الشلولو (بفتح الشين واللام وتسكين الواو) هو أحدث صيحة
مصرية لمواجهة فيروس
كورونا، وهي وصفة ذكرها طبيب كبير ومتخصص في علم التغذية، وهو الدكتور مجدي نزيه، رئيس قسم وحدة التثقيف الغذائي بالمعهد القومي للتغذية، في لقاء تلفزيوني مع محمود سعد، ثم أوضح ما قاله في لقاء آخر مع عمرو أديب، ليثبت الرجل أنه يتحدث عن
الشلولو الذي يقوي المناعة أمام الفيروسات وليس علاجا لفيروس كورونا، وهو محق إلى حد بعيد في ما يتعلق بتقوية المناعة.
الحقيقة أن الرجل قال بداية إنه يصلح مع كورونا وغير كورونا، ما دفعني للبحث قليلا عن وصفات طبية مشابهة أو تصرفات رسمية متماشية مع فلسفة الشلولو، فوجدت الكثير والكثير في الأيام الماضية. أحدهم ظهر على فضائية مصرية ليتحدث على طريقة اللواء عبد العاطي كفتة عن طلب الولايات المتحدة منه علاجا سريعا وفعالا للقضاء على فيروس كورونا، فأخبرهم بكل ثقة بأنه موجود في الفول المصنوع بالخلطة المصرية مع قليل من خليط البصل والثوم. سبقته إلى ذلك إعلامية أخرى، هي أماني الخياط، والتي دعت المصريين إلى شرب الشاي الساخن بكثافة كي يدفع الكورونا إلى المعدة بدلا من نزولها إلى الرئة. ولا عجب في ذلك، فأبوهم الذي علمهم السحر مفيد فوزي قد ذكر أيضا أن الهند لم تصب بكورونا في بادئ الأمر لأنها تستخدم بهارات الكرومونيوم المضادة لكورونا.
العشوائية والدجل تصدرا المشهد المصري في الأيام الماضية، ولم أتعجب عندما قرأت أن اثنين من المحامين قد تقدما ببلاغ لدى النيابة العامة ضد الصين اتهماها فيه بأنها وراء تصدير فيروس كورونا إلى العالم، وأنها أخفت الحقيقة في بدايات الأمر، ثم طالبا الصين بتعويض يبلغ عشرة تريليونات دولار أمريكي. وإثباتا لوطنيتهما الخالصة وانتمائهما الشديد لزمن الشلولو، فقد تبرعا بالمبلغ إلى صندوق تحيا مصر، في وقت قررت فيه وزارة الإسكان المصرية عودة أربعة ملايين عامل إلى مواقعهم للعمل في قطاع الإنشاءات والبناء مرة أخرى، دون الاعتبار للمخاطر التي تترتب على قرار كهذا، ولكنها بدت وكأنها سياسة حاكمة لأصحاب القرار في المجال الاقتصادي، حيث ظهر علينا رجل الأعمال حسين صبور ليبارك قرار نزول العمال، ويقول
جملته العنصرية الشهيرة : "سيموت بعض الناس ولكننا لن نفلس"، في إشارة لرأسمالية عفنة لا تتناسب مع جائحة لا تفرق بين رجل أعمال وعامل صغير في هذه الأيام.
في عالم آخر يستغيث
تحت وقع الوباء وفي زمان آخر غير زمان الشلولو، وفي مكان آخر غير قصر اتحادية
السيسي، هناك في جامعة بيتسبرغ في الولايات المتحدة الأمريكية يعمل الدكتور لويس فالو مع فريق علمي متخصص على إيجاد لقاح سريع لعلاج كورونا، وأعلن الفريق الحكومي في بريطانيا بدء التجارب السريرية لتجربة بعض اللقاحات، في وقت افتتح فيه وزير الصحة البريطاني مات هانكوك مستشفى ميدانيا يضم أربعة آلاف سرير في وسط لندن، وأعلن استيراد 200 جهاز تنفس صناعي من الصين وبدء تصنيع أجهزة تنفس صناعي محلية، وأعلنت حكومات غربية وأوروبية دعمها بمليارات الدولارات لوزارات الصحة، وحذرت فيه كل وزارات الصحة العالمية وفرق الأزمة من أزمة نقص أجهزة التنفس الصناعي والمستلزمات الطبية الخاصة بالفريق الطبي، وبأننا مقبلون على كارثة إنسانية حقيقية.
فوجئت بتوجيه من السيسي إلى
وزيرة الصحة المصرية بأن تذهب إلى إيطاليا دون كمامة، لتقديم مساعدات طبية في مواجهة هذه الأزمة، بدافع المساعدات الإنسانية والوقوف صفا واحدا في مواجهة كورونا، وبأن لدينا فائضا من التجهيزات الطبية والكمامات ونستطيع إرسال هذا الفائض إلى غيرنا من الدول المنكوبة. مصر فيها ما يقارب الـ60 ألف طبيب و140 ألف ممرض، هم قوام الفريق الطبي داخل مستشفيات وزارة الصحة وفقا لآخر إحصاء رسمي من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، واذا ما افترضنا أن كل فرد من
الفريق الطبي يحتاج إلى عشر كمامات يوميا للكشف على عشرة مرضى، فنحن أمام مليوني كمامة يوميا، فقط لمستشفيات وزارة الصحة، فكم يبلغ إنتاج مصر اليومي حتى يكفي هذا ويفيض لإرسال مساعدات خارجية؟
العالم يتحرك بسرعة كبيرة في إجراء اختبارات الكشف عن كورونا ومصر أجرت حتى الآن 25 ألف اختبار فقط، بما يعني أنه من بين كل مليون شخص تجري مصر الكشف عن 244 شخصا فقط. العالم يقول ستنهار المنظومة الصحية أمام انتشار الفيروس، ومصر تعلن أن لدينا أجهزة تنفس صناعي وكمامات تكفي وتفيض.
لأول مرة أتمنى أن تكون تصريحات النظام المصري حقيقية، وأن يستطيع العبور من هذا الوباء بأقل الخسائر البشرية والاقتصادية. أتمنى أن تكون كل الشواهد التي نبني عليها تحليلاتنا خاطئة، وأرجو أن تكون الصورة مغايرة لكل الشهادات المخيفة التي تصلنا من الأهالي وأعضاء الفريق الطبي، وأرجو السلامة لمصر وأهلها ومن فيها.