الكتاب: موقف عبد الإله بنكيران من فرنسة التعليم
معد الكتاب بلال التليدي
مطبعة لينة الرباط 2019
هذا الكتاب مع صغر حجمه، يوثق للحظة مهمة في التاريخ السياسي للمغرب، ويشهد على لحظة فاصلة من مسار الصراع حول المسألة اللغوية، وكسب المشروع الفرنكفوني لأحد أهم جولات الصراع من خلال تمكينه من فرض فرنسة التعليم، واعتماد الفرنسية كلغة لتدريس للمواد العلمية في المغرب، وربما العودة للاختيارات اللغوية التي كانت سائدة ما قبل الاستقلال، وهو من جهة أخرى، يوثق لحظة أخرى من لحظات الخلاف داخل حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي عرف منذ تأسيسه بوفائه للمرجعية الإسلامية، وبالدفاع عن اللغة العربية في ورقته المذهبية وسائر أوراقه المرجعية لاسيما منها برامجه الانتخابية العامة.
والذي يجعل لهذا الكتاب خصوصيته أن المادة الأساسية للكتاب، تعود لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، ولم يكن لمعده بلال التليدي، سوى فضل الصياغة والتركيب، ونقل المتن الشفوي لرئيس الحكومة السابق، إلى متن مكتوب يتمتع بمواصفات المطارحة الأكاديمية. ولأنه يعبر عن رؤية بنكيران، وأفكاره ومواقفه، وهو الذي خبر دواليب الحكم، من موقعه، وخاض الصراع من كل المستويات مع اللوبي الفرنكفوني، فإن هذا الكتاب على صغر حجمه، يكتسي أهمية خاصة، ويجدر أن يتم التأمل في كل ما ورد فيه، خاصة وأن معد الكتاب صرح في مقدمته، أن الأستاذ بنكيران، راجع الكتاب ودققه أكثر من مرة، ولم يخرج بالصورة التي نشر عليها حتى أشر عليه.
سياق الكتاب: القانون الإطار الذي فجر الخلاف مرة أخرى داخل العدالة والتنمية
حسب موضوع الكتاب، فالأمر يتعلق بموقف رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران من القانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وبشكل خاص، الموقف من مادتين (المادة 2 والمادة 31) يدور موضوعهما حول فرنسة التعليم، وتسويغ تدريس المواد العلمية وربما غير العلمية بلغة أجنبية.
قصة القانون الإطار، بدأت في افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان سنة 2014، وذلك بتعليمات ملكية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والمجلس العلمي بالسهر على وضع خارطة طريق لإصلاح المدرسة وإصدار رؤية استراتيجية لإصلاح المنظومة تكون محل توافق بين مختلف المكونات والحساسيات المجتمعية. وهي الرؤية التي تم إعدادها وتسليمها إلى الملك في أيار (مايو) 2015، وقام الملك بدوره بتسليمها إلى رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في حفل بالدار البيضاء بتاريخ 20 أيار (مايو) 2015، وذلك من أجل نقلها إلى قانون إطار ملزم.
وقد تم إعداد مشروع القانون الإطار، وطلب رئيس الحكومة من المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إبداء الرأي الاستشاري حوله من أجل إحالته على البرلمان للمصادقة عليه. فتوصل المجلس بهذا المشروع في تموز (يوليو) 2016، وأبدى بعض الحجج من أجل تأخير إبداء رأيه، وكان القصد هو تأجيل المصادقة عليه في البرلمان إلى ما بعد انتخابات السابع من تشرين أول (أكتوبر) 2016. وقد كانت كل من الرؤية الاستراتيجية، ومشروع القانون الإطار واضحين في اعتماد اللغة العربية لغة للتدريس مع إمكان اعتماد التناوب اللغوي في تدريس بعض المجزوءات أو المضامين بلغة أجنبية في بعض المستويات بشكل متدرج.
الكتاب مطارحة علمية في موضوع يتجاذبه الاختصاص العلمي كما الحقل السياسي، وهي وثيقة في النقاش السياسي العالي، الذي قلما توافرت شروطه في بلاد يجيد سياسيوها فن التحفظ ولغة الخشب
والمثير في الموضوع، أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين حين أبدى رأيه الاستشاري لم يعدل شيئا في الهندسة اللغوية، وأبقى على وضع اللغة العربية كلغة للتدريس مع اعتماد التناوب اللغوي بنفس العبارة التي وردت في الرؤية الاستراتيجية ووفي مشروع القانون الإطار. وستبقى الصيغة نفسها في حكومة الدكتور سعد الدين العثماني، إذ سيتم تدارس مشروع القانون الإطار في المجلس الحكومي في الرابع من كانون ثاني (يناير) 2018، بدون تغيير أو تعديل أي شيء في موضوع الهندسة اللغوية، لتتم المفاجأة، بخروج نسخة المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، بصيغة ورد فيها تعديل المادة 2 والمادة 31 من القانون الإطار، ليتم اعتماد صيغة تنص على تدريس المواد لاسيما المواد العلمية بلغة أجنبية، وهو ما اعتبر تمكينا غير مؤسساتي للغة الفرنسية كلغة للتدريس بدل اللغة العربية التي انتصرت لها الرؤية الاستراتيجية وانتصر لها القانون الإطار.
وقد أفرز هذا التغيير في الصيغة جدلا كبيرا داخل العدالة والتنمية، مما دفع رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران للخروج الإعلامي أكثر من مرة في تدخلات مطولة يدعو فيها إلى أن يتم إسقاط الصيغة الجديدة في البرلمان، والانتصار لصيغة الرؤية والقانون الإطار كما خرجت من رئاسة الحكومة.
من المتن الشفوي إلى النص الأكاديمي
يستند هذا الكتاب على خمسة تدخلات للأستاذ عبد الإله بنكيران، قام بها في مناسبات مختلفة، أولها كان عند مرور القانون الإطار للمؤسسة التشريعية، وبداية مناقشته داخل اللجنة البرلمانية المختصة، وثانيها، كان قبيل تصويت اللجنة على القانون الإطار، وتحديدا عقب الحديث عن توافق على صيغة تقرر فرنسة التعليم، وثالثها، كان من خلال مشاركته بكلمة حول تدريس اللغة العربية خلال المؤتمر الوطني السادس للغة العربية الذي نظم يوم الجمعة 15 آذار (مارس) 2019، ورابعها، جاء بعد قرار الأمانة العامة بالتصويت بالموافقة على مشروع القانون الإطار، والامتناع عن التصويت على المادتين 2 و31 منه، أما الخامسة، فقد كانت بملتقى شبيبة العدالة والتنمية، وذلك عقب المصداقة على القانون بالجلسة العامة للبرلمان.
وقد قام بلال التليدي ـ معد الكتاب ـ بصياغة هذه التدخلات بشكل تركيبي، متحررا في ذلك من الشرط الزمني والكرونولوجي الذي تمت فيه هذه الكلمات، وذلك لأن همه كان منصرفا بدرجة أولى إلى حصر الحجج التي استعملها بنكيران لدحض فكرة فرنسة التعليم، وبيان مخاطرها على المنظومة التربوية، كما كان متجها في الجهة الأخرى، إلى توثيق اللحظة الخلافية داخل حزب العدالة والتنمية، بخصوص هذه القضية، وعرض مختلف الخيارات التي كانت متاحة في هذا الموضوع، مع بيان كلفتها، إذ حملت مداخلات بنكيران بهذا الصدد، نقاشا سياسيا عميقا، قلما خرجت مفرداته بهذه الكثافة إلى النقاش العمومي، إذ تبين من حجم الحجج السياسية التي استعملها في مناقشة القيادة السياسية لحزبه، قوة وعيه السياسي، وقدرته على تفكيك اللحظة السياسية بكل تفاصيلها، ودراسة أثر المواقف المتخذة، بل قدرته على طرح الخيارات البديلة، للبقاء في المعادلات البراغماتية المرسومة.
فالكتاب بهذه المواصفات، ليس فقط لحظة لتسجيل موقف عبد الإله بنكيران وتوثيقه، إبراء للذمة في التاريخ، وإن كان هذا لا يخرج عن مقصوده، وهو أيضا ليس مجرد وثيقة تأريخية لموقف زعيم سياسي يقرأ الأحداث بطريقته، ويستشرف مآلها ومستقلها، وإن كان ذلك حاضرا بقدر وافر ضمنه، وهو ليس وثيقة في إعلان المسافة عن القيادة، وإنما هو أكثر من ذلك. هو بالتحديد، مطارحة علمية في موضوع بتجاذبه الاختصاص العلمي كما الحقل السياسي، وهي وثيقة في النقاش السياسي العالي، الذي قلما توافرت شروطه في بلاد يجيد سياسيوها فن التحفظ ولغة الخشب، وهي قبل هذا وذاك، شهادة للتاريخ على خطأ جسيم وقعت فيه الحركة الإصلاحية، واستشراف مبكر لآثاره الخطيرة على مستقبلها.
وقد قام معد الكتاب بنقل النص الشفوي الدارج إلى نص مكتوب، مساهما بذلك في تحويل الثقافة السياسية الشفوية، إلى نص "عالم"، ينقل مضامين تدخلات بنكيران السياسية من حقل الاشتباك مع السياسيين إلى حقل الاختصاص العلمي، بل حقل الشهادة التاريخية أيضا. فمهمة التوثيق والصياغة والتركيب، لاسيما إن كان الموضوع يتوسل الحجج في قضايا السياسة اللغوية، تبني الجسر الذي يصل عبره كلام السياسي إلى حقل الاختصاص، بل لحقل التاريخ الأوسع.
هذه هي مهمة الوثيقة، وظيفتها، أن تظل شاهدة على محطة مفصلية في تاريخ المغرب السياسي، لحظة كبوة وانكسار الحركة الإصلاحية التي ورثت رصيد مواقف الحركة الوطنية في الدفاع عن مقومات الهوية، وتخلت عن هذه الأمانة لدواعي سيثبت التاريخ أنها كانت أوهن من بيت العنكبوت.
قام معد الكتاب بنقل النص الشفوي الدارج إلى نص مكتوب، مساهما بذلك في تحويل الثقافة السياسية الشفوية، إلى نص "عالم"، ينقل مضامين تدخلات بنكيران السياسية من حقل الاشتباك مع السياسيين إلى حقل الاختصاص العلمي
قيادة حزب العدالة والتنمية، لم تنجح في معادلة الموازنة بين مبادئها التي تعاقدت فيها مع نفسها ومع قواعدها، وبين مقتضيات شراكتها، ففضلت أن تساير رغبات بعض الجهات على حساب مذهبية الحزب، بل على حساب تماسكه الداخلي أيضا.
يستعرض بنكيران في هذا الخصوص مسار عدد من زعماء وعلماء المغرب في مواجهة مشروع الفرنسة من ماضي مقاومة الاستعمار، إلى مراحل النضال لتثبيت هوية الدولة الوطنية، مرورا بعدد من المشاريع التي كانت النخب الفرنكفونية تريد تمريرها وتصدت لها الحركة الوطنية
لمصلحة من الترويج لبؤس و"بشاعة" صورة فلسطين؟
البنيوية الفرنسية من ليفي ستراوس إلى بيار بورديو
قراءة في آراء كلود ليفي ستراوس مؤسس الأنثروبولوجيا البنيوية