نجحت بريطانيا في جمع أعضاء مجلس الأمن للموافقة على قرار يؤكد على وقف إطلاق النار الذي فرضته المبادرة الروسية التركية، ويدعم مخرجات ملتقى برلين. وتكمن أهمية القرار في أنه يمثل الإرادة الدولية في أهم مؤسساتها، وهو مجلس الأمن، مع التنبيه إلى أنه لا ضمانات لاحترام هذا القرار.
أيضا يعكس القرار الأممي أن الإرادة الدولية تتجه إلى تعزيز حالة السلم والولوج إلى مرحلة التفاوض، وهو ما تحاول البعثة عمله من خلال إطلاقها مسارات الحوار الثلاثة: العسكرية والاقتصادية والسياسية.
حراك دولي له دلالته
وبالنظر إلى الحراك الدولي المرادف، هناك ما يشير إلى أن بعض الأطراف الدولية الفاعلة ترغب في أن تنجح مبادرة وقف إطلاق النار وتريد لمخرجات برلين أن تصبح واقعا في
ليبيا، وهو ما يمكن استنباطه من التصريحات التي تدين
حفتر لو بشكل غير مباشر، أهمها تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، وتصريحات بعض الساسة الأوروبيين الذين حملوا حفتر مسؤولية خروقات وقف إطلاق النار، أيضا حراك بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي الذين عبروا عن قلقهم تجاه الموقف المرتبك للبيت الأبيض حيال الأزمة الليبية.
مسار تفاوضي مرتبك
لكن الانتقال من الحرب إلى السلم يتطلب من المجتمع الدولي، ممثلا في البعثة الأممية والأطراف الدولية المهتمة بالشأن الليبي، درجة من التوازن والتعامل مع الحالة الليبية بموضوعية، وهو ما يزال غائبا حتى اليوم أو أنه يجري على استحياء.
المسارات الثلاث التي تبناها المبعوث الأممي ودعمه فيها المجتمع الدولي تبدو مرتبكة، وإدارتها يظهر فيها بعض الانحياز، والدليل تقديم المسار الاقتصادي على المسار السياسي وجعل القاهرة مقره. ومعلوم أن القاهرة منحازة لحفتر، وتحركها في ذلك المصالح الاقتصادية.
السلم ليس خيارا لحفتر
على صعيد الحراك المحلي، فإن استجابة الأطراف المتنازعة لدعوة البعثة الاممية للتفاوض، خاصة معسكر حفتر، لا تعكس إرادة حقيقة للانتقال من حالة الحرب إلى السلم والتعويل على التفاوض والحوار لتحقيق الاستقرار.
حفتر ما يزال يستقدم العتاد والذخيرة والمقاتلين الأجانب، وليس سرا أن ما حصل عليه من دعم عسكري خلال الأسابيع القليلة الماضية يعدل ما حصل عليه خلال عشرة أشهر، أي منذ أن بدأ عدوانه على طرابلس. في المقابل، فإن
حكومة الوفاق لم تتأخر في تنفيذ الاتفاق العسكري والأمني الذي وقعته مع
تركيا، إذ ما تزال العناصر المقاتلة تتوافد وكذلك السلاح والذخيرة.
التعبئة التي يقوم بها حفتر، باعتباره المعتدي ابتداءً، والرافض للانصياع لمبادرة وقف إطلاق النار، تؤكد أن التفاوض الذي أطلقه المبعوث الأممي لا يمثل الخيار الاستراتيجي لحفتر وداعميه، وأنه ربما يخطط لجولة ثانية من الحرب عساه يحقق فيها ما فشل في تحقيقه خلال عدوانه في الأشهر العشرة المنصرمة.
وللحرب أغراض أخرى
دعم حلفائه الإقليمين والدوليين، وفي مقدمتهم فرنسا، ربما يشي بتطلع حلفاء حفتر إلى مقارعة تركيا في ليبيا وتوجيه ضربة قوية لها في محاور القتال، طمعا في هزيمتها على الأرض وإسقاط مشروعها الإقليمي الذي يشكل اتفاقها مع حكومة الوفاق عموده الفقري.
في المقابل، فإن تحشيد حكومة الوفاق بدعم كبير من تركيا يكشف أن أنقرة تدرك التحدي واستعدادها لإفشال خطة المشروع المضاد، وما يجري على الأرض من فعل عسكري فاعل لقوات الوفاق يدلل على مدى فاعلية الدعم التركي والجاهزية لمواجهة أي هجوم كاسح.
أعتقد أن حفتر وداعميه الإقليمين والدوليين يدركون أن مرحلة الحرب تقترب من نهايتها، وأن الباب فتح للمسار السياسي، وبالتالي فإن المواجهة القادمة بالنسبة لهم ينبغي أن تكون قوية وسريعة وذات نتائج مهمة لأجل تعزيز موقعها التفاوضي، وهو ما تدركه حكومة الوفاق ومن خلفها تركيا وتستعد له. وعليه، فمن المتوقع أن تقع مواجهات واسعة وشرسة، دون أن يترتب عليها نتائج تغير الواقع على الأرض.