على النخبة السياسية خصوصاً المحبوسة بالرياض في إطار ضيق من الخيارات أن تستعد لما هو أسوأ
فقد تحولت هذه الدولة وبأسلوب لا مثيل له في الصلف، من طرف جاء لمساندة الشرعية، وحصل على فرصة غير مسبوقة للتدخل على الساحة اليمنية، طرف يعمل ضد هذه الشرعية عبر سلسلة من الممارسات السيئة انتهت بالدعم المباشر لانقلاب العاشر من آب/ أغسطس بعدن والذي عززته أبوظبي بالتدخل الجوي لوقف تحرك الجيش الوطني باتجاه عدن في التاسع والعشرين من الشهر ذاته وأدى إلى استشهاد 300 ضابط وجندي من هذا الجيش.
ويتعين على النخبة السياسية خصوصاً المحبوسة بالرياض في إطار ضيق من الخيارات أن تستعد لما هو أسوأ، وأول هذه الخيارات مواجهة التهدئة والصلح مع ميلشيا الحوثي المدعومة من إيران، واللذين تذهب إليهما السعودية المثخنة بجراح الهجمات القوية ضد عصب اقتصادها القائم على النفط من حقل شيبة الضخم إلى مصافي "خريص" و"بقيق" العملاقة، والتي تشير الدلائل إلى أن إيران نفذتها باسم الحوثيين.
مواقف سعودية سيئة
المواقف السعودية تتطور بشكل سيء للغاية في مواجهة السلطة الشرعية، واستناداً إلى مواقف الضباط السعوديون داخل "اللجنة الخاصة" وهي إطار أمني الطابع تأسس على يد ولي العهد السعودي الراحل وواسع النفوذ الأمير سلطان بن عبد العزيز، قبل عدة عقود، وتخصص في إدارة العلاقة مع المكونات اليمنية والتورط في عملية تخريبية طويلة الامد ضد الدولة اليمنية ونفوذها وتأثيرها.
فهؤلاء الضباط لا يترددون في التعبير الصريح عن التوجه الحالي لحكومة المملكة، والقاضي بتحجيم دور التجمع اليمني للإصلاح، ذي الثقل الميداني الكبير، وصاحب الإسهام الأكبر في الجهود العسكرية وما تخلفه من خسائر وتضحيات، وإعادة الدور الوازن للمؤتمر الشعبي العام.
لكأن السعودية تريد أن تتحلل بأقصى سرعة ممكنة، من نهجها القديم الذي مارست عبره دورها الوظيفي المحكوم بالاملاءات الأمريكية واقتضى في بعض سياقاته، بناء تفاهمات مع الحركة الإسلامية والاستعانة بها في مواجهة أحلاف ومنظومات سياسية وفكرية وعقائدية معادية.
هذا التوجه العدائي ضد الإصلاح تسبب في حالة من الانزعاج الشديد، لكن ويا للمفارقة ليس في أوساط قيادات ومنتسبي الإصلاح نفسه التي اعتادت على حملات التضييق والاستهداف هذه منذ ما قبل التدخل العسكري السعودي الإماراتي في اليمن، بل لدى القيادات السياسية اليمنية المستقلة وتلك التي تنتمي لمنظومات حزبية أقل تأثراً بحالة العداء السعودية هذه، ومنها من ينتمي للمؤتمر الشعبي العام نفسه.
رهان الرياض
يمثل المؤتمر الشعبي العام المنظومة السياسية التي ينعقد عليها رهان الرياض ومعها ابوظبي، للقيام بدور سياسي يرث مرحلة ما بعد الحرب، ومع ذلك هناك إشكالية مرتبطة بمدى قدرة المؤتمر في التوحد على أرضية سياسية وولاء مشترك في ظل تنازع النفوذ الراهن بين الرياض وابوظبي والذي يبدو أن يتجه نحو الحسم لصالح الأخيرة.
وبالإضافة إلى ذلك لا يوجد يقين بشأن الفضاء الجغرافي الذي سيشمله التفويض الممنوح للمؤتمر من قبل القوتين الإقليميتين المتحكمتين بمسار الحرب في اليمن. هل هو اليمن الواحد أم الجزء الشمالي من البلاد، خصوصاً أن "اتفاق الرياض" صيغ ليكون بمثابة إطار انتقالي ينطوي على سلاح تدخره الرياض وأبوظبي، وهدفه هو الدفع بسكان المحافظات الجنوبية إلى مقاربة المصير السياسي الذي يتطلعون إليه ضمن دولة موحدة أو مقسمة إلى شمال وجنوب أو استعادة الجنوب لشكله السياسي الفسيفسائي في فترة ما قبل 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967.
المخاوف المرتبطة بسيناريوهات من هذا النوع دفعت بسياسيين جنوبيين بارزين يمثلون الشريحة الأكثر تضرراً من هذا الاتفاق، ومنهم نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري ووزير النقل أحمد صالح الجبواني، إلى تبني خط مناهض للترتيبات السعودية، وأثار تحركهم بين اليمن وسلطنة عمان قلق الرياض التي اندفعت عبر نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان نحو إنهاء التوتر غير المعلن في علاقتها مع مسقط، ولا يبدو أن الوزيرين اللذين يمثلان طليعة تيار سياسي مؤثر في المحافظات الجنوبية، سوف يتوقفان عن مسعى إفساد المخطط السعودي الإماراتي في جنوب البلاد.
السعودية في الوقت الذي تصل فيه إلى تفاهمات مع الحوثيين على حساب معسكر الشرعية فإن ذلك سيعني نهاية طبيعية لهيمنتها العسكرية والسياسية على الساحة اليمنية
وعلى صلة بمخطط تمكين المؤتمر الشعبي العام على الأقل في شمال البلاد، يجري إمداد القوات المشتركة المرابطة في الساحل الغربي، بالمزيد من الدعم والإسناد، لتكون الجيش الذي تتجه إليه أنظار التحالف للقيام بمساندة المؤتمر الشعبي العام لاستعادة نفوذه السياسي، والذي قد لا يكون سهلاً إذا بقي الحوثيون في منأى عن المواجهات العسكرية الضرورية لإضعافهم وإخراجهم من صنعاء.
وذلك يعني أن القوات المشتركة التي يقودها نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح العميد طارق محمد عبد الله صالح، قد تكون طرفاً في صراع طويل أو قصير الأمد مع الحوثيين، إن لم ينته إلى حسم يعيد تركة صالح السياسية والعسكرية المبعثرة إلى واجهة السلطة في صنعاء، فإنه سيضمن بقاء الحوثيين أضعف من أن يشكلوا مصدر تهديد ضد السعودية.
وفي تقديري أن المنضوين في معسكر الشرعية وهم غالبية مؤثرة جداً على المستوى الميداني، لا ينبغي أن يفقدوا الأمل في إعادة توجيه دفة الصراع ليصبح مصدر تهديد للسعودية كما هو اليوم مصدر تهديد لحاضر اليمن ومستقبله.
لأن السعودية في الوقت الذي تصل فيه إلى تفاهمات مع الحوثيين على حساب معسكر الشرعية فإن ذلك سيعني نهاية طبيعية لهيمنتها العسكرية والسياسية على الساحة اليمنية، وستصبح هذه الساحةُ مجالاً مفتوحاً أمام تدخلات لا حصر لها من قبل اللاعبين الدوليين والإقليميين، مما يتيح للقوى الوطنية فرصة تغيير قواعد اللعبة السياسية والعسكرية عبر معركة مصير، ضد خيارات تركيع الشعب اليمني وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء ورهن مستقبل بلد كبير مثل اليمن لوكلاء جهويين أو طائفيين وإلى أنظمة شمولية بائسة.
البعد الشمولي المقلق في أجندة الحرب السعودية
الحكومة اليمنية وتحديات العودة إلى عدن
إفساد الجيوش بزجها في شؤون الاقتصاد