منذ أن أصبحت الولايات المتحدة قطبا دوليا أساسيا أي بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة بعد أن أصبحت القطب الأوحد عقب سقوط جدار برلين، أصبح ما يحصل فيها ذا أثر مباشر على العلاقات الدولية، ويشمل ذلك أيضا الوضع العربي.
يبقى أن الانتخابات ونتائجها لم يكن لها أثر عميق عموما. طبعا هناك اختلاف في الدرجة وليس في النوع، بمعنى رئيس أمريكي من نوع أوباما، يميل إلى سياسة خارجية "مثالية"، تكون خطواته أقل عدائية وأقل عسكرية من رئيس آخر يؤمن بمنطق الهيمنة و"القوة" ومن ثم فرض الأمر الواقع، مثل بوش الابن.
لكن لم نمر قط بمرحلة ستصبح فيها نتائج الانتخابات الأمريكية ذات أثر حاسم على المنطقة العربية، سواء في ما يخص "صفقة القرن" وفرض الحل الإسرائيلي التصفوي، أو حول آفاق الديمقراطية في المجال العربي، ومن ثم بقاء الديمقراطية في تونسِ.
يجب الإقرار بوضوح بأن نجاح دونالد ترامب في الفوز بعهدة رئاسية ثانية هذا العام سيعني توفر الشروط لأهم حلفائه الإقليميين لإطلاق العنان لكل السياسات المجنونة ضد أي تطلع ديمقراطي. إذ من المعروف أن العهدة الثانية هي التي يقوم فيها أي رئيس أمريكي بتوسع مجال المبادرة والتحرر من سلطة الناخبين، إذ هي عهدته الأخيرة. وإذا كان رؤساء سابقون حذرين بعض الشيء حتى لا يؤثروا سلبا على حظوظ أحزابهم في الانتخابات النصفية، فإن ترامب لا يبدو سياسيا حذرا بأي مقياس، ومبادراته غير المحسوبة في العهدة الأولى ستبدو مبادرات "معقولة" مقارنة بما يمكن أن يفعله إن شعر بتحرير المبادرة.
ولهذا فإن هوية المرشح الديمقراطي الذي سيواجهه ومدى قدرته على إيقافه؛ هي أيضا مسألة حاسمة. ورغم أن بيرني ساندرز هو مرشح "طرفي" وليس "وسطيا" في الاوساط الديمقراطية، لكن يبدو أن معظم الاستطلاعات تشير إليه بشكل خاص كآبرز مرشح ديمقراطي يمكن أن يضمن فوزا على ترامب. تحليل هذا الوضع ليس صعبا في رأيي، إذ إن مرشحا حديا مثل ترامب لا يمكن أن يحقق حالة استقطابية مقابله تلهب حماس الناخبين سوى مرشح حدي آخر. ولهذا يصبح موضوع الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي الأمريكي موضوعا رئيسيا بذات أهمية موضوع الانتخابات الرئاسية ذاتها.
في الأسبوع الأخير مررنا بـ"الثلاثاء الكبير" الذي يمثل أحد أكبر موجات الانتخابات التمهيدية، حيث يشمل بعض الولايات الهامة مثل كاليفورنيا وتكساس، أيضا العديد من الولايات الجنوبية. التحق مرشح "الاستبليشمانت "الديمقراطي جو بايدن ببيرني ساندرز، وحقق تقدما. وما يستحق المتابعة ليس عدد الولايات بل عدد "المندوبين" (delegates) في كل ولاية، فهو نظام تصويت معقد في الانتخابات الأمريكية. مثلا بايدن انتصر في أغلب الولايات الثلاثاء، لكن ساندرز انتصر مثلا في كاليفورنيا حيث يوجد أكبر عدد للمندوبين في عموم الولايات (أكثر من 400 في كالفيورنيا وحدها). لكن الانتصار في ولاية ما بالأغلبية لا يعني الحصول على كل المندوبين.
وبعد أيام من الحساب في عدد "المندوبين"، أصبح الترتيب كالتالي (بناء على حساب موقع الشبكة الاذاعية العمومية NPR): بايدن يتفوق لأول مرة ويعود بقوة ويحصل على 627 مندوبا، مقابل 551 مندوبا لساندرز، وأصبحا بالتالي بعيدين كثيرا وبفارق كبير عن بقية المنافسين، بمعنى أننا أصبحنا في استقطاب ثنائي واضح بينهما. وللتذكير، الفوز بالترشيح يتم عندما يحصل أي مرشح على 1991 مندوبا.
في كل الحالات قيادة الحزب الديمقراطي تفضل بوضوح "المعتدل" بايدن على "التقدمي" ساندرز، استطاعت بالتحالفات التي أقامتها، من خلال دفع بعض منفسي بايدن على الوسط للانسحاب، إيقاف زحف ساندرز. لكن لا يزال السباق قائما، خاصة مع آخر نيسان/ أبريل وحلول انتخابات نيويورك وبنسلفانيا. تجب أيضا الإشارة إلى أن قيادة الحزب قامت بتغييرات كبيرة في النظام الداخلي منذ سنوات قليلة، تحسبا لصعود مرشح حدي أو لا يعبر عن القيادة. وهكذا حجزت إمكانية الحسم لأكثر من 600 "مندوب كبير" (قيادة الحزب، النواب وأعضاء مجلس الشيوخ، حكام الولايات، رؤساء المدن.. الخ).
نحن إزاء سباق مصيري، ليس فقط لمستقبل الولايات المتحدة بل لمستقبل العالم، لانه سيحدد إن كان المرشح الديمقراطي قادرا على هزم ترامب، وذلك لن يكون سهلا خاصة أمام النجاحات الاقتصادية الكبيرة في فترته (أقل نسب بطالة مثلا). أيضا إن كان هذا المرشح هو ساندرز، فإنه سيحدث تغييرات جدية في توجهات واشنطن في أكثر من مجال.
يبقى أن الانتخابات ونتائجها لم يكن لها أثر عميق عموما. طبعا هناك اختلاف في الدرجة وليس في النوع، بمعنى رئيس أمريكي من نوع أوباما، يميل إلى سياسة خارجية "مثالية"، تكون خطواته أقل عدائية وأقل عسكرية من رئيس آخر يؤمن بمنطق الهيمنة و"القوة" ومن ثم فرض الأمر الواقع، مثل بوش الابن.
لكن لم نمر قط بمرحلة ستصبح فيها نتائج الانتخابات الأمريكية ذات أثر حاسم على المنطقة العربية، سواء في ما يخص "صفقة القرن" وفرض الحل الإسرائيلي التصفوي، أو حول آفاق الديمقراطية في المجال العربي، ومن ثم بقاء الديمقراطية في تونسِ.
يجب الإقرار بوضوح بأن نجاح دونالد ترامب في الفوز بعهدة رئاسية ثانية هذا العام سيعني توفر الشروط لأهم حلفائه الإقليميين لإطلاق العنان لكل السياسات المجنونة ضد أي تطلع ديمقراطي. إذ من المعروف أن العهدة الثانية هي التي يقوم فيها أي رئيس أمريكي بتوسع مجال المبادرة والتحرر من سلطة الناخبين، إذ هي عهدته الأخيرة. وإذا كان رؤساء سابقون حذرين بعض الشيء حتى لا يؤثروا سلبا على حظوظ أحزابهم في الانتخابات النصفية، فإن ترامب لا يبدو سياسيا حذرا بأي مقياس، ومبادراته غير المحسوبة في العهدة الأولى ستبدو مبادرات "معقولة" مقارنة بما يمكن أن يفعله إن شعر بتحرير المبادرة.
ولهذا فإن هوية المرشح الديمقراطي الذي سيواجهه ومدى قدرته على إيقافه؛ هي أيضا مسألة حاسمة. ورغم أن بيرني ساندرز هو مرشح "طرفي" وليس "وسطيا" في الاوساط الديمقراطية، لكن يبدو أن معظم الاستطلاعات تشير إليه بشكل خاص كآبرز مرشح ديمقراطي يمكن أن يضمن فوزا على ترامب. تحليل هذا الوضع ليس صعبا في رأيي، إذ إن مرشحا حديا مثل ترامب لا يمكن أن يحقق حالة استقطابية مقابله تلهب حماس الناخبين سوى مرشح حدي آخر. ولهذا يصبح موضوع الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي الأمريكي موضوعا رئيسيا بذات أهمية موضوع الانتخابات الرئاسية ذاتها.
في الأسبوع الأخير مررنا بـ"الثلاثاء الكبير" الذي يمثل أحد أكبر موجات الانتخابات التمهيدية، حيث يشمل بعض الولايات الهامة مثل كاليفورنيا وتكساس، أيضا العديد من الولايات الجنوبية. التحق مرشح "الاستبليشمانت "الديمقراطي جو بايدن ببيرني ساندرز، وحقق تقدما. وما يستحق المتابعة ليس عدد الولايات بل عدد "المندوبين" (delegates) في كل ولاية، فهو نظام تصويت معقد في الانتخابات الأمريكية. مثلا بايدن انتصر في أغلب الولايات الثلاثاء، لكن ساندرز انتصر مثلا في كاليفورنيا حيث يوجد أكبر عدد للمندوبين في عموم الولايات (أكثر من 400 في كالفيورنيا وحدها). لكن الانتصار في ولاية ما بالأغلبية لا يعني الحصول على كل المندوبين.
وبعد أيام من الحساب في عدد "المندوبين"، أصبح الترتيب كالتالي (بناء على حساب موقع الشبكة الاذاعية العمومية NPR): بايدن يتفوق لأول مرة ويعود بقوة ويحصل على 627 مندوبا، مقابل 551 مندوبا لساندرز، وأصبحا بالتالي بعيدين كثيرا وبفارق كبير عن بقية المنافسين، بمعنى أننا أصبحنا في استقطاب ثنائي واضح بينهما. وللتذكير، الفوز بالترشيح يتم عندما يحصل أي مرشح على 1991 مندوبا.
في كل الحالات قيادة الحزب الديمقراطي تفضل بوضوح "المعتدل" بايدن على "التقدمي" ساندرز، استطاعت بالتحالفات التي أقامتها، من خلال دفع بعض منفسي بايدن على الوسط للانسحاب، إيقاف زحف ساندرز. لكن لا يزال السباق قائما، خاصة مع آخر نيسان/ أبريل وحلول انتخابات نيويورك وبنسلفانيا. تجب أيضا الإشارة إلى أن قيادة الحزب قامت بتغييرات كبيرة في النظام الداخلي منذ سنوات قليلة، تحسبا لصعود مرشح حدي أو لا يعبر عن القيادة. وهكذا حجزت إمكانية الحسم لأكثر من 600 "مندوب كبير" (قيادة الحزب، النواب وأعضاء مجلس الشيوخ، حكام الولايات، رؤساء المدن.. الخ).
نحن إزاء سباق مصيري، ليس فقط لمستقبل الولايات المتحدة بل لمستقبل العالم، لانه سيحدد إن كان المرشح الديمقراطي قادرا على هزم ترامب، وذلك لن يكون سهلا خاصة أمام النجاحات الاقتصادية الكبيرة في فترته (أقل نسب بطالة مثلا). أيضا إن كان هذا المرشح هو ساندرز، فإنه سيحدث تغييرات جدية في توجهات واشنطن في أكثر من مجال.
شارك
المزيد حول هذا الموضوع
المزيد من هذا الكاتب
