أرسل إليّ الصديق الكندي بيتر
لارسن ورقة بحثية دوّن فيها ملاحظاته، بعد عشر سنين من عمله الدؤوب في محاولة
تغيير وجهة النظر الكندية تجاه قضية
فلسطين.
بيتر كما عرفته هو رجل صادق ومتجرد
للحقيقة ومركز في أفكاره، وقد كرس جزءا كبيرا من اهتماماته في العقد الأخير لتفكيك
الفكرة الصهيونية كونها أساس المشكلة، والتأكيد على حق العودة كونه جوهر الحقوق
الفلسطينية وعدم الاكتفاء بمناصرة الفلسطينيين داخل حدود 67.
في ضوء ما قدرته من قيمة علمية
تتضمنها ورقته، فقد سألته أن أترجم أهم خلاصاتها وأن أشاركها مع القارئ العربي. ومع
أن هذه الورقة تتخذ من الرأي العام الكندي ميدانا بحثيا، إلا أنه يمكن الاهتداء
بها في فهم العقل
الغربي عموما في مقاربة قضية فلسطين.
منذ عام 2008 سافر بيتر إلى
فلسطين عدة مرات، وتضمنت زياراته مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في غزة والأردن ولبنان
والضفة. وفي
كندا تحدث في عشرات الكنائس والاتحادات، كما نظم زيارات لست مجموعات
مختلفة من الكنديين إلى فلسطين ليروا الواقع بأنفسهم، وكتب 250 مقالا ورسالة في
هذه القضية.
خلال السنوات العشر تطور موقفه
السياسي، ففي البداية كان يعتقد بفكرة بسيطة: الفلسطينيون يعيشون في فلسطين، واليهود
يعيشون في
إسرائيل، وكل الصراع بينهم هو الاتفاق على الحدود!
لاحقا بدأت دائرة تركيزه تقترب
من انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين كنتيجة لاحتلال عام
1967. في هذه المرحلة لم يناقش مسألة إسرائيل كدولة يهودية، إنما ناقش بعض أفعال
هذه الدولة مثل الجدار والاستيطان ونقاط التفتيش.
يقول بيتر: "زياراتي
المتكررة إلى إسرائيل التي يشير إليها الفلسطينيون بـ"فلسطين 48" وإلى
مخيمات اللاجئين قادت إلى تغيير في النظرة، الآن صرت أعتقد أن جذر المشكلات التي
يواجهها عشرة ملايين فلسطيني يرجع إلى بداية الصهيونية ذاتها، حيث حددت هدفها
بإنشاء دولة يهودية في فلسطين، وهو هدف لا يمكن إنجازه إلا بتهجير معظم السكان
الأصليين".
يبين بيتر: "بالطبع أؤيد
حماية
اليهود في كندا وفي إسرائيل وفي كل مكان، وفي ضوء التاريخ المرعب الذي
تعرضوا له في أوروبا فإن من المفهوم شعور اليهود بعدم الأمان وأنهم يستحقون حماية
خاصة، لكني لا أؤمن بأن إنشاء دولة يهودية عبر طرد الشعب الذي يعيش هناك منذ قرون
هو طريق فاعل لحمايتهم.
السبيل الوحيد لحماية اليهود أو
أي أقلية أخرى ليس إنشاء دول منفصلة، بل بإيجاد مجتمعات متعددة ثقافيا ومتسامحة مدعومة
بتشريعات تضمن حقوق الجميع".
تسجل الورقة البحثية عددا من
الخلاصات حول الرأي العام الكندي تجاه فلسطين:
* الرأي العام الكندي يميل إلى التعاطف مع معاناة الفلسطينيين،
لكنه يقبل غالبا دون نقاش الفكرة الأساسية وهي أن اليهود يحتاجون إلى دولة خاصة
بهم.
* خلال تجربة العشر سنوات اكتشفت أنه ليس كافيا إخبار الناس
بالحقيقة أو تفنيد الحجج لدى الفريق الآخر؛ لأن هناك العديد من الخلفيات غير المنطوقة
تلعب دورا، وهنا عدد قليل من هذه العوامل الخفية التي توجه التفكير:
- الكنديون يميلون إلى مشاركة الخوف الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي
من العرب والمسلمين، هذا الخوف نما بوضوح بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر.
- كثير من الكنديين يعرفون أنفسهم بأنهم مسيحيون، وسلوكهم تجاه
إسرائيل غالبا يشكل من التوراة، حيث يفهمون قصة اليهود كما يراها اليهود.
- الكنديون واعون بالهولوكوست، ويقبلون دون نقاش أن معاداة السامية
هي فكرة أسطورية وخالدة، وهذا ما يمثل الحجة الرئيسة للدولة اليهودية.
- إسرائيل ناجحة في تقديم نفسها إلى الغرب عبر الإعلام السائد
بأنها ضحية أكثر من كونها معتدية.
- المجتمع اليهودي في كندا يمثل 1 في المئة فقط، لكنه صنع مساهمة
مهمة في الفن والعلم والإعلام والثقافة، وأصبح مؤثرا.
- الكنديون يعرفون أن كندا اقترفت موقفا فاضحا في معاداة السامية
في الماضي، لذلك هناك حساسية لدى الشعب والسياسيين من عودة ذلك مجددا في الحاضر.
يقصد بيتر بالموقف الفاضح هو
حادثة رفض كندا استقبال سفينة تقل 900 لاجئ يهودي فروا من ألمانيا النازية عام
1939، وإجبارهم على العودة إلى أوروبا، حيث قتل 250 منهم في المحرقة النازية وفق
بعض التقديرات.
- في ضوء فشل حل الدولتين، يعتقد معظم الكنديين أنه لا يوجد حل. وحتى
يسمع الكنديون رؤية فلسطينية واضحة وشاملة لواقع ما بعد الصهيونية، مشتملة لما
يمكن أن يحدث للإسرائيليين اليهود، سيكون من الصعب جلب اهتمامهم.
- تغيير الرأي العام هو عملية متدرجة ولا تحدث مرة واحدة، فمن
النادر أن يغير الناس آراءهم بسبب مجادلة مقنعة. المواقف يمكن أن تتطور تدريجيا:
من مساند لإسرائيل إلى ليبرالي صهيوني إلى معاد للصهيونية، وأحيانا من الأفضل
اتخاذ خطوات صغيرة في الاتجاه الصحيح بدل الذهاب مباشرة إلى الهبوط.
- إظهار التعاطف تجاه كل من الفلسطينيين واليهود مهم، ومعظم
الكنديين الفلسطينيين لا يزالون يعانون من صدمة التهجير والإذلال الذي تعرضوا له،
لكن العديد من اليهود الكنديين، حتى الذين ولدوا في كندا، هم أيضا مصدومون ويشعرون
بخوف عميق، وتجاهل خوفهم يدفع اليهود إلى مزيد من الخوف وإلى أن يصيروا أكثر
انغلاقا تجاه الفكرة الصهيونية.