خلال اليومين الماضيين تصاعدت حدة الخلافات بين الجزر السلطوية التي أقامتها
السعودية والإمارات داخل الشرعية
اليمنية المعترف بها دولياً، على نحو أظهر كم يبدو التحالف العربي بقيادة السعودية متورطاً في مهمة حثيثة لتدمير اليمن، دولة ومجتمعاً وأرضاً وإمكانيات.
الخلاف بين المسؤولين داخل السلطة الشرعية، ليس جديداً، فقد صُممت هذه السلطة خلال السنوات الخمس الماضية من طرف الرياض وأبو ظبي لتظهر على هذا النحو من التباين بين مكوناتها وشخوصها، وبهذا القدر من التناقض في المواقف التي يتبناها كل طرف.
غير أن الخلاف هذه المرة أخذ أبعاداً عملية بلغت حد الإقصاء لأهم الشخصيات المؤثرة داخل الحكومة اليمنية، بعد أن قام رئيسها معين عبد الملك، بإيقاف
وزير النقل صالح الجبواني عن العمل، في وقت يُنظر فيه إلى رئيس الوزراء على أنه رجل الرياض والمرحب به من أبو ظبي، ويعمل بشكل لصيق ومثير للانتقادات مع السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر.
مغزى قرار كهذا يبدو واضحاً لمن يتابع تطورات الأحداث في اليمن، فيكاد يكون استكمالاً للانقلاب الذي نفذته الأدوات الإماراتية في العاصمة السياسية المؤقتة عدن، في العاشر من آب/ أغسطس 2019، ضد السلطة الشرعية وتحت أنظار السعودية، لأنه يستهدف ما تبقى من استقلال في قرار السلطة الشرعية حتى لو انحصر في ثلاثة وزراء أو اثنين أو واحد، وهو هدف يجعل الرياض محركاً مهماً لذلك الانقلاب، وليس وسيطاً لإنهاء تداعياته عبر اتفاق الرياض المثير للجدل.
لقد كان الوزير الجبواني أحد أشجع الوزراء الذين واجهوا هذا الانقلاب، إلى جانب نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، وتحدثوا بوضوح عن دور التحالف في ترجيح كفة الانقلاب وخلق واقع جيوسياسي جديد في عدن يتوازى من حيث نتائجه مع
انقلاب صنعاء، لجهة تجريف نفوذ السلطة الشرعية التي يتمتع التحالف السعودي الإماراتي حتى الآن بكل هذه الصلاحيات في اليمن تحت مظلتها.
قرار رئيس الوزراء بإيقاف وزير النقل، والذي تؤكد مصادر عديدة أن الرئيس هادي المقيم في الرياض منذ خمسة أعوام، أوقفه أو أبطله، لا يأتي فقط على خلفية الدور المناهض للانقلاب من جانب الوزير الجبواني والقلة القليلة من
الوزراء الشجعان في الحكومة، ولكنه ، وهذا هو الأهم، يأتي تعبيرا عن امتعاض الرياض وأبو ظبي من التحركات الخارجية لوزير النقل والتي تمت تحت أنظار الرئاسة اليمنية وبموافقة ضمنية منها، بعد أيام من الانقلاب الذي تُوج في 29 آب/ أغسطس 2019 بتورط طيران التحالف بحماية هذا الانقلاب، عبر استهداف الجيش الوطني الذي كاد يحسم الموقف العسكري في عدن ذلك اليوم لصالح الحكومة.
فقد طاف الوزير الجبواني في عواصم عربية وإقليمية أخذته إلى القاهرة ومسقط والكويت ثم إلى أنقرة، وعند هذه المحطة بالتحديد جن جنون الرياض، لأن تحركات من هذا النوع يمكنها أن تحبط المهمة الخبيثة لهذا التحالف في اليمن، والتي تتلخص في تفكيك الدولة إلى مناطق صراع ولاعبين متساوين في القدرات العسكرية على نحو يبقي البلاد في حالة استنزاف طويلة الأمد تفضي إلى ما تريد السعودية تمريره من تسوية تنطوي على احتمالات خطيرة، من بينها إعادة تفكيك اليمن إلى التركيبة الفسيفسائية التي كان عليها قبل العام 1967، وهو التاريخ الذي استقل فيه جنوب اليمن عن الاستعمار البريطاني.
تخشى الرياض من دخول لاعبين إقليميين بحجم تركيا إلى الساحة اليمنية، وهو أمر ممكن إذا ما تعلق الأمر بطلب من الشرعية، ذلك أن تدخلها في اليمن لا يحتكر المشهد إلا بالقدر الذي تتيحه هذه الشرعية الضعيفة المستلبة، ولهذا تُمعن السعودية في إضعاف هذه الشرعية وتفتيتها وتغذية الصراعات بين مكوناتها وشخوصها، وفي غرس المشاريع المتصارعة في صلب أجندتها التي يفترض أنها معنية باستعادة الدولة واستقلالها، وتصفية المشاريع الانقلابية والانفصالية وإعادة الاستقرار إلى البلاد.
ومع ذلك ثمة سؤال جوهري يتعلق بالموقف العدائي السعودي تجاه تركيا، والذي تفاقم مع وصول الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، وما هي الحكمة من فقدان الرياض حليف إقليمي وثيق بحجم تركيا، التي أظهرت دعماً للسعودية منذ اللحظة الأولى لانطلاق عاصفة الحزم؟
لا يمكن تفسير هذه الحالة العدائية غير المبررة بأنها تأتي في إطار التنافس على زعامة العالم الإسلامي مطلقاً، فالأمر مرتبط على الأرجح بارتهان الأمير ابن سلمان لأجندة خارجية تخشى من تشكل قطب سني قوي، لذا قايضته بالمنصب الرفيع الذي بلغه دون سائر الأمراء الآخرين المستحقين لوراثة العرش. لذا السعودية هي من يخسر هذه الفرصة التاريخية لبناء تحالف سني، وليس تركيا، لأن الرياض محاطة بأعداء لا حصر لهم وقد ساهمت بإرادتها الكاملة في تقويتهم وتمكينهم.
فلا غرابة إذاً إذا قلنا إن السعودية بعد خمسة أعوام من تدخلها العسكري، بمؤازرة قوية من الإمارات وبشراكة سيئة معها، إنما تبرهن بأن تدخلها في اليمن ليس إلا نسخة مشابهة تماماً من حيث خطورته وعدوانيته وأهدافه الجيوسياسية؛ من التدخل الإيراني.
لكن علينا أن نشير إلى الفارق الجوهري بين التدخلين، ذلك أن الموقف الإيراني الذي يحكم تدخلها في اليمن يبدو أكثر تماسكاً ووضوحاً في أهدافه وحماسه الشديد في الانتصار لحلفائه مهما كانت التضحيات، وهو ما لا يتوفر في موقف السعودية التي لا تزال
تغوص أكثر فأكثر في مستنقع اليمن بهذا الإصرار على مواصلة حربها غير واضحة الأهداف، وبهذه الحماقة في تعيين الأعداء، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بأكثر الحلفاء إخلاصاً ورسوخاً في ثرى هذا الوطن، بذرائع أيديولوجية وأحقاد سلطوية غاشمة.