* فئة عسكرية محدودة العدد والكفاءة اختطفت الدولة المصرية تحت تهديد السلاح
* الفئة الحاكمة قهرت وسحقت حقوق المصريين وقوضت مؤسسات الدولة من أجل مصالحها الضيقة
* أدعو جميع المصريين وحكماء الدولة والجيش لإدراك مدى خطورة وضع مصر
* مصر كانت "شبه دولة" خلال آخر 10 سنوات من حكم "مبارك" لكن مؤسسات الدولة اليوم انهارت بالكامل
* مصر تواجه واقعا كارثيا للغاية وغير مسبوق في أوضاع حقوق الإنسان
* طريق الإصلاح مُغلق ومؤسسات مصر انهارت والإصلاحيون يُنكل بهم في السجون وعلى منابر الإعلام الأمني
* الجيش المصري يتعرض لوضع مُهين للغاية في مواجهة بضع مئات من الإرهابيين في سيناء على مدار 6 سنوات
* لهذه الأسباب تلقيت أول تهديد بالقتل في ذات الشهر الذي تولى فيه السيسي رسميا حكم مصر
* الدولة تتقلب على مدار نحو 7 عقود بين انقلابات عسكرية ناعمة وعنيفة دفعت مصر وشعبها ثمنا باهظا لها
* السيسي أسقط دولة القانون وخرّب المؤسسات التي شيّدها المصريون على مدار أكثر من قرن من الزمان
دعا مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان،
بهي الدين حسن، جميع المصريين ومن بقي ممن وصفهم بالحكماء داخل
مؤسسات الدولة المصرية، بما في ذلك الحكماء داخل المؤسسة العسكرية والأجهزة
الأمنية إلى أن "ينتبهوا جميعا إلى خطورة استمرار هذا الوضع الكارثي على مصر كدولة وشعب".
وأكد، في الحلقة
الأولى من مقابلته الخاصة مع "عربي21"، أن مصر تواجه واقعا كارثيا للغاية في ما يتعلق بحقوق الإنسان، والتي قال إنها
أصبحت أزمة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، منوها إلى أن "مصر لم تمر بهذا
المستوى غير المسبوق من انهيار وضعية حقوق الإنسان حتى في وقت الاحتلال البريطاني
أو على مدار 70 عاما منذ حكم العسكريون البلاد في تموز/ يوليو 1952".
وأضاف الحقوقي المصري
البارز أن "مصر كانت شبه دولة خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق
حسني مبارك، أما في عهد السيسي فالوضع أسوأ بكثير؛ فكل مؤسسات الدولة تقريبا
انهارت، والدولة بأكملها جرى اختطافها من قبل فئة عسكرية محدودة العدد والكفاءة، لكنها تمتلك السلاح، وتُنكل بكل من يعارضها حتى داخل الجيش"،
مشدّدا على أن "مصر اليوم مُختطفة تحت تهديد السلاح".
وحول
تفسيره للمعركة الشرسة التي يشنها النظام ضد الحقوقيين المستقلين، أوضح أن "السيسي
قبل توليه الحكم بصفة رسمية كانت لديه خطة مستقبلية مسبقة لاستئصال ما بقي
للمصريين من حقوق اكتسبوها خلال العهود السابقة، لذا فقد قرر تنحية الشهود الذين
سيوثقون جرائمه، أعني المنظمات الحقوقية المستقلة. ذلك قد يفسر لماذا تلقيت تهديدي
الأول بالقتل في ذات الشهر الذي تولى فيه السيسي رسميا حكم مصر في حزيران/ يونيو 2014".
وفي ما يأتي نص الحلقة الأولى من المقابلة الخاصة:
كيف كانت أوضاع حقوق الإنسان بمصر خلال عام 2019؟
من سيئ إلى أسوأ. وبشكل عام، مصر تواجه واقعا كارثيا للغاية في ما يتعلق بحقوق الإنسان، والتي باتت أزمة غير مسبوقة في تاريخ بلادنا.
وكل المصريين يدركون مدى فداحة تلك الأزمة الخطيرة. لم تمر مصر بهذا المستوى غير
المسبوق من انهيار وضعية حقوق الإنسان حتى في وقت الاحتلال البريطاني أو على مدار
70 عاما منذ حكم العسكريون البلاد في تموز/ يوليو 1952.
والبعض يعتقد أن أحد الأسباب في تدهور حقوق الإنسان
حاليا أن مصر اليوم أصبحت شبه دولة، لكن الوضع للأسف أسوأ من ذلك بكثير، ويمكن
القول إننا في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك كانت بلادنا شبه دولة خلال السنوات العشر الأخيرة من حكمه، إلا أنه في ظل
حالة شبه الدولة تلك كانت هناك مؤسسات وأجهزة تعمل
بطريقة أو بأخرى، وكانت بحاجة لإصلاحات، وحاول "الإصلاحيون" في كل مجال،
وفي كل مؤسسة، إصلاح ومعالجة تلك الحالة بدرجات متفاوتة من التوفيق والفشل.
وكان لدينا –في عهد مبارك- إصلاحيون قضاة وحقوقيون
وإعلاميون وصحفيون مستقلون، ودبلوماسيون ومفكرون
ومثقفون ورجال دولة إصلاحيون، وحتى داخل المؤسسة
العسكرية نفسها كان هناك من هم غير راضين عن أداء مؤسستهم وأداء الدولة المصرية
إجمالا.
أما اليوم فالوضع بكل أسف أسوأ بكثير؛ فطريق الإصلاح مُغلق،
والإصلاحيون يُنكل بهم في السجون وعلى منابر الإعلام الأمني. وكل مؤسسات الدولة
تقريبا انهارت، والدولة بأكملها جرى اختطافها من قبل فئة عسكرية محدودة العدد والكفاءة، لكنها تمتلك السلاح، وتُنكل بكل
من يعارضها حتى داخل الجيش أو حتى بأولئك الذين يدعون إلى الإصلاح. مصر اليوم -بكل
بساطة- مُختطفة تحت تهديد السلاح.
ولكي تستطيع هذه الفئة المحدودة إنجاز مهمتها، وتحقيق
مصالحها، الضيقة فلم تكن تحتاج فقط إلى قهر وسحق حقوق المصريين، بل كانت بحاجة
أيضا إلى تقويض مؤسسات الدولة ذاتها وإزاحتها من طريقها. وقد رأينا ذلك مع الجهاز
المركزي للمحاسبات الذي جرى دفنه من الناحية الفعلية بصرف النظر عن وضعه على
الورق، والقضاء الذي لم يعد قضاءً مستقلا. حتى المسرح البرلماني الذي كان موجودا
في عهد مبارك أصبحنا نفتقده اليوم، فبرلمان السيسي أقرب لخيال المآتة.
وهذا التدهور الشديد امتد إلى الإعلام والثقافة وإلى المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية حتى؛ حيث يتعرض الجيش المصري لوضع مُهين للغاية بعد
فشله في مواجهة بضعة مئات من الإرهابيين في سيناء على مدار 6 سنوات ماضية، والجيش
في حد ذاته كمؤسسة وطنية جرى حرفه عن مهمته الرئيسية وإغراقه في مجالات ليس مؤهلا
لها، وعلى حساب القطاع العام والخاص والعمال والفلاحين من المدنيين المصريين، وعلى
حساب رفاهية مصر والمصريين أنفسهم.
والخطوة الأولى في الدفاع عن حقوق الإنسان في مصر هي أن
تكون هناك مؤسسات للدولة يمكن أن تتفاعل مع هذا الوضع المزري،
ويمكن أن تنصت وتتجاوب مع استغاثات المصريين والمنظمات الحقوقية.
وآمل أن ينتبه المصريون كلهم إلى خطورة الوضع الحالي
الذي يحيق بالدولة المصرية، وآمل أن ينتبه أيضا من بقي من الحكماء داخل مؤسسات
الدولة المصرية بما في ذلك الحكماء داخل المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية. آمل
أن ينتبهوا جميعا إلى خطورة استمرار هذا الوضع الكارثي على مصر كدولة وشعب.
قبل أيام، احتفلتم بمرور 25 عاما على تأسيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.. فكيف ترى مسيرة مركز القاهرة طوال هذه الأعوام؟ وأبرز نجاحاته والتحديات التي واجهها؟
مركز
القاهرة لدراسات حقوق الإنسان هو إحدى المنظمات الحقوقية الإقليمية المستقلة
محدودة العدد التي تمارس مهمتي الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم العربي ونشر
الثقافة فيه. بذلك المعنى هو استثناء. فكل المنظمات أو أكثريتها تختار إحدى المهمتين
الكبريين، وإذا اضطلعت منظمة ما بكليهما على سبيل الاستثناء، فإنها تركز كل طاقتها
في إحدى المهمتين، بينما تمارس الثانية بشكل رمزي على هامش الأولى.
الجمع
بين المهمتين الكبريين على مستوى واحد والتصدي لهما ميدانيا هو تحد هائل، خاصة
عندما تمارس هذه المنظمة دورها في أكثر مناطق العالم استبدادا وازدراءً بحقوق
الإنسان، سواء على الصعيد الحكومي أو على صعيد مستوى الوعي الشعبي بالحقوق
والاستعداد للتضامن من أجل الدفاع عنها بشكل غير انتقائي.
أن
تواصل هذه المنظمة نشاطها لربع قرن، بل تتوسع وتتعزز مكانتها الأدبية وطنيا وإقليميا
ودوليا هو مصدر فخر كبير لأجيال من الزميلات والزملاء الذين ساهموا ويساهمون بتفان
وإبداع في الاضطلاع بمهامها، بعضهن/م انتقل إلى مهن أخرى، البعض الآخر رحل عن عالمنا،
مثل رفيق وصديق العمر والشريك المؤسس د. محمد السيد سعيد (مصر)، وأحمد عثماني
(تونس).
كيف ترى الاعتداء الأخير الذي تعرض له الحقوقي جمال عيد؟ والانتهاكات التي يتعرض لها الحقوقيون داخل مصر بشكل عام؟
دعني
أحيل سؤالك إلى السيد النائب العام في مصر. كيف يفسر سيادته تعرض محام كالأستاذ
جمال عيد -الذي كرّس نفسه فقط للدفاع عن حقوق الإنسان، فضلا عن أنه ذائع الصيت
مصريا وعربيا ودوليا- لأربعة اعتداءات همجية في الطريق العام خلال نحو شهرين،
تنطوي على تهديد خطير لسلامته الجسدية وحياته، ولم يمكن حتى هذه اللحظة التوصل
للجناة أو تحديد دائرة المشتبه بهم، رغم وجود شهود عليهم؟ آمل أن يمكن التوصل إلى
الجناة قبل الاعتداء الخامس.
أنت ما زلت تتعرض لهجوم من وقت لآخر في كثير من وسائل الإعلام المصرية المؤيدة للنظام، وكان آخرها اتهامك بـ"التآمر مع جهات معادية لإسقاط مؤسسات الدولة، وتنفيذ مخطط نقل الدواعش إلى الحدود المصرية الليبية بهدف زعزعة الاستقرار في مصر".. فمتى تتوقف حملة الهجوم عليك؟
ستتوقف
هذه الهجمات عندما يعود بعض العقل للمسؤولين عن توجيه وإدارة أجهزة الإعلام والأمن
في مصر، أو عندما يحل محلهم مسؤولون متزنون يدركون الوزن السياسي والمهني
والأخلاقي للمسؤوليات التي يتولونها، وللمقاعد التي يشغلونها، ولكرامة الدولة التي
يتحدثون باسمها.
إعلام النظام هاجم سابقا تصريحا منسوبا لكم قلتم فيه إن هناك منظمات تعمل بشكل سري في مصر.. فما هي حقيقة هذا التصريح؟
لقد
صارت المحرمات المعلنة وغير المعلنة في مصر أكثر بشكل هائل مما هو مباح للمصريين،
لذلك فإن عددا متزايدا من المصريين صار يمارس كثيرا من الأنشطة اليومية بشكل سري
أو شبه سري، برغم أن الدستور والقانون يبيحها، وصارت مصر "مصرين"؛ واحدة
فوق السطح والثانية تحت الأرض. فتجد صحفيين ينشرون تقاريرهم بدون أسمائهم أو
بانتحال أسماء أخرى.
وتجد
محافل أكاديمية دولية تناقش أوراقا بحثية لأكاديميين مصريين، ولكنها مجهولة المؤلف.
وتجد محامين وسياسيين يجتمعون في الخفاء لمناقشة موضوعات واقتراحات لا تجرمها حتى
قوانين السيسي.
المثال
الأشهر لذلك هو ما يسمى بجريمة "الأمل". فمنذ نحو 3 أشهر ألقت أجهزة
الأمن القبض على عدد من أبرز السياسيين لأنهم اشتركوا في مشاورات جرت بين عدة
أحزاب شرعية وفي مقارها، وبعضها له نواب بالبرلمان، وذلك بهدف التجهيز للمشاركة في
الانتخابات البرلمانية التي ستجرى بعد شهور. بالطبع هي كلها ممارسات قانونية
ودستورية، ومع ذلك فما زالوا في السجون وتمارس ضدهم واحدة من أبشع حملات التشهير الإعلامي
بتوجيه وإشراف أجهزة الدولة. هل يمكن لوم آخرين لو قرروا غدا أن يعقدوا اجتماعات
مماثلة، ولكن بشكل سري تحضيرا للانتخابات؟
مثال
آخر، منذ عامين أعلن ثلاث شخصيات عسكرية بصورة منفصلة (العقيد أحمد قنصوه،
والفريق أحمد شفيق، والفريق سامي عنان) اعتزامهم الترشح لرئاسة الجمهورية. بصرف
النظر عن مضامين برامجهم الانتخابية، فإن اعتزام قادة عسكريين كبار سلوك الطريق
الدستوري السلمي وعدم التآمر لترتيب انقلاب عسكري كان خبرا طيبا لدولة تتقلب على
مدار نحو 7 عقود بين انقلابات عسكرية ناعمة وعنيفة دفعت مصر والمصريين ثمنا باهظا
لها من دم شبابها ومن مواردها ومن تنميتها ومن تخلفها المزري.
لكن
قنصوه سجن بعد محاكمة سرية، وأُجبر شفيق على التراجع ووضع تحت التحفظ المنزلي،
بينما كوفئ عنان رئيس الأركان باختطافه من الطريق العام وسجنه لعامين ثم الاضطرار للإفراج
عنه دون تفسير قانوني مُعلن. ترى ماذا يقول السيسي لعسكريين آخرين يعتقدون أنهم
أجدر بحكم مصر منه إذا قرروا الشروع بانقلاب عسكري بدلا من السير على الخطى السلمية والدستورية لقنصوه وشفيق عنان؟
واقع
الأمر أن المصريين لم يعد يمكنهم تحديد ما هو مباح أو غير مباح؟ ما هو مشروع أو
غير مشروع؟ ما هو قانوني ودستوري أو ما هو لادستوري ولاقانوني؛ فالدستور
والقانون لم يعودا مرجعا للإجابة عن أسئلة بديهية من هذا النوع. السيسي منحهما إجازة
مفتوحة، في نفس الوقت الذي يحذر فيه كل يوم من الفوضى، بينما هو أسقط دولة القانون
في مصر، وخرّب مؤسساتها التي شيّدها المصريون على مدار أكثر من قرن من الزمان.
هل الحركة الحقوقية المصرية استطاعت توثيق ورصد جميع الانتهاكات التي يرتكبها النظام أم لا؟
لا
تستطيع الحركة الحقوقية المصرية أو الدولية توثيق ورصد جميع الانتهاكات التي
ارتكبها ويرتكبها نظام السيسي. هذه مهمة مستحيلة، ليس فقط بسبب الافتقار لتعاون
السلطات، ولكن أيضا بسبب حملة القمع الجارية للحقوقيين، وخاصة منذ تولي السيسي
الحكم بصفة رسمية 2014.
كيف تنظر لوجود عدد من المنظمات الحقوقية المصرية التي تدافع بشدة عن النظام وتبرر انتهاكاته لحقوق الإنسان؟
لا
توجد منظمة حقوقية مصرية مستقلة واحدة تبرر جرائم حقوق الإنسان في مصر.
ما تقييمكم لأداء المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)؟ ولماذا لم يتم تغيير أعضائه حتى الآن؟
الثواني
التي قد تنفق في الرد على هذا السؤال لها قيمة أكبر.
لماذا دخل نظام السيسي في حالة عداء ومعركة شرسة مع الحقوقيين المستقلين؟
الحقوقيون
المستقلون ليسوا في معركة سياسية مع أي نظام حكم؛ فهذه مهمة السياسيين المعارضين
في كل دول العالم، ولكن مع جرائمه الحقوقية على صعيد التشريع والممارسة. ونظرا لأن
السيسي قبل توليه الحكم بصفة رسمية كانت لديه خطة مستقبلية مسبقة لاستئصال - وبأي ثمن - ما بقي للمصريين من حقوق اكتسبوها خلال
العهود السابقة، لذا فقد قرر تنحية الشهود الذين سيوثقون جرائمه، أعني
المنظمات الحقوقية المستقلة. ذلك قد يفسر لماذا تلقيت تهديدي الأول بالقتل في ذات
الشهر الذي تولي فيه السيسي رسميا حكم مصر في حزيران/ يونيو 2014.
غادرت مصر في حزيران/ يونيو 2014 بعدما تلقيت تهديدات بالقتل.. فمتى قد يعود بهي الدين حسن إلى بلده مجددا ويمارس عمله من الداخل؟
عندما
تتوقف التهديدات بالقتل والتحريض عليه ضدي، ويحقق النائب العام في البلاغ الذي قام
بحفظه، والمُقدم مني ضد المحرضين على قتلي.
هل هناك تواصل بينك وبين النظام المصري أو أحد المسؤولين بداخله؟
التهديد
بالقتل والتحريض عليه والحملات الإعلامية المنظمة البائسة لاغتيال الشخصية هي
أدوات التواصل الوحيدة مع نظام الحكم معي.
محمد علي: مفاجآت غير متوقعة من ضباط بالجيش خلال أيام
محمد علي لـ"عربي21": إعلان "ساعة صفر الثورة" خلال 3 أيام
معارض مصري: المشاركة بأي انتخابات "خيانة وطنية"