نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمراسلها في القاهرة، سودرسان راغفان، تحت عنوان "ظن أن جوازه الأمريكي ورسائله إلى ترامب سينقذانه لكنه كان مخطئا"، يتحدث فيه عن وفاة المعتقل الأمريكي المصري مصطفى قاسم في السجون المصرية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن قاسم اعتقد أن حكومة بلاده ستأتي لإنقاذه مما رأى أنه احتجاز ظالم، لافتا إلى قول أقاربه إن تاجر قطع غيار السيارات، البالغ من العمر 54 عاما، اعتبر جوازه الأزرق درعا واقيا من الرصاص وألا أحد سيضره، خاصة من حكومة تتلقى مليارات الدولارات على شكل مساعدات أمريكية.
ويقول راغفان إنه في الوقت الذي مات فيه يوم الاثنين نتيجة فشل في القلب وإهمال طبي، انهار إيمانه بالقوة الأمريكية، مشيرا إلى أن السياسيين الأمريكيين المؤثرين دعوا إلى إطلاق سراحه، لكنهم لم يفرضوا عقوبات على الحكومة المستبدة التي يقودها عبد الفتاح السيسي، الذي يعد حليفا مهما للإدارة الأمريكية الحالية.
وتفيد الصحيفة بأنه لم يكن أمام قاسم سوى الإضراب عن الطعام في أيلول/ سبتمبر 2018، وناشد الرئيس دونالد ترامب في رسالة تم تهريبها من سجن طرة الأمني، التدخل ومساعدته، قائلا للرئيس القادم من نيويورك مثله: "أضع حياتي بين يديك"، مشيرة إلى أن الرئيس لم يستجب لمناشدات الأب الذي خلف وراءه ولدين صغيرين.
ويلفت التقرير إلى أنه منذ زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط تصاعدت مستويات القتل خارج القانون في مصر، مشيرا إلى أن وفاة قاسم تثير الكثير من الأسئلة حول قدرة إدارة ترامب على مساعدة عدد من الأمريكيين المصريين الذين لا يزالون في السجون المصرية، الذين تم اعتقالهم بناء على أدلة واهية، بحسب ما كشفت منظمات حقوق الإنسان، علاوة على آلاف المعتقلين السياسيين الذين يعانون من الظروف السيئة ذاتها، فهناك أكثر من 300 معتقل أعلنوا إضرابهم عن الطعام، فيما أعلن مكتب النائب العام يوم الثلاثاء عن أمره بإجراء تشريح الجثة، وقال إنه يحقق في وفاة قاسم.
ويرى الكاتب أن اعتقاله الوحشي يكشف عن المدى الذي مضت فيه حكومة السيسي في القمع، وتجرأت بسبب دعم إدارة ترامب، التي تمسكت بالصمت تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، مشيرا إلى أنه منذ زيارة ترامب الأخيرة إلى الشرق الأوسط عام 2017، التي أكد فيها أن موضوع حقوق الإنسان لا يهمه في علاقاته مع دول المنطقة، فإن انتهاكات حقوق الإنسان تصاعدت.
وتنقل الصحيفة عن الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة القرن، مايكل حانا، قوله: "هذه قصة حزينة وستنعكس بشكل سيئ على مصر والولايات المتحدة"، وأضاف أن "العلاقات الثنائية لا تزال فاشلة ودون أي اتجاه".
ويورد التقرير عن ناشطي حقوق الإنسان، قولهم إن السيسي أحكم سيطرته على السلطة، وأنشأ نظاما استبداديا لم تر مصر مثله في تاريخها الحديث، مشيرا إلى أنه في محاولة لإسكات المعارضة للنظام فإن الحكومة قامت باعتقال الصحافيين والناشطين وتكميم المجتمع المدني، وتم إغلاق أكثر من 500 موقع على الإنترنت، فيما تتواصل عمليات القتل خارج القانون والتغييب القسري والتعذيب.
وينوه راغفان إلى أنه حتى مع زيادة الانتهاكات فإن إدارة ترامب واصلت دعمها للسيسي، بل إن ترامب وصفه بـ"الديكتاتور المفضل" له، ودعا السيسي إلى البيت الأبيض، وهو تشريف رفض سلف ترامب، باراك أوباما، منحه له، بسبب سجل مصر في حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن الإدارات السابقة استخدمت المساعدات السنوية بـ1.3 مليار دولار ورقة ضغط من أجل تحقيق الديمقراطية والحريات، إلا أن إدارة ترامب لم تفعل هذا الأمر.
وتنقل الصحيفة عن السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، قوله: "مثل آلاف المعتقلين السياسيين في البلد، كان يجب ألا يعتقل"، وحث وزير الخارجية مايك بومبيو على "تذكير مصر بأن الدعم العسكري مرتبط قانونيا بالإفراج عن السجناء، بينهم 6 مواطنين أمريكيين"، مشيرة إلى أن البيت الأبيض لم يرد على أسئلة الصحيفة للتعليق على وفاة المواطن الأمريكي.
ويورد التقرير نقلا عن مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، قوله إن وفاة قاسم "لم تكن ضرورية ومأساوية وكان يمكن تجنبها"، وأضاف: "سأواصل التعبير عن مظاهر قلقنا من حقوق الإنسان والمعتقلين الأمريكيين في مصر في كل فرصة".
ويشير الكاتب إلى أن قاسم، وهو من منطقة بيثبيج في نيويورك، كان في زيارة إلى القاهرة في صيف عام 2013، واعتقل في آب/ أغسطس 2013، في اليوم الذي قررت فيه السلطات الهجوم على اعتصام رابعة العدوية وقتلت حوالي ألف شخص، بحسب ما ذكرت منظمات حقوق الإنسان.
وتقول الصحيفة إنه يبدو أن قاسم كان هدفا غير مقصود، فقد اعتقل قرب مركز للتسوق، حيث كان يقوم بتبديل العملة، وكان يحضر للعودة إلى الولايات المتحدة، بحسب ما قالت مبادرة الحرية، وهي جماعة تدافع عن السجناء السياسيين في مصر.
وينقل التقرير عن منظمة ما قبل المحاكمة الدولية، قولها إنه "بعد تقديم جواز سفره الأمريكي ضربه الجنود واحتجزوه ونقلوه إلى قوات الأمن التي واصلت معاملته بسوء"، وأشارت المنظمة، وهي غير ربحية، إلى أن "سلطات السجن حدت من حصوله على دوائه والعناية الطبية طوال فترة احتجازه"، وأضافت المنظمة أن قاسم "ظل محتجزا في وضع ما قبل المحاكمة 5 أعوام".
ويلفت راغفان إلى أن السيناتور الجمهوري جون ماكين، الذي توفي عام 2018، طلب من ترامب حث مصر على إطلاق سراح قاسم، وفي كانون الثاني/ يناير 2018، قال نائب الرئيس مايك بنس، الذي زار القاهرة، إنه تحدث مع السيسي عن وضع قاسم، و"أكد" له أنه "سينظر في الأمر بجدية".
وتجد الصحيفة أنه مع ذلك فإنه حكم على قاسم بالسجن مدة 15 عاما، في محاكمة جماعية في نهاية 2018، وحكم عليه وعلى 738 بتهم محاولة الإطاحة بنظام السيسي، وقال نشطاء حقوق الإنسان إن عملية المحاكمة خرقت معايير المحاكمة العادلة كلها، دون تقديم أدلة مباشرة تدين قاسم.
ويورد التقرير نقلا عن منظمة ما قبل المحاكمة، قولها إن قاسم بدأ في يوم صدور الحكم إضرابا عن الطعام، باستثناء الشراب، وتم نقله إلى المستشفى حيث توفي في وقت متأخر من يوم الاثنين.
وينوه الكاتب إلى أن المسؤولين البارزين كانوا يعرفون بحالة قاسم، ففي حزيران/ يونيو أرسلت مجموعة العمل المصرية، وهي مجموعة مؤلفة من دبلوماسيين وخبراء الشؤون الخارجية من الحزبين، رسالة إلى وزير الخارجية، تسلط الضوء على العناية الطبية السيئة التي تقدمها السلطات المصرية للمعتقلين السياسيين، وقالت المجموعة إن قاسم "في وضع يقترب فيه من موت محتوم".
وتقول الصحيفة إن وفاة الرئيس السابق محمد مرسي في السجن كانت بمثابة صيحة تحذير لمن ظنوا أن السلطات ستقدم العناية للمعتقلين السياسيين، مشيرة إلى أن الرئيس السابق، الذي انهار في المحكمة ومات، أطيح به في انقلاب عسكري، واعتقل لمدة ستة أعوام في ظروف سيئة، وقال ناشطو حقوق الإنسان إنه حرم من العناية الطبية والأدوية الضرورية له، حيث كان يعاني من السكري وأمراض أخرى، فيما نفت الحكومة المصرية هذه الاتهامات.
وينقل التقرير عن بومبيو، قوله في رد على رسالة مجموعة العمل، أرسلها في تموز/ يوليو، إن سلامة المواطنين الأمريكيين في الخارج، خاصة المعتقلين، تعد "أولوية قصوى بالنسبة لي"، وأشار إلى أن مواطنين أمريكيين أطلق سراحهما أثناء ولاية ترامب، وهما العاملة الإنسانية آية حجازي، التي أفرج عنها عام 2017 بعد ضغوط من الرئيس على السيسي، وبعد ذلك الطالب الجامعي أحمد العطيوي، الذي أفرج عنه بعد دعوة من بنس.
ويستدرك راغفان بأن هناك عددا آخر من المواطنين الأمريكيين لا يزالون في السجن، بموجب أدلة يصفها نشطاء حقوق الإنسان بالواهية، مشيرا إلى أن سائق سيارة الليموزين خالد حسن من نيويورك سجن في عام 2018 بتهمة الانضمام لفرع تنظيم الدولة في مصر، في الوقت الذي ينفي فيه حسن هذه الاتهامات، ويقول إنه كان في زيارة عائلية عندما اعتقله رجال الأمن.
وتورد الصحيفة نقلا عن "هيومان رايتس ووتش"، قولها إن حسن تعرض للتعذيب والضرب الكهربائي واغتصب مرتين، مشيرة إلى أن حسن حاول في تموز/ يوليو الانتحار وهو في سجن طرة سيئ السمعة.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن المدرسة في بنسلفانيا ريم محمد الدسوقي اعتقلت العام الماضي عندما وصلت القاهرة لزيارة عائلتها، وتتهم السلطات الدسوقي بإدارة حساب ناقد للنظام المصري على وسائل التواصل.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
الغارديان: كيف كان 2019 عام انهيار سياسة أمريكا الخارجية؟
تقارير: ترامب مهدد بخسارة "الإنجيليين".. ما معنى ذلك؟
صحيفة أمريكية تكشف مراقبة تحركات ترامب عبر "الهاتف"