الكتاب: الشباب العرب من المغرب إلى اليمن- أوقات الفراغ الثقافات والسياسات
الكاتب: لوران بونفوا ومريام كاتوس، وقدم له فرانسوا بورغا
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون- بيروت، لبنان، 2019،
عدد الصفحات 406 من القطع الكبير
يمكن القول إن ثورات الربيع العربي التي انطلقت من تونس نهايات العام 2010، شكلت منعطفا تاريخيا مهما في تاريخ المنطقة العربية والإسلامية، فقد طوت نظاما سياسيا بالكامل وأسست لمرحلة جديدة من التشكل السياسي الذي لم تتضح معالمه بعد.
ولقد كان لافتا للانتباه في هذه الثورات، أن الشعوب كانت سباقة في أخذ زمام المبادرة وإعادة افتكاك حقها في تقرير مصيرها، واتضح ذلك في عدم وجود قيادات لهذه الثورات الشعبية. لكن بمجرد سقوط عدد من الأنظمة حتى عاد التعويل مرة أخرى على النخب الفكرية والسياسية لقيادة المرحلة الجديدة، وهي مرحلة مازالت تتشكل بالتفاعل بين مختلف القوى السياسية والفكرية والاقتصادية، وأيضا بين قوى الداخل والخارج..
ضمن هذا الإطار يأتي كتاب "الشباب العرب من المغرب إلى اليمن.. أوقات الفراغ الثقافات والسياسات"، الذي يعرض له الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني ضمن أربع حلقات، ويسعى من خلاله، ليس لفهم ميكانيزمات ثورات الربيع العربي، التي مازالت عواصفها لم تهدأ بعد، وإنما أيضا للبحث عن آفاقها السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية.
بخلاف الصور النمطية الاستشراقية، كشفت "الانتفاضات العربية"، التي برزت منذ عام 2011 كنماذج في التحشيد الديمقراطي، عن وجوه جديدة حظيت بالشهرة، حتى في ضواحي تل أبيب وفي قلب مانهاتن واسطنبول. وبعيداً من عزلتهم المفترضة، برهن الشباب العرب على قدرة فائقة في التأثير في العالم. فكونهم معارضين، مع شيوخهم، للأنظمة الديكتاتورية التي لا تزال تحكم في بلدانهم، وجد بعضهم نفسه فجأة في طليعة ظواهر ثقافية عالمية. شاهدنا إحداها معه عبارة "إرحل" degage ، التي أصبحت حتى خارج حدود "العالم العربي"، الشعار السائد عام 2011. كما يشهد على ذلك السرعة التي ركب معها بعض الشباب العرب، عام 2013، موجة مهرجان "الهارلم شيك" Harlem Shake القادمة من اليابان وأستراليا، حيث ظهروا على الإنترنت، متنكرين، بل عراة، ويرقصون عل أنغام موسيقى إلكترونية تم تحوير رموزها تحدّياً للسلطات المحلية والسياسية والدينية.
حيال زحمة هذه الصور، انبثقت الفكرة التي أسست لهذا الكتاب، الذي يضم في ثناياه ثمانية وثلاثين فصلاً، حيث تحدو الباحثان الرغبة للتحدث عن الشباب العرب، خلافاً لمعيار الخطب التقليدية.
وتحقيقاً لهذا الهدف، أبدى ثلاثون باحثاً رغبتهم في تبادل حصيلة ملاحظاتهم ومعرفتهم الوثيقة للمنطقة، بغية فسح المجال، "من الداخل" واستناداً إلى تجاربهم الملموسة، لرؤية مُعاش الشباب العرب حالياً في البلدان العربية وفهمهم. فالكتاب عبارة عن دراسة للكيفية التي تلجأ إليها الأجيال الشابة العربية لملء أوقات الفراغ، وهي بمنزلة تجربة غنية بمعلومات تتيح فهم الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التيى تعصف بالمجتمعات العربية.
وقد آثر الباحثان القيام بتسليط أضواء كاشفة على موضوع الشباب العرب، عبر التنقل من بلد إلى آخر، ومن المدن إلى الأرياف، ومن الأوساط الشعبية إلى الأوساط الميسورة.
الشباب في الجزائر: "الحيطيون" أنموذجًا
إنَّهم فئة من الشباب ملتصقون بالحيطان، يشاهدون مرور العمر. أحياناً، يأوي الحائط إلى مخدعه، فيما يبقون هم حيث هم. ففي مطلع التسعينيات من القرن العشرين، ومع مغادرة عقد قاتم وقدوم آخر أقل وضوحاً، وُلد في الجزائر مصطلح حيطي. وهو مشهد رمزي لشريحة من شباب تلك الحقبة أصبح صورة نمطية راسخة.
إنَّ سائر الشباب العاطلين من العمل في الجزائر هم الذين يلتصقون بالحائط طوال النهار. ومع مرور الوقت، اكتسبوا اسم الحائط. فـ "الحيطيون"، كما وصفهم الممثل الكوميدي والكاتب الساخر الجزائري محمد فلاق بأسلوب محبب، هو خليط من العربية والفرنسية، هم أولئك الذين يستندون إلى "الحيط".
إنَّ "الحيطيين" هم إذاً شباب، أو بالأحرى شبان يمضون معظم وقتهم، نتيجة الافتقار إلى العمل، مستندين إلى حيطان الأحياء السكنية. تحت هذه التسمية، التي شاع تداولها إبان العقدين الماضيين، ومع عبارة "أصبح حيطياً"، ساد التصور المتعلق بهذا الجيل، سواء في الأدب أو السينما أو الموسيقى أو وسائل الإعلام أو الأحاديث اليومية.
يقول كاتب هذا الفصل عن "الحيطيين" في الجزائر لويك لو باب: "بيد أنَّ هذه العبارة، التي ترسخت في حينها، عفا عليها الزمن. لقد ولى زمانها مفسحة في المكان لملاحظات وأشكال جديدة من التهكم الذاتي. لكنَّها احتفظت بقوة الأفكار المسبقة التي أثرت في هذا الجبل. وإذا كانت تميل إلى الاحتجاب خلف صور أخرى أكثر معاصرة مرتبطة مثلاً بصورة المهاجرين غير الشرعيين، أي الحراقة (أولئك الذين يحرقون بطاقات هويتهم كي يتمكنوا من الدخول بطريقة غير شرعية إلى أوروبا)، فلا شيء يدل على أن ما ترمز إليه قد اختفى، بل على العكس من ذلك تماماً" (ص 42 من الكتاب).
إنَّ سائر الشباب العاطلين من العمل في الجزائر هم الذين يلتصقون بالحائط طوال النهار. ومع مرور الوقت، اكتسبوا اسم الحائط.
البطالة التي تصيب أكثر من 17 في المئة من قوّة العمل في العالم العربي ،باتت تضرب ربع الشبّان الذين هم دون الـ25 من العمر، وهي تتراوح ما بين 30 و35 في المئة في أوساط الشبان الجامعيين.
إقرأ أيضا: الشباب العربي والتحول نحو الديمقراطية.. محاولة للفهم
الشباب العربي والتحول نحو الديمقراطية.. محاولة للفهم
بين المماليك وداعش.. محاولة لفهم تاريخ العرب المعاصر
التلقي العربي للسانيات وأثر دي سوسير في البحث اللغوي (2من2)