تشهد الحكومة الإسرائيلية منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي اضطرابا وحالة عدم استقرار من حيث أنها لا تعمر وسرعان ما تنهار. منذ ذلك الحين، فقدت الأحزاب الكبيرة مثل حزبي العمل والليكود قدرتها على حصد عدد كبير من مقاعد الكنيست (البرلمان الصهيوني) تمكنها من تشكيل حكومة بسهولة وبدون تحالفات تسبب عدم الاستقرار وتبكير الانتخابات لكنيست جديدة. تراجعت شعبية الأحزاب الكبيرة، وفقدت العديد من المقاعد لصالح أحزاب جديدة طارئة لا يستمر وجودها طويلا.
ظهرت أحزاب صغيرة الحجم على المسرح السياسي الصهيوني وشكلت ظاهرة تشرذم سياسي أدت إلى مشادات سياسية ومنافسات سياسية غير بريئة ومرتبطة بمصالح حزبية وليس بالضرورة بمصالح عامة.
مهمة صعبة
لم يعد في الثمانينيات بمقدور حزب تشكيل حكومة بيسر وسهولة، وإنما كان على الحزب الذي يحصل على أكثرية (وليس الأغلبية) المقاعد أن يتآلف مع أحزاب صغيرة ليتخطى حاجز الـ 61 مقعدا لنيل ثقة الكنيست. عدد أعضاء الكنيست الصهيونية 120. وبما أنه لكل حزب مصالح ورؤى خاصة به، فإن حزب الأكثرية طالما تعرض للابتزاز من حيث المطالب الحزبية التي ركزت على مكافآت خاصة، ولم يكن أمام حزب الأكثرية إلا أن يخضع لكي يتمكن من تشكيل حكومة يحظى فيها بأغلبية الوزراء.
وبالرغم من ذلك، لم تكن مهمة تشكيل الحكومة سهلة لأن الأكثرية كانت تصطدم بمطالب حزبية متضاربة ومتناقضة تهدد عملية التشكيل. أي كان على الأكثرية أن تبذل جهودا ضخمة من أجل التوفيق بين هذه المطالب وإرضاء كل الأحزاب الصغيرة المشاركة في الائتلاف الحكومي.
من الممكن نظريا تشكيل حكومة ائتلافية مع المقاعد العربية، لكن نتنياهو وصحبه يرفضون التآلف مع العرب من ناحية المبدأ. وخصومهم لا يجرؤون على التحالف مع القائمة العربية لأنهم يدركون مدى التشهير الذي يمكن أن يتعرضوا له
القوائم العربية
من الممكن نظريا تشكيل حكومة ائتلافية مع المقاعد العربية، لكن نتنياهو وصحبه يرفضون التآلف مع العرب من ناحية المبدأ. وخصومهم لا يجرؤون على التحالف مع القائمة العربية لأنهم يدركون مدى التشهير الذي يمكن أن يتعرضوا له، والذي سيؤثر سلبا على فرصهم الانتخابية. بالنسبة للصهاينة عموما من غير المقبول تسليم مستقبل الحكومة الصهيونية للعرب. وإذا كان للعرب أن يكونوا جزءا من المعادلة الحكومية فإنهم سيفرضون شروطهم على رئيس الحكومة، ويكون بمقدورهم سحب الثقة من الحكومة وطرحها أرضا. من المحرمات لدى الصهاينة أن يتمكن الغرباء (وفق تعريفهم للعرب) بمصير سياسي لكيان الصهاينة.
من الواضح أن انتخابات ثالثة ستجري، ولا يوجد أمام الأحزاب الصهيونية مخرج آخر. لكن المتابعين لا يرون أن الانتخابات القادمة ستؤدي إلى تغيير معادلة القوى في الكنيست. ربما تتغير النتائج بفارق مقعد أو مقعدين لهذا التجمع الحزبي أو ذاك، وذلك لن يمكن أي حزب من تشكيل حكومة.
ما يجري من تعثر في التشكيل الحكومي الصهيوني يعبر عن شرذمة سياسية والتي تعني أيضا شرذمة اجتماعية. بعض الأحزاب الصغيرة الموجودة الآن تمثل جماعات عرقية ومذهبية . للشرقيين أحزابهم، وللغربيين كذلك. وهناك مجموعات روسية وأخرى إثيوبية وغير ذلك.
خاضت الانتخابات الثانية أكثر من عشرين قائمة انتخابية، وهي تعبر عن أبعاد اجتماعية تتميز إلى حد بعيد بالعنصرية والتمسك بالمصالح الفئوية على حساب المصالح العامة. وأدت هذه الشرذمة الاجتماعية إلى اتساع الفساد المالي والإداري في الكيان الصهيوني ما أدى إلى ضعف التماسك الاجتماعي وانتشار الأمراض الاجتماعية التي تؤثر على نسيج الكيان وعلى معنويات الجيش الصهيوني.
المعنى أن مثل هذا الوضع جيد بالنسبة للفلسطينيين من حيث ضعف المجتمع وتدهور معنويات الجيش وهبوط الانضباط، وبإمكان الفلسطينيين استغلال هذا المأزق الصهيوني وتعميقه بالمزيد. وبإمكان القائمة الانتخابية العربية أن تصر باستمرار على وحدة القائمة وتشجيع العرب على المشاركة في الانتخابات. وكلما ارتفعت أعداد المقاعد العربية ترتفع توقعات فشل الصهاينة في تشكيل حكومة.