لا ينبغي النظر إلى الحكم الأخير على الشيخ رائد صلاح، بسجنه 28 شهرا.. بمعزل عن الخطّة الأمريكية/ الإسرائيلية لتصفية القضة الفلسطينية، والإجراءات الإسرائيلية المحمومة في سعيها لمطابقة الوقائع على الأرض مع تلك الخطّة التي تجعل من الوقائع الإسرائيلية أساسا لأيّ تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ومن نافلة القول، والحال هذه، إنّ قضيّة المسجد الأقصى، بما يعنيه من عنوان للصراع بأبعاده المتعدّدة، ورافعة لكفاح الفلسطينيين، ومثوّر لأوضاعهم في وجه الاحتلال، تأتي في قلب الأهداف الإسرائيلية المعلنة، والمتجلّية في خطواتها العملية، والمتصلة بالقضيّة برمّتها، ولا سيما القدس.
كما لا ينبغي أن يفوت معنيٌّ بالفهم، أنّ هذه الخطّة التصفوية تنهض أساسا على إرادة دمج "إسرائيل" في المنطقة، بتطبيع وجودها، وربطها بتحالف يجمعها إلى دول عربيّة. فالغاية من الخطّة هي فكّ العرب عن فلسطين، والاستثمار في هشاشتهم وضعفهم بدفعهم لدفع الأثمان من فلسطين، بما في ذلك التخلّي عن القدس، بالمسجد الأقصى الذي تضمّه. وجانب من الضغط المُعلن على الفلسطينيين هو دعاية التطبيع الفجّة، والتي ترتكز إلى الحطّ من الفلسطينيين، والتشكيك في نضالهم وعدالة قضيّتهم. وبما أنّ المسجد الأقصى مقدّس للمسلمين كلّهم، كان لا بد من إعادة إنتاج خطاب جديد إزاءه أخذ يظهر منذ سنوات، يُقلّل من مكانته الدينية، أو يجرّده من موقعه في الصراع. وعليه، فإنّ الحامي الباقي له هم الفلسطينيون، ويأتي رائد صلاح في طليعتهم، فكان لا بدّ من تغييبه في هذه الفترة تحديدا، كما عمل الاحتلال على تغييبه والتخلّص منه عدّة مرات من قبل.
الغاية من الخطّة هي فكّ العرب عن فلسطين، والاستثمار في هشاشتهم وضعفهم بدفعهم لدفع الأثمان من فلسطين، بما في ذلك التخلّي عن القدس
لم يكن الرجل ظاهرة صوتيّة، والصوت في حالته تنبيه صادق مبكّر للخطر الذي يحيط بالمسجد الأقصى، يجتمع حوله (أي صوته) عشرات الآلاف من الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948، ويتمدّد إلى ما وراء فلسطين، ثم يحتشد في قوافل تَعْمُر المسجد، وعمارته بالبشر كانت ولم تزل من أهمّ ما يمكن فعله لحمايته، ثم تَعمُره بمشاريع الإعمار والترميم، التي حمت بعض مرافقه ومصلّياته من الاستيلاء الصهيوني عليها، ثم تَعمُره بالمؤسسات الراعية، والأفكار التي تجعله محلّ رباط دائم، بالعلم والدرس، وما سوى ذلك.
ومع أنّ الدور الذي نهضت به حركته، لم يقتصر على المسجد الأقصى، ولا على الوصل الوثيق بين فلسطينيي 1948 بإخوانهم في القدس، ولا على ما مرّ تعداده من بعض دوره وجهده في المسجد الأقصى والقدس، فإنّ هذا الدور تحديدا هو السبب الأساس في حظر حركه، ومنع نشاطها، وغلق مؤسساتها، والتي سبق لها وأُغلِقَت عديد المرات، وكانت الإرادة دائما تعيد افتتاحها بأسماء جديدة للقيام بالدور نفسه. فلو كفّ الرجل عن حماية المسجد، وحَمَل حركته على أدوار أخرى لها، ربما لكان الآن في أمّ الفحم، بلدته، محفوفا بالخطابة المُدجّنة مهما علا صوتها!
لو كفّ الرجل عن حماية المسجد، وحَمَل حركته على أدوار أخرى لها، ربما لكان الآن في أمّ الفحم، بلدته، محفوفا بالخطابة المُدجّنة مهما علا صوتها!
حالة العشق بين الأنظمة العربية وإسرائيل
صفقة القرن وميزان القوى ومآلها