كان طبيعيا أن يطلق حزب العمل – سابقا – على نفسه اسم "الاستقلال"، بعدما اضطر لتغيير اسمه لظروف معلومة لجميع متابعي الشأن المصري بعد ثورة يناير.
إذ السعيُ للاستقلال والتنظير له والتحريض عليه وشحن النفوس لالتماس طرقه وممارسة تجلياته المختلفة مهما كانت بسيطة، كل ذلك كان الحزب يمارسه و يكرسه و يحرسه في الواقع السياسي المصري.
لأي كان أن يختلف، أو يتفق، مع الحزب وفكره وقراراته، لكنَّ أيا كان لا يمكنه إنكار حقائق أبرزها أن حزب "العمل – الاستقلال" وجريدته "الشعب" كانا على رأس صناع المشهد السياسي الوطني المصري المعارض مذ تأسس الحزب أواخر سبعينيات القرن الماضي.
وأنه لا توجد – حرفيا لا تعميما أو مجازا – محطة من محطات العمل الوطني المصري، والعربي والإسلامي، إلا وكان الحزب ورموزه وجريدته ضمن صدارة من يرسمون ملامح تلك المحطة.
مثلا لا حصرا:
- زعيم الحزب سابقا ومنظره الأهم العملاق الراحل عادل حسين هو من صك شعار "الإسلام هو الحل" خلال انتخابات مجلس الشعب عام 1987، وهو الشعار الذي خاضت تحته القوى الإسلامية في مصر وعدد من دول العالم العربي استحقاقات سياسية وانتخابية عدة، ورفعته في محكات نضالية كثيرة.
- قضايا المعتقلين و التعذيب في مسالخ ومجازر وأقبية الأمن المصري طوال حكم مبارك، كانت "الشعب" حائزة قصب السبق في فتحها وملاحقة نظام مبارك بها.
- قضايا الفساد المتنوعة من الغذاء للطاقة للثقافة للآثار لغير ذلك ، كان الحزب ونوابه في البرلمان وجريدته دائما في مقدمة من اشتبكوا معها وفضحوا المسئولين عنها ، و مشهورة طبعا معركة الحزب مع وزير الزراعة المصري الأسبق يوسف والي الذي تولى كبر جلب المبيدات المسرطنة و بثها في أرض و محاصيل مصر حاملا السرطان لأجساد المصريين.
- وفي قضايا الحريات العامة والإعلامية كانت للحزب كذلك مواقف جذرية نجحت مع غيرها من جهود القوى الوطنية المصرية ، في إجبار نظام مبارك على التراجع عن قرارات كارثية كان يعتزم اجتراحها و الإمعان في خنق مصر و المصريين بها ومن أشهر تلك التجارب معركة " الشعب " ضمن الجماعة الصحفية المصرية ضد قانون الصحافة الشهير سىء الذكر رقم 93 لسنة 1995 الذي وقعه مبارك فعليا عقب موافقة البرلمان عليه بغرض قص ريش الصحافة المعارضة و في مقدمتها "الشعب" لكن أمام الثورة العارمة لأهل الصحافة والفكر وكثير من أهل الفن، تراجعت السلطة وسحبت القانون و استبدلت به آخر هو القانون 96 لسنة 1996.
- وطبعا غني عن الذكر أن حزب العمل وجريدة الشعب كانا من أبرز إن لم يكونا أبرز منابر رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، و كل ما ارتبط بهذا الملف من ممارسات وإجراءات وسلوكيات سياسية أو حتى اجتماعية أو اقتصادية، ومن أهم منابر الدفاع عن المقاومة ضد المحتل الصهيوني لفلسطين العربية وهو موقف لا نحتاج حتى لذكر أمثلة عليه.
- من الحقائق التي ارتبطت أيضا بحزب العمل ورموزه ولسانه الحاد السالق عندما يتعلق الأمر باستبداد الأنظمة والتطبيع مع الصهاينة، أن الحزب كان أهم مؤسسة سياسية و جريدته كانت أهم منبر إعلامي يتبنيان التوفيق بين جناحي هوية الأمة العربية، وهما: الإسلام والقومية، خرقا لفكرة مغلوطة سائدة هي أن القومية بالضرورة ضد الدين وأن أممية الدين تستهجن القومية، وتزخر كتابات رموز الحزب ومن أشهرهم عادل حسين ومجدي حسين ومجدي قرقر وغيرهما بهذا التصور الذي يرد القومية لحضن دين الأمة الذي ابتعث الله به العرب أمة فاعلة و بدونه كانوا سيظلون نسيا منسيا وأعرابا غارقين في بحر الصحراء الأصفر.
كذلك تميز حزب العمل و التيار الفكري الذي يمثله بانه تقريبا التيار الوحيد من تيارات الحالة الإسلامية في مصر الذي كانت له نجاحات وإنجازات متنوعة الصعد تتجاوز الممارسة السياسية المباشرة التقليدية ممثلة في الانتخابات والنقابات وغيرها، أو الأنشطة الدعوية بمعناها المباشر أيضا، فالحزب اختلف عن الجميع في أن له قاعدة وإرثا ومضمونا ثقافيا وتنظيريا يجعله تقريبا الوحيد من بين تيارات الحركة الإسلامية في مصر الذي كان "حالة" وتيارا فكريا لا حركيا فقط كالتيارات الباقية.
و كل الباحثين في الاقتصاد و السياسة يعرفون جيدا الكتاب المهم و الملهم للراحل عادل حسين " الاقتصاد المصري من الاستقلال إلى التبعية " .
حتى في الصحافة ، جريدة الشعب هي تقريبا التي أفرزت و خرجت أغلب إن لم يكن كل رموز الصحافة المعارضة ذات المرجعية الإسلامية بل و كثير من القوميين و أحيانا اليساريين ، و بمراجعة تاريخية بسيطة يمكن بسهولة أن نقرر أن " الشعب " كانت أنجح تجربة صحفية ذات خلفية إسلامية سواء من حيث " فن " الصحافة أو من حيث الكتيبة التي كانت تنتج هذا الفن ، و كم كانات صباحات مصر مختلفة وثرية و دسمة طوال فترة صدور الجريدة قبل وقفها من قبل نظام مبارك ، عندما كان جمهور الصحافة المصرية المعارضة على موعد صباح كل ثلاثاء و جمعة مع وجبة إعلامية يقدمها له كل من : الشيخ محمد الغزالي – د. محمد عمارة – د. محمد حلمي مراد – د. محمد عباس . و الأستاذة: عادل حسين – مجدي حسين – محمد القدوسي – محمود سلطان – كمال حبيب . و غيرهم .
و لأن كل ذلك كان كذلك ، فقد كان المنطقي و الطبيعي أن يكون الحزب و جريدته و رموزهما و قياداتهما في مرمى قمع و بطش و طيش نظام مبارك ثم نظام الانقلاب العسكري . و معروفة سجالات الحزب و الجريدة القضائية مع نظام مبارك .
لكن الذي يحتاج ضوءا و اهتماما ، هو ما يتعرض له معتقلو حزب " الاستقلال – العمل سابقا " الآن على يد نظام الانقلاب في مصر ، و هما ضوء و اهتمام باتا – للأسف – خاضعين لمحسوبيات و مجاملات سياسية و أيديولوجية و إعلامية ، ليس مهما تفصيلها الآن ، لكن المهم هو التذكير بكتيبة معتقلي الحزب و هم :
الأستاذ مجدي حسين - د . مجدي قرقر - د . أحمد الخولي - د . نجلاء القيوبي "زوجة الأستاذ مجدي حسين" - محمد الأمير - محمد مراد - إبراهيم خضر - خالد دنيا - احمد القزاز - وليد عوض - السعيد طنطاوي - محمد القدوسي "ليس الكاتب الكبير محمد القدوسي" - محمد التميمي - سحر علي - إيهاب مسعود - محمد عادل - محمد شادي - جمال خطاب - محمد متولي - الشاذلي أمين - أسامة تاج - رأفت السيد - محمد الغنيمي - ياسر رفاعي - حاتم هلال - وائل القلعي - مروان المنسي.