نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على تفاصيل تعامل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع إسرائيل، لشراء برمجيات تجسس.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ابن سلمان استدعى سنة 2016، أحد مستشاريه إلى مكتبه وأعطاه رقم هاتف للاتصال به، وفي الواقع، تبين أن هذا الرقم يعود لأناتولي هورجين، الذي يعيش إسرائيل، ويحمل رقم هاتف من دولة لاتفيا، إذ كانت الاتصالات المباشرة مستحيلة بين الخليج وإسرائيل آنذاك.
وبينت الصحيفة أن أناتولي هورجين هو مؤسس شركة أبيلتي، التي تعد شريكة لمجموعة "إن إس أو"، الشركة الإسرائيلية المختصة في تصنيع برامج التجسس. وعلى ما يبدو أن هذه الشركة هي المسؤولة عن بيع هذا النوع من المعدات إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المتهم باستخدامها بعد ذلك لاختراق هاتف جيف بيزوس، رئيس شركة أمازون، في الولايات المتحدة.
وأبرزت الصحيفة أنه على الرغم من "تردد ولي العهد السعودي الاتصال بسبب إقامته بإسرائيل، إلا أنه اتصل به على هاتفه الخلوي في لاتفيا. لقد كانت المكالمة صادمة إلى حد ما، حيث أخبره الإسرائيلي أنه من أجل المضي قدما في المفاوضات، سيتعين عليه الحضور إلى إسرائيل، ودفع مليون دولار لدراسة ملفه".
وأوضحت الصحيفة أن المسألة لا تتطلب سوى أن يفتح الشخص المراد التجسس عليه مرفقا وهميا، كما هو الحال في عملية قرصنة هاتف جيف بيزوس. وتجدر الإشارة إلى أنه قبل ستة أشهر، أي في شهر نيسان/ أبريل، تناول كل من بن سلمان وبيزوس العشاء معا في لوس أنجلوس، حيث عبّر بن سلمان عن رغبته في أن يكون لشركة أمازون هيكل إقليمي في الوطن العربي. بعد ذلك، تبادل الرجلان رسائل على الواتساب. لكن لسوء حظ ابن سلمان، اختار بيزوس البحرين كمحور إقليمي لشركته.
اقرأ أيضا: هولندا والدنمارك تستدعيان سفيري السعودية لأسباب "تجسسية"
وفي رسالة على واتساب إلى مالك شركة أمازون، كتب ابن سلمان، في صيف سنة 2018، "شعرت بخيبة أمل كبيرة". وعلى الرغم من ذلك، كان وليّ العهد حريصا على مشاركة الملياردير الأمريكي في "دافوس الصحراء" في نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر من السنة نفسها. في المقابل، كان اغتيال الصحفي جمال خاشقجي قبل ذلك بثلاثة أسابيع السبب في امتناع بيزوس عن السفر إلى الرياض. كنتيجة لذلك، كان من المتوقع أن يأخذ الانتقام السعودي منعطفا غير متوقع.
وأضافت الصحيفة أنه بعد إجراء تحقيق من قبل فريق من المختصين في مجال الأمن السيبراني، خلص مقررا الأمم المتحدة، أغنيس كالامارد وديفيد كاي إلى أن عملية اختراق هاتف بيزوس في الأول من أيار/ مايو سنة 2018 كانت مباشرة بعد العشاء الذي نُظّم في لوس أنجلوس بعد ارسال ابن سلمان لرسالة واتساب أدت بعد ساعات قليلة إلى "تسلل هائل غير مسبوق للبيانات" من هاتف الملياردير المحمول، الذي استمر لعدة أشهر.
وحتى في حال لم يقدم خبراء الأمم المتحدة دليلًا ماديًا، تعتقد أغنيس كالامارد أن لديها أدلة كافية لاستنتاج أن الرياض استخدمت برنامج التجسس بيغاسوس 3 من مجموعة "إن إس أو" الإسرائيلية.
بيع مقابل 55 مليون دولار
أبرزت الصحيفة أن نظام "بيغاسوس 3" بيع إلى الجزيرة العربية مقابل 55 مليون دولار. لكن الوسيط الأوروبي، الذي لم يستلم عمولة الخمسة بالمئة الموعودة، سيقدم شكوى إلى الشرطة الإسرائيلية.
في المقابل، لا يمنع ذلك إبرام الصفقة، عبر مجموعة كيو سايبر، التابعة لمجموعة "إن إس أو". على غرار المملكة العربية السعودية، خضعت الإمارات لإغراء برامج التجسس الإسرائيلية. من جانبها، أكدت صحيفة "نيويورك تايمز"، تعامل الإمارات مع مجموعة "إن إس أو" للتجسس على مسؤولين قطريين وعلى الأمير السعودي ورئيس الوزراء اللبناني.
وأفادت الصحيفة أن دبلوماسيّا في الخليج أشار إلى أنه على الرغم من طول قائمة السياسيين والأشخاص المؤثرين المتواجدين خارج الإمارات، إلا أن الإماراتيين ركزوا على أهداف داخلية من قبيل جماعة الإخوان المسلمين المتمركزين محليا فضلا عن بعض المعارضين في الداخل، على غرار أحمد منصور. كما وصف الدبلوماسيّ السعوديين "بالأكثر عدوانية"، حيث يمتلكون قائمة سوداء لأشخاص معادين لن يترددوا بتاتا في القيام بعمليات تصفية جذرية، حيث يعدّ قتل خاشقجي أبرز مثال على ذلك. أما بالنسبة لقطر، فتستخدم هذا البرنامج بشكل ممنهج إلى حد ما.
من جهتها، تنفي "إن إس أو" بيع معدات تجسس، وتدعو على لسان مؤسسها شاليف هوليو إلى عدم تصديق "ما يكتب في الصحف". في هذا الإطار، أشار هوليو في محاولة لتبرير هذا التوجه أن برنامج بيغاسوس لا يُباع سوى للحكومات خدمة لغايات نبيلة "لتجنب الجرائم والهجمات الإرهابية".
ويستشهد برأي رئيس جهاز المخابرات الأوروبي الذي أكد أن بيغاسوس قدم "مساعدة مهمة في الحرب ضد الجهاديين".
اعتمد هذا البرنامج قدماء من الموساد أو من المخابرات العسكرية الإسرائيلية من الوحدة 8200 للتجسس على الفلسطينيين قبل اللجوء إلى عملاء إيرانيين في الشرق الأوسط، ثم تعززت أواصر التجربة من خلال الاستثمار في القطاع. وتحتل صناعة التجسس الإسرائيلية على غرار "إن إس أو" و"سيليبرايت" ومجموعة "مار وسيركلز" الصدارة حيث تتفرع جذورها في مختلف أصقاع العالم.
اقرأ أيضا: بعد بيزوس.. "FBI" يحقق بقيام شركة إسرائيلية بعمليات اختراق
أوردت الصحيفة أن "إن إس أو" يحتاج إلى الحصول على موافقة رسمية من وزارة الحرب الإسرائيلية لبيع بيغاسوس. ومنذ آب / أغسطس سنة 2018، تعرض أحد أعضاء منظمة العفو الدولية لهجوم تسبب فيه هذا البرنامج، وهو ما دفع بمنظمة العفو الدولية لاتخاذ إجراءات قانونية في إسرائيل، مطالبة وزارة الدفاع بإلغاء ترخيص تصدير برامج التجسس التابعة لـ"إن إس أو". وبعد التورط في قضية جيفري بريستن بيزوس المدير التنفيذي لشركة أمازون، أخذ مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة بزمام الأمور للتحقيق في الأمر.
اختراق هاتف مسؤول فرنسي
قالت الصحيفة إن الخوف من القرصنة دفع بالشخصيات البارزة سياسيا على غرار رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، لتعزيز الحماية على الهواتف الخلوية. وفي هذا الصدد، طُلب من دبلوماسيي الأمم المتحدة التوقف عن استخدام واتساب. كما نصح صهر دونالد ترامب، جاريد كوشنر، بتغيير هاتفه المحمول. كما انتشرت مؤخرا شائعات تؤكد اختراق الهاتف المحمول "لمسؤول فرنسي رفيع المستوى". وفي محاولة لمعرفة هوية هذا المسؤول، أكد إيمانويل ماكرون أنه كان ضحية لمحاولة اختراق هاتفه، ولكن لم تتكرر المحاولة منذ أن تقلد منصب الرئاسة.
وأكدت الصحيفة استقالة جولييت كاييم، أخصائية الأمن السابقة خلال فترة حكم أوباما، من منصبها كمستشارة لمجموعة إن إس أو بعد تعرضها لانتقادات من العديد من الجمعيات التي تُعنى لحماية الصحفيين بسبب التجسس. وأورد جيرارد أرود مستشار ريتشارد أتياس وشركاؤه، وهي شركة اتصالات يملك فيها الأمير محمد بن سلمان 49 بالمئة من رأس المال، حيث تقلد منصب سفير فرنسي سابق لدى إسرائيل والولايات المتحدة، أنه لا بد من تطويع تكنولوجيا المراقبة لأن التخلص منها وحذفها، يعدّ خيارا غير مطروح.
تضارب المصالح
تعالت الأصوات بإيقاف بيع تكنولوجيا المراقبة، وهو ما دعت إليه الخبيرة في الأمم المتحدة، أغنيس كالامارد، نظرا لما يشكله تضارب المصالح من تهديدات للأمن الفردي والوطني والدولي.
الطموح المفرط لابن سلمان يعقّد وجوده داخل السعودية وخارجها
هكذا تناولت الصحافة البريطانية قضية اختراق هاتف "بيزوس"
الغارديان: هل اخترق ابن سلمان هاتف بيزوس بسبب خاشقجي؟