نشر موقع المعهد الإيطالي للدراسات الدولية تقريرا تحدث فيه عن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لتفشي فيروس كورونا في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن التهديد الذي يفرضه الوباء يضاف إلى المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها المنطقة وما زالت معلقة حتى الآن، مما سيجعل الأوضاع على حافة الانفجار.
وتتشارك دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بدرجات متفاوتة في مجابهة هذا العدو الجديد، وقد سجلت المنطقة إلى غاية 30 آذار/ مارس حوالي 45 ألف حالة إصابة بالعدوى، أكثر من 38 ألف منها في إيران.
وعلى الرغم من أن كل بلد اتخذ تدابير لاحتواء انتشار العدوى، إلا أنه كما هو الحال في أجزاء أخرى من العالم، لا يمكن إخفاء حقيقة أن الاستجابة لم تكن بالسرعة الكافية نتيجة التقليل الأولي للمشكل أو نظرا لحسابات أخرى. ولن تتمكن هذه التدابير بأي حال من الأحوال من حماية النظم الاجتماعية والاقتصادية الضعيفة بشكل خاص في المنطقة.
وأورد الموقع أن الشاغل الأول يتعلق بالانتشار السريع للعدوى في المناطق التي يكون فيها الحصول على الماء والكهرباء شحيحا ومحدودا، والتي تفتقر إلى تدابير النظافة الصحية ويصعب فيها تنفيذ التباعد الاجتماعي بسبب الكثافة السكانية العالية، كما هو الحال في قطاع غزة، أو في المناطق الحضرية في مصر، أو مخيمات اللاجئين في الشرق الأدنى.
اقرأ أيضا: 43 ألف إصابة بكورونا عالميا.. ونصف سكان العالم في بيوتهم
ونوه الموقع بأنه في البلدان الأكثر تقدمًا في المنطقة، هناك أيضًا مخاوف بشأن صيانة النظم الصحية الهشة في المناطق التي تعتبر فيها البنية الطبية الأساسية غير كافية والطاقم الطبي غير مؤهل وغير مستعد لمواجهة حالة طوارئ، وهو ما يضع ضغوطًا هائلة على النظام الصحي. ويعزى ذلك أساسا إلى تفضيل حكومات المنطقة على مر السنين ضخ الموارد إلى الإنفاق العسكري بدلاً من الاستثمار في الرعاية الصحية.
وذكر الموقع أنه وقع إغلاق المدارس والجامعات والمساجد وتعليق العديد من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية منذ النصف الثاني من آذار/ مارس عندما سُجلت أولى الوفيات جراء الفيروس. وفي العديد من البلدان، تم الإعلان عن حالة الطوارئ بينما فرض في دول أخرى حظر التجوال ليلا وأُغلقت الحدود وأُلغيت الرحلات الجوية وقُيدت التحركات الداخلية.
ولكن هذه التدابير الاستثنائية زادت فقط من سيطرة الأنظمة على مواطنيها من خلال نشر القوات العسكرية وقوات الشرطة مما قلص من المساحات المحدودة للحرية. كما أثيرت مخاوف كثيرة في إسرائيل بشأن قرار الحكومة استخدام التكنولوجيا لمراقبة الأفراد عبر الهواتف المحمولة.
وأفاد الموقع بأن القلق يرتبط أيضا بالعواقب الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن تباطؤ النمو العالمي، لا سيما في الصين والدول الأوروبية التي تربطها بالمنطقة علاقات اقتصادية وطاقية وطيدة. وإن كان من الصعب اليوم تحديد الأثر الاقتصادي الفعلي للوباء، فإن الآثار السلبية الأولى قد أصابت السياحة والتحويلات النقدية، التي تعد من القطاعات الرئيسية لدول المنطقة. وتمثل السياحة 16 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في تونس، و12 بالمئة في مصر، و11 بالمئة في المغرب والإمارات.
وأضاف الموقع أن كل دولة تتفاعل مع الأزمة بالوسائل المتاحة لها. من جهتها، قامت الحكومة المغربية بتخصيص 200 مليون دولار لتعزيز النظام الصحي. وفي ليبيا، خصصت حكومة الوفاق 350 مليون دولار للتعامل مع حالة الطوارئ الصحية، في حين أطلقت مصر حزمة بقيمة 6.35 مليارات دولار لدعم اقتصادها.
اقرأ أيضا: تقرير أممي يكشف رقما صادما للمهددين بالفقر عربيا جراء كورونا
أما إيران، المنهكة من العقوبات الدولية وحالة الطوارئ الصحية، تقدمت بطلب إلى صندوق النقد الدولي للمرة الأولى منذ سنة 1962 للحصول على قرض بقيمة خمسة مليارات دولار.
وأشار الموقع إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي وضعت حزم تحفيز نمو كبيرة قدرت بأكثر من 25 مليار دولار في الإمارات، و18 مليارًا في قطر، و17 مليارًا في السعودية، وبوسعها أيضا أن تعتمد على احتياطيات كبيرة من العملة. لكن انهيار أسعار النفط الخام وانخفاض الأسعار لفترات طويلة قد يكون له تأثير على البلدان المنتجة للنفط، الذي يتجاوز الاقتصاد ويمكن أن يؤدي إلى التشكيك في الأنظمة التي تعتمد على إعادة توزيع عائدات النفط لتحصيل الإجماع السياسي والاجتماعي. كما أن المساعدات الخارجية التي قدمتها الدول النفطية حتى الآن لاقتصادات أخرى في المنطقة، مثل الأردن ومصر، يمكن أن تتأثر بشدة.
ووفقًا للخبراء الاقتصاديين، من المتوقع أن يصل نمو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها في سنة 2020 إلى 2.1 بالمئة، مع تسجيل انخفاض عن التقديرات الأولية البالغة 2.8 بالمئة، في حين أن دول مجلس التعاون الخليجي وحدها لن يتجاوز نموها عتبة 1.7 بالمئة.
وأورد الموقع أنه في مواجهة أجراس الإنذار العديدة، دعا الملك سلمان، بصفته الرئيس الحالي لمجموعة العشرين، إلى عقد قمة استثنائية (عن طريق التداول بالفيديو) في 26 آذار/ مارس، التزم فيها قادة المنظمة بتخصيص اعتمادات بقيمة خمسة تريليونات دولار لدعم الاقتصاد العالمي لمواجهة طوارئ فيروس كورونا، وهو نفس المبلغ الذي تم تخصيصه للأزمة المالية لسنة 2008-2009. وعلى الرغم من أن العديد من الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم تتأثر حينها إلا بشكل هامشي بسبب انخفاض درجة اندماجها في الاقتصاد العالمي، إلا أن الوضع اليوم مختلف تمامًا.
BBC: فيروس كورونا "قنبلة موقوتة" للشرق الأوسط
كيف غير وباء "كورونا" مسار الصراع في الشرق الأوسط؟
فورين أفيرز: هل يقود فيروس كورونا إلى انهيار اجتماعي؟