يبدو أن فيروس كورونا المستجد، الذي اخترق كل الحدود والبلدان، وعطل مختلف الأنشطة، وأحال أكبر العواصم العالمية إلى قفار لا يجوب شوارعها إلا المضطرون، في طريقه إلى ترسيخ منظومة قيم دولية جديدة، لا أحد قادر حتى الآن على التكهن بطبيعتها، ولا بالأطراف الفاعلة فيها.
وقد دفع فشل العلوم الحديثة في فهم منشأ الفيروس والطرق الكفيلة بمحاصرته، العالم إلى إعادة النظر في كثير من المفاهيم التي قام عليها عصر التنوير، الذي أعلى من قيمة المادة على حساب الروح، واستطاع خلال القرنين الأخيرين من تجفيف كثير من القيم الإنسانية من معانيها الجوهرية؛ فعاد الحديث مجددا عن التضامن الإنساني، وعن القرية العالمية الواحدة، وأيضا عن القضاء والقدر، بكل ما يحمله من سكينة للروح ودافع للبحث عن أنجع السبل العلمية الكفيلة بفهم طبيعة الداء ودوائه.
وفي خضم ذلك، عادت معاني التضامن الإنساني، والتكافل الاجتماعي لتظهر من جديد، كما لو أن عصور التنوير وتجفيف الينابيع الإنسانية في بعدها الروحي والمعنوي لم تسد يوما في عالمنا. إلا أن هذه المعاني الإنسانية لم تجد لها الترجمة على الأرض حين يتعلق الأمر بالخلاف السياسي، وظل التجاوب مع النداء الإنساني الناجم عن الفيروس المستجد في بعده الشكلي المتصل بالغذاء والدواء، لكن حين يصل إلى المستوى السياسي يصطدم بحواجز سميكة، ويجد لها من التبريرات القانونية والأخلاقية، بل وحتى الشرعية ما يجعل من حلها أمرا بعيد المنال.
"عربي21"، وفي سياق مساهمتها في فهم التداعيات المباشرة والبعيدة لفيروس كورونا المستجد، ولكيفية التعامل معه عالميا، تعمل على إشراك مختلف النخب الفكرية ليس في القراءة المباشرة لهذه الجائحة، وإنما أيضا في محاولة قراءة صورة العالم بعد نهاية هذه الجائحة، والدور المأمول فيه للعرب والمسلمين.
في هذا الإطار، يأتي هذا التقرير الخاص بـ "عربي21"، الذي أعده الكاتب والإعلامي الجزائري حسان زهار، عن قيمة العفو عن معتقلي الرأي زمن الأوبئة.. الجزائر نموذجا.
بينما تصدر الفتاوى بإغلاق جميع المرافق العامة بما فيها المساجد والمعابد، حيث يذكر اسم الله، في مواجهة جائحة كورونا، يثار في الأثناء جدل حول السجون: هل يجب أن تغلق هي أيضا، إنقاذا لأرواح المساجين من خطر العدوى؟ وطالما أن مبدأ حفظ النفس مقدم على حفظ الدين، أفلا يكون حفظ النفس مقدما على حفظ القانون أيضا؟ هل القانون مقدم وهو أعلى من الدين؟
لكن في المقابل، إذا كان غلق المساجد مثلا لا ضرر مادي من ورائه، فإن غلق السجون وإطلاق المجرمين والمغتصبين وناهبي المال العام دون ضوابط، وخلطهم مع معتقلي الرأي والسياسة، قد يكون أخطر من الوباء نفسه، حين تجد الدولة التي هي في حالة حرب من الفيروس المستجد نفسها، في مواجهة أخرى مع عصابات الإجرام والتخريب.
أليس ممكنا بدل فكرة الغلق، أن نبث بعض الإنسانية داخل هذه السجون، وأن نجعل من فكرة "الأنسنة" بديلا عن فكرة "الجحيم" التي تسيطر على معظم السجون العربية، بحيث يضمن السجين حقوقه الصحية كاملة، في زمن الوباء؟
بهذا الطرح المتوازن، يصبح الولوج إلى إشكالية السجون والمساجين في زمن الأوبئة من الحساسية بحيث ينبغي التعامل معه بموضوعية وحذر، وبعيدا عن العواطف غير المحسوبة، ولعل المثال الجزائري وشعاره المعروف في "أنسنة السجون"، بحيث تكون أكثر إنسانية في تعاملها مع السجناء عموما، وسجناء الرأي تحديدا، يدخل حيز التجريب الحقيقي، لمدى مصداقيته من زيفه، في مثل هذه الأوقات حيث تفشي الفيروس المستجد، خاصة بعد أن قررت السلطات الجزائرية (في الفاتح من نيسان / أبريل) إطلاق سراح آلاف المساجين مع تزايد انتشار الوباء في البلاد، استجابة لتصاعد المطالبات الداخلية بإنقاذ السجناء في هذا الوقت الحساس، وانسجاما مع توصيات مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في هذا الصدد.
ولعل الشعار الجزائري "أنسنة السجون" في زمن الكورونا، قد لا يبتعد كثيرا عن شعار الرئيس تبون نفسه "أخلقة الحياة السياسية" في زمن الحراك، كلها عناوين رائعة وجميلة، قد لا تعوزها النوايا الحسنة، بقدر ما يحد من هيلمانها كثير من المعوقات الموضوعية.
هل نثق بالتصريحات الرسمية؟
رغم دخول الجزائر المستوى الثالث من الإصابات بالفيروس المستجد، حيث ناهزت الألف إصابة بين المواطنين، إلا أن المؤشر الإيجابي بالنسبة للسجون هو إعلان وزارة العدل الجزائرية، عدم تسجيل أية حالة إصابة بفيروس كورونا على مستوى جميع المؤسسات العقابية، عكس بعض الإشاعات التي تروجها جهات مجهولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتشير الإحصائيات إلى وجود حوالي 60 ألف سجين داخل السجون الجزائرية، قامت السلطات الجزائرية، بحسب بيانات وزارة العدل باتخاذ إجراءات وقائية صارمة لمنع انتقال الفيروس داخل المؤسسات العقابية، تتمثل في وقف زيارة أهالي المساجين (مؤقتا)، أو إدخال أي مأكولات من خارج السجون، وعزل المحبوسين الجدد لمدة أربعة عشر يوما في قاعات معزولة عن باقي المحبوسين، وإخضاعهم للمتابعة والفحص الطبي، وتوقيف عمليات استخراج المحبوسين من المؤسسات العقابية من طرف قضاة التحقيق إلا للضرورة القصوى، ومنع اتصال المحبوسين المباشر بالمحامين، مع اقتناء ما يلزم من وسائل الحماية والوقاية الطبية (كمامات، قفازات جراحية). إضافة إلى تشكيل خلية أزمة على مستوى كل مجلس قضائي عبر كامل ولايات الجمهورية، يترأسها النائب العام المختص وتضم كلا من مدراء المؤسسات العقابية والأطباء العامين، لمواجهة الوباء واتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحته داخل السجون.
لكن هل يمكن فعلا الوثوق بالتصريحات الرسمية في ظل حملات التشكيك الممنهجة من طرف عائلات المساجين وأطراف حراكية كثيرة؟ علما أن الجزائر كانت قد تحدثت كثيرا في السابق، أن نظامها العقابي قد تطور بشكل كبير، منذ الشروع في إصلاح منظومة العدالة سنة 2003، ناحية "أنسنة السجون" خاصة بالنسبة للفئات الهشة كالنساء والقصر وكبار السن، وتقديم التكوين اللازم لهم ومنحهم فرص المشاركة في المساقات العلمية والحصول على الشهادات العليا.
كورونا .. العفو.. ومفهوم "أنسنة السجون"
مع تفشي وباء كورونا في الجزائر، وارتفاع الأصوات الصادقة منها والمغرضة من أجل إنقاذ السجناء، وقع الرئيس عبد المجيد تبون، مرسوما رئاسيا يقضي بالعفو عن 5037 محبوسا، في خطوة قرئت إيجابيا، وإن كان البعض يراها غير كافية، لمواجهة الوباء وسحب الملف من الاستعمال السياسوي، وقد حدد المرسوم الرئاسي المستفيدين من هذا المرسوم، وهم الأشخاص غير المحبوسين المحكوم عليهم نهائيا، الذين تساوي عقوبتهم أو من تبقى من عقوبتهم 12 شهرا أو أقل، أو 18 شهرا أو أقل.
كما نص المرسوم الرئاسي على تخفيض جزئي للعقوبة بـ 18 شهرا إذا كان ما تبقى من العقوبة يزيد عن 18 شهرا ويساوي 20 سنة على الأقل"، مشيرا إلى أن مدة التخفيض الجزئي أو الكلي للعقوبة ترفع إلى 24 شهرا لفائدة المحبوسين المحكوم عليهم نهائيا، الذين يساوي أو يزيد سنهم عن 60 سنة عن تاريخ إمضاء المرسوم. على ألا يشمل هذا العفو "الأشخاص الذين حكمت عليهم الجهات القضائية العسكرية". في إشارة إلى قيادات المخابرات السابقة وشقيق الرئيس بوتفليقة، وكذا الأشخاص المحكوم عليهم في قضايا ارتكاب جرائم الإرهاب والخيانة والتجسس والتقتيل والمتاجرة بالمخدرات والهروب وقتل الأصول والتسميم، وجنح وجنايات الفعل المخل بالحياء مع أو بغير عنف على قاصر والاغتصاب، وجرائم التبديد العمدي واختلاس الأموال العامة، وعموما كل جرائم الفساد المنصوص عليها في القانون 06 ـ 01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، وتبييض الأموال وتزوير النقود والتهريب، والمخالفات المتعلقة بالتشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال".
وتبدو الخطوة الجزائرية هذه، استجابة ولو جزئية لتوصيات مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ميشيل باشيليت، التي كانت قد دعت إلى اتّخاذ إجراءات عاجلة، لاحتواء تفشي فيروس كورونا المستجد، وحماية صحة الأشخاص المحتجزين في السجون وسلامتهم. وإلى دراسة سبل الإفراج عن الأشخاص المعرضين بشكل خاص لخطر الإصابة بفيروس كورونا، ومن بينهم المعتقلون الأكبر سنّا والمرضى، بالإضافة إلى المجرمين الذين يمثّلون خطرا ضئيلا".
غير أن تيارات معارضة في الجزائر، رأت في الإجراءات هذه قصورا واضحا، خاصة في ما يتعلق بما يسمونهم "معتقلي الرأي"، من أمثال كريم طابو، ورشيد نكاز، وإبراهيم دراجي، والصحفي خالد درارني ممن ناصروا الحراك إلى غاية أيامه الأخيرة قبل وقفه بسبب جائحة كورونا، محذرين من نفس مصير المعارضين محمد تاملت وكمال الدين فخار، اللذين قضيا بالسجون الجزائرية، نتيجة الإهمال الطبي على الأرجح.
ومع ذلك، الواقع يؤكد أن مثل هذه المخاوف مبالغ فيها كثيرا، بدليل أن رموز حراكية كبيرة ومعروفة، أمثال سمير بلعربي وفضيل بومالة وغيرهم، اعترفوا بعد إطلاق سراحهم، بالظروف الجيدة التي أمضوا فيها حبسهم، وبحسن المعاملة، وهو ما كان واضحا على ملامح وجوههم التي تثبت الحالة الصحية الجيدة التي خرجوا بها.
القانون لا يميز بين السجناء
وحول الجدل المثار بشأن أولوية سجناء الرأي على سجناء الحق العام في موضوع إطلاق السراح، يرى المحامي حسان براهيمي أنه يجب الوقوف عند مصطلحي "المساجين السياسيين" و"معتقلي الرأي"، فالمشرع الجزائري لم يفرد للجرائم السياسية إجراءات خاصة بها أو يحدد لها نوعا من المحاكم المختصة والمختلفة عن محاكم الجرائم العادية، والقانون الجزائري يعدّ الجميع متساويا أمام جرائم القانون العام.
ويشرح المحامي حسان براهيمي لـ "عربي21" أنه لا يمكن إطلاق سراح المساجين قبل انقضاء عقوبتهم، إلا وفق ما هو منصوص عليه قانونا من مثل الإفراج المشروط أو الإفراج لسبب صحي أو العفو الرئاسي. وتعود صلاحية العفو الرئاسي لرئيس الجمهورية وحده وفقا للدستور في المادة 91 ـ 7، الذي له حقّ إصدار العفو وحقّ تخفيض العقوبات أو استبدالها. ومن ثمّ، فمسألة إطلاق سراح المساجين في الأوقات الاستثنائية مثل الكوارث الطبيعية وتفشي الأوبئة ومنها فيروس كورونا، تعود صلاحيته لرئيس الجمهورية وحده ولا يوجد أي نص يجبره على تقديم أسباب لقراره، فهو حر تماما في ذلك. وفي حالة العكس، فإن نظام الاحتباس مجبر على اتخاذ الاحتياطات الصحية اللازمة كافة لمنع تفشي الوباء بين جميع السجناء دون تمييز بينهم.
ويشدد المحامي حسان براهيمي في ختام كلامه، على أن النظام القانوني الجزائري مبني على مبدأ دستوري سامٍ، هو المساواة بين الجميع أمام القضاء. ويعد مساسا بمبدأ المساواة وتمييزا، إطلاق سراح مساجين دون آخرين تطبيقا للدستور في المادة 34: تستهدف المؤسّسات ضمان مساواة كلّ المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات. لأن أساس القضاء مبادئ الشّرعيّة والمساواة. الكلّ سواسية أمام القضاء، وهو في متناول الجميع ويجسّده احترام القانون. مادة 158. منوها إلى أن الدولة تتحمل مسؤولية أي انتهاك لحق المساجين في الصحة المضمون لهم، مثلهم مثل بقية المواطنين.
وحتى نفكك القضية ونمايز بين غثها وسمينها، يرى فاتح ماضي، وهو قيادي في حركة عزم الجزائرية، وجوب ضبط المفاهيم، وأن نحدد من يمكن وصفه بالسجين السياسي أو معتقل الرأي ممن لا يتصف بذلك، فلا يصدر عن عاقل ـ برأيه ـ أن ننزل الصفة على الجميع دون تحرّ، والواجب -على صعوبته- هو دراسة كل ملف على حدة، فلا يعقل أن نصف من كان يحرّض على الانقلاب داخل المؤسسة العسكرية أنه سجين سياسي، ولا من قذف بشرطي من على عربة الشرطة. بالمقابل يجب مراجعة ملفات من أودعوا السجن لمجرد خروجهم في مظاهرات رافضة لهذا أو ذاك من المسؤولين، فالشارع هو أكبر مكسب لا يجوز التنازل عنه لأي كان، يجب صونه وحماية عامريه ولو اختلفنا معهم، وحتى خارج إطار بلاء الوباء الذي نعيشه.
استغلال الوباء سياسيا
ويحذر فاتح ماضي، في حديثه لـ "عربي21" من القوى التي تحاول استغلال الوباء لأغراض سياسية، مشيرا بأصابع الاتهام لما يسميه "الكيان الموازي"، وفلوله ممن سيستغلون الظرف بكل الطرق، وخاصة غير الأخلاقية منها.
يقول فاتح ماضي: الغريب أن من كانوا يدعون إلى الخروج في مسيرات الحراك في بداية الوباء متجاهلين كل التحذيرات من كون الحشود أرضية مثالية لانتشارالفيروس، هم من يستعملونه اليوم ويستغلونه للإفراج عن شركائهم، ويا ليتهم أدرجوا سجناء محرقة التسعينيات في خانة السجناء السياسيين، خاصة أن جل هؤلاء اعتقلوا لانتمائهم السياسي لا غير، هؤلاء المنسيون إعلاميا وحقوقيا وسياسيا، هؤلاء الذين تنكر لهم الأقربون وراحوا يهرولون لشراء مودة جلاديهم بالأمس، أقول: يا ليتهم فعلوا، إلا أن حقد التيار الإدماجي الذي يتمثل في الكيان الموازي، لا يسمح لهم إلا بالانتقائية السافرة القبيحة، حتى في أكثر الملفات حساسية وإنسانية.
ويتساءل فاتح ماضي: هل سنطلق اللصوص والمجرمين والمغتصبين ومحترفي الإجرام في وضع جد حساس، حتى يتفشى النهب والسطو كما شهدته بعض المناطق، خاصة أن الأزمة ببعدها الاجتماعي قد تطول لأسابيع وربما لعدة أشهر!؟ إن المرحلة جد حساسة وأي تعثر قد يتسبب في كوارث لا قبل لنا بها، والدولة لا يجب أن تتعطل أو تتوقف بسبب الوباء، والأولى لو يرينا المزايدون ما فعلوه ليدفعوا عن العباد الوباء وعن البلاد البلاء، عوض خرجاتهم المغلفة بالدفاع عن الحقوق المحشوة بسموم مستوردة من الضفة الأخرى.
المطلوب إنسانية أكبر
أما بالنسبة للإعلامي مروان الوناس، وأحد نشطاء الحراك، فإن معتقلي الرأي ومعتقلي الحراك الشعبي هم من تعرضوا للظلم أكثر، كون الجميع يعلم أن أغلب التهم في حقهم ليست متينة وأحيانا غير مؤسسة، وفيها الكثير من الظلم والتعسف.
إن معتقلي الرأي والحراك بحسب مروان الوناس في حديثه لـ "عربي21"، لم يمارسوا عنفا ولم يدعوا إليه، بل كانوا يعبرون عن آراء ومواقف معارضة، وعلى هذا الأساس سجنوا تعسفا. وعليه فمكانهم خارج السجون حتى دون كورونا، لكن للأسف السلطات تعمدت سجن نشطاء آخرين حتى في عز الأزمة الوبائية، ولم تراع حقيقة أن الحراك الشعبي كان سباقا للهدنة والتهدئة بتعليق المظاهرات، بينما لجأت السلطة إلى التمسك بعدم إطلاق سراح المساجين السياسيين والمبالغة في السجن المؤقت، والبدء في إرسال استدعاءات من قبل الشرطة إلى عدد آخر من النشطاء في مختلف الولايات، في رسالة تخويف على ما يبدو، منوها إلى أن الأزمة الوبائية الحالية من المفترض أن تدفع النظام إلى التصرف بإنسانية أكبر.
إطلاق سراح معتقلي الحراك ممكن
في المقابل، يخالف هذا الطرح الدكتور رضوان بوهيدل، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة الجزائر، حيث يعتقد أن الاحتمال الأكبر، أن يشمل العفو الذي أصدره الرئيس تبون في الفاتح من نيسان / أبريل الجاري، عددا كبيرا من المعتقلين في الحراك بتهم مختلفة، وذلك بغض النظر عن الاستثناءات التي حددها المرسوم الرئاسي... لكن من الواضح أن السلطة ضربت عدة عصافير بحجر واحد، من خلال محاولة حصر الوباء وتفشيه المحتمل في السجون، وكذا تحقيق إجراء اجتماعي ومجتمعي؛ فلكل مسجون عائلة، وهي طريقة لاستعادة الثقة من طرف الكثيرين واستيعابهم وإطلاق سراح من سجن في أثناء الحراك... لأنها تهم لا ترتبط لا بالإرهاب ولا بالفساد ولا بالجوسسة والخيانة.... وهي بادرة تنفيس على الضغط السياسي الذي تعيشه الجزائر منذ أشهر... وهو تنازل بشكل أو بآخر من طرف السلطة.
ويضيف الدكتور رضوان بوهيدل لـ "عربي21"، إنه لا يمكن لأي عقوبة أن تسقط إلا من خلال العفو الرئاسي بالنسبة للجزائر ولأي دولة في العالم... فالقوانين وحدها من تسقط العقوبات... والذين يوجدون في السجون خالفوا القانون بشكل أو بآخر... أو على الأقل متهمون بذلك باختلاف الدرجة ما بين المخالفة والجنحة والجريمة... لكن الجزائر اقتدت بتجارب عالمية، حيث سعت إلى إيجاد حلول وسط... ولذلك يمكن اعتبار القرار الذي اتخذه الرئيس تبون هو لدواعٍ صحية، لكن في صيغة اجتماعية وسياسية.
وختم الدكتور بوهيدل، "إن إطلاق سراح أي مسجون مهما كانت صفته، هو قرار دستوري من خلال الفقرة 7 من المادة 91 التي تخول لرئيس الجمهورية صلاحية العفو من خلال مرسوم يتم فيه وضع الاستثناءات... وهذا ما حدث بالفعل حين قرر الرئيس تبون العفو عن عدد من الفئات المسجونة سواء بالموازاة مع فترة الحبس بالنسبة للمحكوم عليهم 12 و18 شهرا، وكذا التخفيض في بعض الأحكام. وحتى عامل السن حين تقرر إطلاق سراح ما فوق 60 سنة، وهو دليل أن الأمر مرتبط بجائحة كورونا ومحاولة التنفيس وتخفيف الضغط الذي تعيشه السجون الجزائرية عموما.
ما بعد كورونا أخطر من الجائحة ذاتها.. الجزائر نموذجا
كورونا.. وأزمة العقل الفقهي المعاصر بالجزائر (2من2)
المرأة عند إسلاميي الجزائر.. ضحية الأدبيات القديمة (2من2)