فورين بوليسي: كيف جعل ترامب العقوبات طريقا للهجمات؟

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحثين إليزابيث روزينبيرغ ونيل بهاتيا، يقولان فيه إن قرار الرئيس دونالد ترامب اغتيال مهندس النفوذ الإيراني السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، اللواء قاسم سليماني، والرد الإيراني على ذلك، يمثلان تصعيدا خطيرا في الأعمال العدائية بين أمريكا وإيران. 

ويقول الباحثان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "في الوقت الذي صدرت فيه إشارات عن الطرفين بأنهما تراجعا منذ الضربات، إلا أنه لا يتوجب على العالم أن يتنفس الصعداء، فترامب قدم تهديدات جديدة لفرض (عقوبات اقتصادية قاسية) على إيران، التي قام بفرضها يوم الجمعة، حيث فرض عقوبات على مزيد من المسؤولين الإيرانيين الذين لهم دور مباشر في الهجمات الصاروخية، وعلى قطاعات اقتصادية مهمة، مثل الفولاذ والألمنيوم والنحاس والحديد".

ويجد الكاتبان أن "استمرار أمريكا في استخدام العقوبات، وفي ظل غياب المفاوضات، وفي ظل التصعيد العسكري القائم، يعني أن أمريكا وإيران على خط صدام، ودون خطط لخفض التصعيد".  

ويشير الباحثان إلى أن ترامب تحدث في خطابه في يوم 8 كانون الثاني/ يناير، عن الهجوم الإيراني على الأهداف الأمريكية في العراق، وقال إنه يريد صفقة جديدة بدلا من الاتفاقية النووية الإيرانية، وامتنع عن الإعلان عن ضربات جديدة لأهداف إيرانية، لافتين إلى أن العديد من المراقبين أشادوا بهذا الموقف، واصفين إياه بأنه توقف عن الأعمال العدائية. 

ويستدرك الكاتبان بأنه "سيكون من المبالغة وصف هذا بأنه لخفض التصعيد، وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووزير الخزانة ستيفن منتشين يوم الجمعة، وصفا تلك العقوبات بأنها ضغوط اقتصادية مباشرة ومؤلمة على إيران.

ويلفت الكاتبان إلى أن "هذا يتفق مع موقف الرئيس منذ انسحابه من الاتفاقية النووية مع إيران، وولعه بالعقوبات القاسية، واستعداده لاستخدام القوة القاتلة يشير إلى أن الإدارة تسعى إلى الاستسلام الإيراني وليس للتفاوض السلمي، ولتحقيق خفض حقيقي للتصعيد، فإن ترامب يحتاج إلى إرسال إشارة حول احتمال تخفيف العقوبات في سياق عملية دبلوماسية لها معنى، لكن حاليا تبدو مثل هذه الإجراءات بعيدة، على أفضل حال، ونتيجة لهذا فإن الأطراف جميعها مستعدة لاحتمال وقوع أعمال عدوانية أخرى".

ويقول الباحثان إنه "يمكن العودة بدائرة الاعتداء والرد الحالية بين البلدين إلى نقطة تحول، وهي: فرض ترامب عقوبات مالية قاسية على إيران عام 2018، وكان هذا التحرك سببا في حملة الهجمات التي قامت بها طهران ضد أهداف بحرية ونفطية، بالإضافة إلى منشآت وأفراد أمريكيين في الشرق الأوسط، وجعلت طهران تطالب بتخفيف العقوبات شرطا مسبقا للعودة للمفاوضات مع واشنطن".

ويرى الكاتبان أن "تهديدات ترامب بالعقوبات المشؤومة ليست خيار سياسة وسطية، يقصد بها خلق حيز للمفاوضات الدبلوماسية، أو خفض التصعيد، فسجله في العقوبات الإيرانية يشير إلى أن البيت الأبيض يرى في العقوبات أسلوبا للتحضير للهجمات الصاروخية والإجراءات العدائية، وأصبحت العقوبات أداة إرسال إشارات جديدة لإخبار أعداء أمريكا بالنوايا القاتلة، ويبدو أنها أصبحت الآن تحركا دبلوماسيا، والاستثناءات من العقوبات تسمح لأمريكا بأن تصدر تأشيرات للقادة السياسيين الإيرانيين لحضور اجتماعات الأمم المتحدة، لكن ترامب رفض الالتزام باتفاقية مقر الأمم المتحدة، وحرم وزير الخارجية محمد جواد ظريف من التأشيرة للسفر لأجل الذهاب للأمم المتحدة".

ويفيد الباحثان بأن "القيود التي تفرضها العقوبات تبرز توجهات التوتر المستقبلية بين أمريكا وإيران، وهذه الإجراءات الاقتصادية تضع إيران والولايات المتحدة في مأزق، وتمنع من سبل خفض للتصعيد في العلاقة الثنائية، فالعزلة المفروضة على إيران ووصمة العقوبات تجعلان من الصعب على إيران التواصل مع أمريكا وغيرها، ويمكن أن يشكل هذا تحديا كبيرا لإدارة الصراع في الأوقات الحرجة". 

ويعتقد الكاتبان أن "العقوبات تجعل من التبادلات الإنسانية أمرا صعبا، وهذا يفرض ثمنا إنسانيا على الإيرانيين، يفاقمه سوء الإدارة الإيرانية للأموال المخصصة للنفقات الاجتماعية الضرورية، وكونها شأنا سياسيا فإن العقوبات تعيق أي تحرك مستقبلي لأمريكا للسماح بإيصال الطعام والدواء لإيران، وهو غصن زيتون يمكن أن يوقف التصعيد المحموم في الأعمال العدائية". 

ويرى الباحثان أن "إضافة عقوبات جديدة، كما وعد ترامب، ستجعل التراجع غير ممكن سياسيا أمام الدوائر المتخندقة في كل من إيران وأمريكا، وكما قال ظريف قبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2019: (تخلوا عن الوهم بأنه يمكن هزيمة إيران بالضغط)، فبالنسبة لإيران فإنه يكمن في كل عقوبة جديدة إهانة جديدة من أشد أعدائها، وبالنسبة لأمريكا فإن العقوبات الجديدة هي تأكيد على سياسة الشجب والنأي بالنفس عن نظام قمعي ووحشي، وبالنسبة للطرفين فإن العقوبات الإضافية تقلص الإمكانية السياسية الضئيلة لإيجاد توافق والسعي لخفض التصعيد".

وينوه الكاتبان إلى أن وزير الخزانة السابق جاك ليو رأى في العقوبات ضد إيران وسيلة في تأخير الحرب، ومنح الدبلوماسية تأثيرا أكبر، وقال: "العقوبات.. تعطي صناع القرار الإمكانية الفريدة على ممارسة ضغوط تتجاوز الدبلوماسية، لكن أقل من القوة العسكرية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية".

ويعلق الباحثان قائلين: "يبدو أن ترامب يتفق معه بأن العقوبات هي طريق وسط بين التحرك العسكري والحوار الدبلوماسي، وهذا هو سبب استخدامه للعقوبات أسلوبا لوقف الأعمال العدائية مع إيران، لكن ذلك بالكاد هو خفض للتصعيد أو ميل نحو الدبلوماسية". 

ويختم الكاتبان مقالهما بالقول: "الدرس الذي يوصله ترامب لنا الآن بشأن العقوبات هو أن أمريكا وإيران متخندقتان في أرضية وسط إلى الأبد هي العقوبات، وهذا هو ما يفضله ترامب، ويمكن تحمل الهجمات العنيفة من كلا الطرفين، وقد تؤدي العقوبات اللامتناهية إلى جر الخصوم من التصعيد إلى حرب شاملة بلا نهاية في الشرق الأوسط، لكن إجراءات الضغط الاقتصادي لها تحدياتها وقد تؤدي إلى تعطيل الدبلوماسية وخفض التصعيد الحقيقي".

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)