نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقابلة أجراها مدير تحريرها رافي أغروال، مع الأكاديمي أشتوش فارشني، مؤلف كتاب "الصراع الإثني: الهندوس والمسلمون في الهند"، والفائز بجوائز دولية.
ويشير أغروال في مقابلته، التي ترجمتها "عربي21"، إلى أن فارشني يرى أن أحداث الشغب في دلهي الأسبوع الماضي تحمل الصفات كلها لما يسمى pogrom (مذبحة منظمة).
ويعتقد فارشني أن أحداث الأسبوع الماضي القاتلة ستعاد في أنحاء أخرى من البلد، وأن المسلمين بالذات عرضة للتأثر، وفي ما يأتي نص المقابلة:
رافي أغروال: كان هناك بعض النقاش حول ما إذا كان علينا وصف العنف في دلهي الأسبوع الماضي بأنه أحداث شغب أم أنه أمر أخطر – مذبحة منظمة، فهل يمكن إيضاح الفرق؟
أشتوش فارشني: المذابح المنظمة هي نوع من أنواع الشغب عندما لا تكون الأحداث ببساطة مجرد اشتباكات بين مجموعتين من الغوغاء، أو مجموعتين "اجتماعيتين"، لكن بدلا من ذلك فإن الشرطة انحازت إلى مجموعة، إما بغض الطرف عن ما تفعل، أو بمساعدتها، وأحيانا شاركتها مباشرة في ارتكاب العنف، والفرق الرئيسي بين أحداث الشغب والمذابح المنظمة يكمن في تصرف الدولة، من خلال الشرطة، وقد ولد المصطلح في روسيا القيصرية عندما ارتكبت المذابح المنظمة ضد اليهود.
س: على اعتبار ما نعلمه الآن، كيف يمكن تصنيف العنف في دلهي؟
ج: في اليوم والليلة الأولى -الأحد 23 شباط/ فبراير- رأينا مجموعتي غوغاء تشتبكان، وكان هناك قتلى في الجانبين، لكن في اليوم الثاني والثالث أصبح تحزب الشرطة واضحا، فتمت مهاجمة مسجد ومزار إسلامي وبيوت المسلمين ومتاجرهم، ولم تستجب الشرطة لطلبات النجدة، وتظهر السجلات عددا كبيرا من الاتصالات من شمال شرق دلهي، لكن الشرطة لم تستجب، وقامت مجموعات الغوغاء الهندوسية بالهجمات دون خشية من العقاب.
أما الجزء الثاني فكان مشاركة مباشرة، وهناك فيديوهات بالذات أحدها يظهر شبابا مسلمين تضربهم مجموعة غوغاء هندوسية، والشرطة يحيطون بالشباب المصابين وهم على الأرض، ويطلبون منهم ترديد النشيد الوطني بينما يتم ضربهم، إن ذلك فاضح للغاية.
لكن الأدلة الأهم لغاية الآن تتعلق بقيام الشرطة بغض الطرف وعدم الاستجابة لاستغاثات المسلمين في الوقت الذي كانت تهاجم فيه البيوت ودور العبادة والمتاجر دون خشية من العقاب.
س: كون هذه الأحداث كلها وقعت في نيو دلهي، عاصمة الهند، هل يعد أمرا مهما؟
ج: نعم، تمتاز دلهي ببنية فريدة لعمليات الشرطة، ففي أنحاء الهند كلها، الشرطة مسؤولة أمام الحكومة المحلية للولاية بحسب الدستور، لكن في دلهي فإن الشرطة مسؤولة أمام الحكومة المركزية وليس حكومة الولاية، فمن ناحية فنية، فإن دلهي ليست ولاية كاملة، وكون الحكومة المركزية يقودها حزب بهارتيا جاناتا (بي جي بي) فإن هذا يجعل حكومة مودي هي المسؤولة عن القانون والنظام في دلهي، ووزير الداخلية أميت شاه سيكون السلطة الأخيرة المسؤولة عن شرطة دلهي، ولذلك فإن الفشل في الحفاظ على القانون والنظام يقع عليه أيضا.
س: سمع بعض المهاجمين وهم يهتفون "جي شري رام" التي تعني "النصر للرب رام"، هل لك أن توضح أهمية ترديد هذا الشعار؟
ج: هذا الشعار دينيا هو تبجيل للرب رام، وهو رب الرحمة لدى الهندوس، الذي يعد تجسيدا لأعلى القيم والأخلاقيات، لكن في حملات الهندوس الأيديولوجية القومية تم استخدام هذا الشعار سلاحا للتعبير عن القوة والرجولة والحث على الكراهية، على عكس اللطف والرحمة، ولذلك تحول هذا الشعار إلى صيحة معركة لإقامة دولة قومية هندوسية.
س: بالنظر إلى وصفك أحداث الأسبوع الماضي في دلهي على أنها تحمل صفات بداية مذبحة منظمة كلها، ما هو مدى خطر حصول أحداث عنف في أنحاء أخرى من البلد؟
ج: المواطنون المسلمون في الولايات التي يحكمها حزب "بي جي بي" هم في وضع خطير؛ لأن دور الشرطة مهم، والشرطة مسؤولة أمام الحكومة المحلية للولاية، وإن دفع حزب "بي جي بي" شرطة الولايات المختلفة ضد المسلمين، فإن أشجع الضباط فقط سيقاومون، لأن هيكلية القيادة واضحة، فالخطر على الأقلية المسلمة التي تعيش في مناطق حكم "بي جي بي" كبير جدا، وتبدو ولاية أوتار براديش، أكبر ولاية هندية وعدد سكانها 200 مليون، هي الأكثر عرضة للخطر، فالمسلمون يشكلون فيها نسبة 18%، وهم موزعون في أنحاء الولاية كلها، وكانت هناك أحداث شغب كبيرة في مظفر آباد عام 2013 مثلا، ولم ير عناصر الشرطة في أي مكان، بالإضافة إلى أن ولاية أوتار براديش يحكمها السياسي يوغي إديتياناث، المعروف بكراهيته للمسلمين.
س: ماذا يمكن للمجتمع المدني والإعلام فعله لمنع اندلاع أحداث عنف جديدة؟
ج: يمكن للمجتمع المدني أن يكون مهما جدا في خلق حصون مقاومة وسلام، لكن ذلك شيء لا يمكن القيام به بسرعة، فإنشاء شبكة تضم هندوسا ومسلمين سيأخذ عدة سنوات، إن لم يكن أكثر، فاحتمال تمزق مجتمعات مندمجة أقل بكثير من احتمال تمزق مجتمعات تعيش في حالة عزلة.
والقضية الأكثر إلحاحا دائما هي كيف يمكن التقليل من مدى أو كثافة العنف، وهنا يأتي دور الإعلام، فمن خلال نقل الأخبار بشجاعة، وشجب ما تجده غير مقبول أو تراه خرقا غير مقبول للعادات والقوانين، وبإيجاد رواية ناقدة، فإنه يمكن للإعلام إبطاء العنف أو التخفيف من حدته.
وأحيانا تتدخل الشرطة أيضا -دون موافقة سياسية- فمن ناحية قانونية ودستورية فإن على الشرطة أن تتدخل في لحظات الأزمات، لكن يبدو أن هذا النوع من ضباط الشرطة والإداريين والبيروقراطيين أقل عددا اليوم مما كانوا عليه سابقا، وهم ليسوا غائبين تماما: فمن خلال أبحاثي وجدت دائما أمثلة على ضباط شرطة وإداريين يقومون ببساطة بتطبيق القانون ولا يتبعون تعاليم حزب سياسي، لكن عددا كبيرا من ضباط الشرطة والبيروقراطيين لا يتمتعون بالشجاعة الكافية للوقوف في وجه السلطات السياسية.
س: الصحافيون في الهند يعيشون تحت التهديد، فأحد المصورين قال لـ"واشنطن بوست" إن إحدى مجموعات الغوغاء هددته بنزع سرواله لرؤية ما إذا كان مختونا أم لا، وذلك لمعرفة ما إن كان مسلما أم لا، ما مدى علاقة هذا الأمر برسائل الحكومة؟
ج: أيديولوجية الحكومة خلقت وضعا على الأرض، فأصبحت ليست هناك حاجة لصدور تعليمات من الأعلى، فيقوم من جعلوا أنفسهم أدوات بابتكار استراتيجيات خاصة بهم، ويعتقدون أنهم إن تصرفوا بأسلوب متعصب بمهاجمة المسلمين، يمكنهم التدرج صعودا في التسلسل الهرمي السياسي، ولذلك فإن البنية المحفزة التي يتم خلقها من الأعلى تبدأ بالحصول على منطق خاص بها، وتنشط الجنود وذوي الوظائف على الأرض الذين يحاولون تفسير ما يرضي المسؤولين في الحزب وفعله.
س: بدأت دورة مودي الثانية في شهر أيار/ مايو الماضي، بعد أن فاز فوزا ساحقا في الانتخابات، وفي الوقت الذي رأينا فيه علامات الشوفينية الهندوسية في الدورة الأولى أيضا -حيث شاهدنا عددا من حالات إعدام المسلمين على يد مجموعات الغوغاء مثلا- إلا أنه كان هناك تسارع ملحوظ في دفع حزب "بي جي بي" بأجندته الاجتماعية، فما هو سبب ذلك؟
ج: قبل أول دورة لمودي عام 2014، لم تكن مواضيع القومية الهندوسية بارزة في الحملة، ولم أستطع عد سوى خطابين، ويمكنك القول بأنه كانت هناك صفارات كلاب "يسمعها المعنيون فقط" وبعض مظاهر التعصب في تصرفات بعض السياسيين من المستوى المتوسط، لكنها لم تكن السردية السائدة.
وخلال الحملة قبل دورة مودي الثانية عام 2019 كان الخطاب مسلطا أكثر على إعادة بناء الهند على القومية الهندوسية، ويمكن الزعم بأن حصول "بي جي بي" على 7% إضافية من الأصوات في تلك الانتخابات يعني أنها منحت تفويضا "للحكومة" للدفع أيديولوجيا وثقافيا وبشكل أكبر نحو القومية الهندوسية، لكن من الواضح أيضا من معطيات الانتخابات أن هذا التفويض معقد، فالتصويت لصالح مودي لم يكن بالضرورة للدفع نحو أجندة اجتماعية وثقافية، فالأمن القومي كان مشكلة أيضا، وبرامج الرعاية الاجتماعية كانت لها شعبية أيضا.
أن يتم النظر إلى انتخابات أيار/ مايو 2019 على أنها تصويت لإعادة تشكيل البنية الهندية يمثل تفسيرا مبالغا فيه لرغبات الناخبين، لكن هذا ما يحصل في السياسة، ويبدو أن هذا شجع حزب "بي جي بي" بما فيه الكفاية للبدء بعملية إعادة تشكيل البنية من خلال التشريعات، وكان تمرير قانون الجنسية في 11 كانون الأول/ ديسمبر -الذي أدى إلى موجة المظاهرات الحالية- تتويجا لذلك.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
NYT: لماذا لم تمنع شرطة دلهي الهجمات على المسلمين؟
"ذا كونفرزيشن": لهذا أصبحت الهند مكانا خطرا على المسلمين
الغارديان: العنف في الهند ليس "شغبًا" بل عداء للمسلمين