إن عزل رئيس هو أهم
شيء يستطيع الكونجرس فعله، إلى جانب إعلان حرب. وعليه، فبعد تفكير عميق، أقول ما
يلي: إن موضوع الرئيس دونالد ترامب ينبغي النظر فيه بتمعن وحذر إن كنا نريد
للديمقراطية الأمريكية أن تبقى بخير. لماذا؟ لأن الحقائق هنا ليست محل شك. والواقع
أن حلفاء ترامب في وسائل الإعلام والكونجرس تخلوا إلى حد كبير عن الطعن فيها.
فترامب حبس عن أوكرانيا تمويلا من دافع الضرائب الأمريكي موجها من الكونجرس لتعزيز
قدرات الجيش الأوكراني ضد روسيا، إلى أن وافق الرئيس الأوكراني الجديد على فعل ما
سماه ترامب «خدمة»، أي إعلان أن أوكرانيا تحقق في إمكانية تورط خصم ترامب المحتمل
في انتخابات 2020 الرئاسية «جو بايدن» وابنه الذي كان مرتبطا بشركة غاز أوكرانية.
وعلى ما يبدو فإن ترامب كان يرى أن مجرد الإعلان عن مثل هذا التحقيق من شأنه وأد
حملة بايدن الانتخابية في مهدها.
وشخصيا، أعتقد أن الرؤساء، بشكل عام، ينبغي أن
يُنتخبوا ويُنحّوا من قبل الناخبين في الانتخابات. لكن عندما أسمع المدافعين عن
ترامب يصيحون: «إن العزل يمثل انقلابا على إرادة الشعب»، أقول: «أحقا؟ لكن ما الذي
تعتقدون أن ترامب كان يفعل في أوكرانيا؟». كان ينقلب على إرادة الشعب عبر التخطيط
لاستخدام أموال الضرائب من أجل القضاء على خصمه الأكثر جدية في الانتخابات
المقبلة، بدلا من الوثوق في الناخبين للقيام بذلك.
السبب الوحيد لإجهاض الخطة هو أن موظفا من
جهاز الاستخبارات دق ناقوس الخطر ولفت الانتباه إلى مكالمات الرئيس، ما أرغم هذا
الأخير على الإفراج عن المال لأوكرانيا، قبل لحظات على انكشاف خطته أمام الرأي
العام.
وعليه، فإذا كان الآباء المؤسسون للولايات
المتحدة الأمريكية قد أرادوا ترك مسألة تنحية الرئيس للشعب من خلال آلية الانتخاب
وصندوق الاقتراع، فإنهم أدركوا أيضا أنه يمكن أن تكون ثمة حالات قد تكون فيها
تنحية الرئيس ضرورية من أجل حماية وصيانة إطارنا الخاص الضامن لإجراء انتخابات حرة
ونزيهة. وذاك الإطار هو الدستور وحكم القانون، وهذه الآن واحدة من تلك الحالات.
وعليه، فإذا قلنا، مثلما يقول «الجمهوريون»،
إن ما فعله ترامب ليس ممارسة مستوجبة للعزل، فإننا بذلك نقول لأنفسنا ولكل رئيس أمريكي
في المستقبل، وفي تناقض مباشر مع ما كتبه المؤسسون في الدستور، إنه لا بأس من
استخدام قوة أجنبية لإمالة كفة الانتخابات لصالحك. لكن، هل تتخيلون حجم الأموال
التي يستطيع المرشحون جمعها من قوى خارجية من أجل إمالة انتخابات لصالحهم مستقبلا،
أو عدد «المقاتلين السيبرانيين» الذين يمكن تجنيدهم من بلدان خارجية من أجل خلق
أخبار كاذبة أو كبح التصويت أو إثارة الغضب ضد مرشح منافس؟
إنْ حدث ذلك، فإن نزاهة انتخاباتنا ستتحطم
مباشرة، ولن يعود لدينا رئيس ذو شرعية، بغض النظر عما إن كان يعجبك ذلك الرئيس أم
لا يعجبك، فهو على الأقل منتخَب بطريقة شرعية لا غبار عليها من الناحية الإجرائية.
كما سيمثّل ذلك وصفة لفوضى سياسية دائمة، على اعتبار أن سلطة كل الرؤساء
المستقبليين لن تُحترم إن كانوا قد انتُخبوا تحت تأثير أي نوع من التدخل الخارجي.
لكن هذا هو ما يسعى وراءه «الجمهوريون» من
خلال دفاعهم عن استخدام ترامب، والذي لا يمكن الدفاع عنه، للمساعدة الأمريكية
لأوكرانيا من أجل إقصاء بايدن، ومن خلال ترديد نظرية المؤامرة التي يروج لها ترامب
من أن أوكرانيا هي التي قامت بقرصنة البريد الإلكتروني للجنة الوطنية للحزب
«الديمقراطي» في عام 2016، وليس روسيا. كما يزعمون بأن الخادم الحاسوبي للجنة قد
شُحن إلى أوكرانيا قبل أن يتسنى لمكتب التحقيقات الفيدرالي معاينته وفحصه.
إنه ضرب من ضروب الخيال لا أقل ولا أكثر!
لو فعل الكونجرس ما يطالب به «الجمهوريون»، أي
التخلي عن عزل الرئيس بتهمة الاستعانة بقوة أجنبية من أجل مساعدته في الانتخابات،
بعد أن رفض تسليم أي من الوثائق التي طلبها الكونجرس ومنع كل مساعديه الرئيسيين
الذي كانوا يعرفون ما حدث من الإدلاء بشهاداتهم.. فإننا بذلك سنقول إن الرئيس بات
فوق القانون من الآن فصاعدا، وسنقول إنه لم يعد لدينا ثلاثة فروع متساوية من
الحكومة، وسنقول إنه لم يعد لدينا فصل بين السلطات، وسنقول إن رئيسنا بات الآن
إمبراطورا مطلق الصلاحيات.
إذا فعلنا ذلك، فإن أمريكا التي درسنا عنها في
مادة التاريخ، أمريكا التي نشأنا على معرفتها وحبها، أمريكا التي لطالما كانت محل
إعجاب بقية العالم ومنارة للديمقراطية والعدالة.. لم تعد موجودة. آه كم سنفتقدها
عندما ترحل!
عن صحيفة
الاتحاد الإماراتية