نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمراسلها في القاهرة، سودارسان راغفان، يعلق فيه على زيادة الرقابة المصرية حتى على أبسط أشكال الترفيه، مثل "المهرجانات"، وهي نوع من موسيقى وأغاني الشارع التي أنتجت رموزها الفنية، مثل حمو بيكا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن بيكا خرج من الأحياء الفقيرة في الإسكندرية ليصبح من أشهر الفنانين المصريين، وجمع ملايين من المتابعين له على "يوتيوب" و"ساوند كلاود"، وغنى في حفلات موسيقية في أنحاء العالم العربي والعالم كله، ومن المفترض أن يغني الشهر المقبل في نيوجرسي وفلوريدا.
ويستدرك راغفان بأن بيكا لا يمكنه الغناء الآن في بلده مصر، فمنعت السلطات حفلاته، واعتبرت هذا النوع من الغناء الذي يجمع ما بين الموسيقى الإلكترونية والكلمات الشعبية غير قانوني، وأصدرت السلطات منذ شباط/ فبراير أمرا إلى النوادي والفنادق والأماكن الموسيقية، وحتى السفن السياحية في النيل، بعدم تنظيم حفلات لمغني المهرجانات، إلا إذا كان أصحابها يريدون دفع غرامات أو أخذهم إلى المحكمة.
وتورد الصحيفة نقلا عن بيكا (31 عاما)، قوله في مقابلة معه: "غنيت في حفلة حضرها 45 ألف معجب، وهذا ما أخاف السلطات".
ويلفت التقرير إلى أنه في بلد يفتخر بأنه قدم أهم المغنين للعالم العربي، خاصة أم كلثوم، تقول السلطات إن أغاني "المهرجانات" باتت تؤدي دورا في "التدهور الأخلاقي"، فكلمات أغانيها تشجع على استخدام المخدرات والفاحشة.
ويذكر الكاتب أن المتحدث باسم البرلمان، صلاح حسب الله، أعلن في الشهر الماضي أن مصر تعيش حربا تتعلق بهويتها الثقافية، وقال حسب الله في برنامج حواري تلفازي: "كانت مصر تصدر الفن للعالم العربي، أما اليوم فيقوم شخص بالتعري على المسرح ويغني ويقول بأنه الأفضل"، وأضاف: "لو كنا نخاف من فيروس اسمه كورونا فإن هذا الفيروس الذي يقدم على أنه فن هو أخطر على مصر من كورونا".
وتعلق الصحيفة قائلة إن هذا الحظر هو الفصل الأخير من المعركة المستمرة على الروح الثقافية لمصر وما تقدمه من صورة للعالم، وهو إشارة إلى المدى الذي وصلت إليه الرقابة والهجوم على حربة التعبير والخطاب في ظل عبد الفتاح السيسي.
وينوه التقرير إلى أنه تم تقديم الراقصات الشرقيات والممثلات للمحاكمة لسلوكهن غير الأخلاقي، أو ارتدائهن ملابس فاضحة، فيما تم اعتقال وسجن شعراء وكتاب بسبب منشورات وضعوها على "فيسبوك"؛ لأنها تدعو إلى الكفر، وأمر منتجو مسلسلات درامية بحذف مشاهد لأنها غير أخلاقية أو لأسباب سياسية، وطلب منهم تصوير الشرطة ورجال الأمن بطريقة إيجابية، مشيرا إلى أنه في ظل حكومة السيسي تم تجاهل الحماية الفنية التي تضمن حرية التعبير الفني.
وينقل راغفان عن محمود عثمان، الذي يدير شركة محاماة في القاهرة باسم "حرية التفكير والتعبير"، قوله: "يشعر أي نظام قمعي بالقلق عندما يشتهر هؤلاء الفنانون.. لأنهم قد يعبرون عن أنفسهم بطريقة سياسية في مرحلة معينة".
وتقول الصحيفة إن حمو بيكا نشأ في الحي الفقير الدكانة في الإسكندرية، ولم يدخل مدرسة أبدا، وتعلم كيفية العثور على عمل في الشوارع، فعمل جزارا وسائق تاكسي وبائع فواكه، ولكن غرامه كان الغناء، وفي عام 2010 انجذب لنوع جديد من الموسيقى الذي بدأ في الأحياء الفقيرة، وهو نوع تشكل عبر "ديسك جوكي" في حفلات الزفاف، وبدأ يمزج الموسيقى الشعبية أو "الشعبي" مع الرقص الإلكتروني الذي انصهرت فيه عناصر من موسيقى الريغا والراب والهيب هوب.
ويورد التقرير نقلا عن بيكا، قوله: "كنا نتحدث عما يجري في الشوارع وما يجري في حياتنا.. هي أغاني بسيطة صنعت بطريقة رخيصة لكنها عبرت عن مشاعرنا وعن معاناة الناس اليومية في مصر".
ويفيد الكاتب بأن بيكا يقود اليوم سيارة "أودي" ذات لون برتقالي، مشيرا إلى أن ثمانية أشخاص طلبوا التقاط "سيلفي" معه أثناء إجراء المقابلة.
وتذكر الصحيفة أن أغاني المهرجانات الصاخبة والسريعة انتشرت في مصر أثناء ثورات الربيع العربي 2011، التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، الذي مات الشهر الماضي، مشيرة إلى أن الموسيقى مثلت منبرا للمصريين الفقراء للتعبير عن إحباطهم من الاضطرابات السياسية، وتزايد القمع، وتراجع الاقتصاد، وارتفاع نسبة البطالة والمعاناة الأخرى.
وبحسب التقرير، فإنه يتم تسجيل معظم الأغاني في إستوديوهات بيتية رخيصة الثمن وعلى أجهزة الحاسوب، مشيرا إلى أن قطاعات في المجتمع ترى أن أغاني المهرجانات فاحشة ولا تبث على الإذاعات، ولهذا انتشرت بسبب حديث الناس عنها وحفلات الزفاف وتداولها على منصات التواصل الاجتماعي.
ويجد راغفان أن ما جعلها مشهورة على "يوتيوب" وغيره من منصات التواصل هو كلمات الأغاني، التي تفصل الضغوط اليومية التي تواجه الفقراء المصريين، فهناك أغنية تتحدث عن حاجة الناس للمال ليشتروا أرصدة لهواتفهم النقالة، وأخرى عن رجل سافر إلى الخارج للحصول على مال ليتمكن من زاوج حبيبته ليكتشف عند عودته أنها تزوجت شخصا آخر.
وتفيد الصحيفة بأن معظم نجوم المهرجانات لا يكتبون أغاني مضادة للحكومة، إلا أن تناول الموضوعات الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية لا يعجب النظام ولا ينعكس عليه بطريقة إيجابية، لافتة إلى أن المنع الأخير جاء بسبب حفلة في عيد الحب في الشهر في الماضي، التي غنى فيها حسن شاكوش وعمر كمال، أغنية "بنت الجيران"، التي احتوت على كلمات يهدد فيها المحب البنت بأنها لو فارقته فإنه سيشرب الخمر والحشيش، وهو ما قاد نقابة الفنانين الموالية للنظام إلى إصدار قرار يحظر المهرجانات، واعتبر نقيب الفنانين، هاني شاكر، هذه الأغنية بأنها "فاحشة ولا أخلاقية".
وينقل التقرير عن المسؤول في النقابة، منصور هندي، قوله إن النقابة أرسلت طلبا إلى "يوتيوب" و"ساوند كلاود" لحذف فيديوهات المهرجانات، وأضاف هندي: "نحاول الحفاظ على تقاليد بلدنا وقيمه.. نحن لا نقود حملة ضد الفن لكننا نحارب الانحطاط".
ويشير الكاتب إلى أن قرار النقابة لقي ردودا مختلفة، ففي أحد الأيام هتف فنانون ومغنون أمام مقر النقابة، فيما نشرت صور الفنانين المعروفين في الخمسينيات والستينيات، مثل أم كلثوم، على الجدران، وقال فنان: "لا يمكن مقارنة المهرجانات بالموسيقى الكلاسيكية، وأضاف "من المفترض أن تريح الموسيقى النفس، أما هذا النوع فهو يكسر أسنانك"، وعلق آخر بسخرية قائلا: "بيكا هو أحد أعمدة الفن المصري!".
وتورد الصحيفة نقلا عن محمد إبراهيم، (23 عاما)، من حي الدكالة، وهو من المعجبين ببيكا، قوله: "كل شخص في عمري يحب هذه الأغاني.. فهي تتحدث عن الحي وناسنا وثقافتنا وتمثلنا، وهي تتحدث عن الشباب الذين لا يستطيعون الحصول على وظيفة ومعيشتنا، وهي أغاني حقيقية، فأنا لم أستطع الحصول على وظيفة".
وينقل التقرير عن مغني المهرجانات، قولهم إن استهدافهم جاء بسبب زيادة شعبيتهم وثروتهم، وقال بيكا: "لا يريد الكثير من النجوم أن تطفأ الأضواء حولهم.. يشاهدون أرقام اليوتيوب ويخافون".
ويلفت راغفان إلى أن أغاني بيكا كانت حتى الأسبوع الماضي متوفرة على "يوتيوب" و"ساوند كلاود"، وغنى الشهر الماضي في حفلة زفاف لصديقه، لكن النقابة قدمت شكوى ضده، فيقول: "غنيت في حفلة زفاف لأنني أعرف والد العروسة لكنهم قدموا شكوى ضدي".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن تفكير بيكا الآن منصب حول حفلته في نيوجرسي وفلوريدا، وهي أول رحلة له خارج مصر، فقال: "أدعو أن يتم منحي تأشيرة فلدي معجبون كثر هناك.. سأغني في مصر يوما ما".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
WP: مع تزايد حالات كورونا بمصر كيف تواجه الحكومة هذه الأزمة؟
الغارديان: كتاب عن حياة ابن سلمان يكشف مصير كرة ترامب المضيئة
NYT: لماذا ركزت حكومة السيسي على مبارك العسكري لا الرئيس؟