يحرص الحاج "عبد الرحمن قرعان" (أبو نضال) على المحافظة على الزجل الشعبي الفلسطيني رغم تطور أشكال الغناء والموسيقى، فهو يقوم بنظمه وغنائه منذ سبعينيات القرن الماضي مُحبا للونه وإيقاعه وغير آبهٍ لتغيرات السنين.
وبدأت حكاية الحاج "عبد الرحمن قرعان" (78 عاما) من مدينة البيرة وسط الضفة المحتلة مع الزجل الشعبي منذ أن كان يسمع شقيقه وهو يردده؛ فمال إليه قلبه وشرع يردده في صالون الحلاقة الخاص به، فكلما زاره الزبائن شرع يطربهم بألوان الزجل حتى ذاع صيته في مدينته.
ويقول أبو نضال لـ "عربي21" إنه بعد أن اشتهر بصوته الجبلي في الزجل الشعبي بين زبائنه بدأ يطلبه أصدقاؤه لأداء مقاطع منه في الأفراح والمناسبات المختلفة، وكان لا يتردد في ذلك خاصة أنه يحب هذا اللون التراثي الذي يقوي صلته بوطنه وأرضه.
ويعتبر بأن الزجل الشعبي لا يقتصر على ترديد كلمات معينة وإنما هو صلة قوية ما بين الشخص ووطنه؛ خاصة حين يبنى على مقاطع وطنية تشرح ذلك وتفرض التفريط في الأرض.
وما من شك أن الوضع الاستثنائي الذي تمر به فلسطين جراء استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضيها كان بيئة خصبة أمام الزجالين كي يعبروا عن مواقفهم من خلاله وينشروها في المناسبات المختلفة التي يُدعون لها.
ويوضح أبو نضال بأن ألوان الزجل متعددة؛ فمنها الوطني والغزلي والذي يبنى على مواقف بعينها، ولكن الأكثر شيوعا وتداولا هي الألوان الوطنية التي يقبل عليها الفلسطينيون ويرددونها بشكل كبير.
ويضيف: "في كل حدث سياسي أو ثوري في فلسطين تجد الزجالين يؤلفون المقاطع المختلفة التي يقومون بترديدها بشكل مستمر حتى تصبح جزءا من الموروث الشعبي، فمثلا قمت بتأليف هذا المقطع رفضا لأي حلول مجحفة في القضية الفلسطينية:
الحل الجزئي ما بدنا
ما بدنا نخسر وطننا
إحنا مش من العبيد
احنا النا وطننا".
ويتفرع الزجل الشعبي الوطني إلى أشكال عدة أبرزها الزجل الخاص بالغربة؛ حيث أن ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون معاناة اللجوء خارج وطنهم أو الذين أجبروا على الهجرة لظروف العمل والدراسة يلجأون لتلك الألوان التراثية من أجل التعبير عن حبهم لوطنهم وشوقهم للرجوع إليه.
وفي هذا الإطار نظم أبو نضال بيوتا عديدة في الزجل تحاكي لسان المغتربين والذين يتمنون العودة إلى بساطة العيش والبيت القديم والأزقة الضيقة؛ حيث قال:
كم مرة دعينا المولى تلمنا
في الأرض الحمرا من شق تلمنا
مهما الغربة فرقتنا
رح ترجع تلمنا
وقال أيضا:
الزمان اللي غر فيك غر فيي
واخذ من هالعمر
بفضل بارض الوطن بس غرفة
ولا مية باب في القصر
ولكن التراجع في الإقبال على الزجل الشعبي يؤرق هذه الشريحة الهامة من الزجالين ومتذوقي التراث؛ حيث بدت الموسيقى الحديثة المسجلة هي البديل لوجود الزجالين في الأفراح.
ويقول أبو نضال: "التراجع في الاستماع للتراث يؤرقنا ويقلقنا؛ حيث أن الشباب حاليا يميلون إلى الدحية دون حتى الاستماع لكلماتها وإنما يحبون إيقاعها السريع المنتظم، وحتى أبنائي لا يحبون هذا اللون من التراث رغم محاولتي ربطهم به فشعرت بأن الزجل بدأ يندثر وربما خلال سنوات سيصبح من الماضي إذا لم يجد من يحافظ عليه".
ويرى بأن الاهتمام بهذا النوع من التراث في أوساط الشباب يقتصر على طلبة المدارس والجامعات لإنجاز بعض فروضهم وواجباتهم فقط وليس نابعا من حرص أو اهتمام.
الوضع الاستثنائي الذي تمر به فلسطين جراء استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضيها كان بيئة خصبة أمام الزجالين كي يعبروا عن مواقفهم من خلاله وينشروها في المناسبات المختلفة التي يُدعون لها.
ومن بين الأغاني والإيقاعات التراثية الفلسطينية التي يعتمد الزجل الشعبي عليها "عاليادي اليادي، وزريف الطول، ودلعونا وعتابا".
ويدعو أبو نضال إلى المحافظة على هذا اللون التراثي الأصيل لما في ذلك من حفظ واهتمام بالتراث الفلسطيني الذي يتعرض للاندثار ومحاولات التهميش على يد الاحتلال بهدف طمس الهوية الفلسطينية، كما يعرب عن أمله في عودة الزجل الشعبي إلى الواجهة في المناسبات المختلفة وعدم الاستعاضة عنه بالموسيقى المسجلة لما له من عمق في الكلمات والمعنى التي توثق الصلة بالوطن والقيم الأخلاقية الأصيلة.
اللحن المصاحب
أما التلحين الموسيقي الخاص بمقاطع الزجل الشعبي فتحتاج إبداعا من نوع آخر واهتماما عميقا بالكلمات والمعاني كي ينسجم الزجل مع اللحن.
ويقول الملحن محمد ربيع من بلدة بيت عنان شمال غرب القدس لـ "عربي21" إنه يعمل منذ عام 1993 في مجال التلحين الموسيقي، وأن الزجل الشعبي يأخذ حيزا لا بأس به من المقاطع الموسيقية.
ويوضح بأن الزجل الشعبي في فلسطين معروف الأشكال والتي تتنوع ما بين "العتابا" و"المربع" و"المثمن" و"المخمس".
ويشير إلى أن فن "التزجيل" متوارث من الأجداد الذين كانوا يرددونه بشكل كبير على أنغام التراث الوطني الفلسطيني، وهي في مجملها كلمات تحث على البناء والعمل والذي كان الناس منشغلين به طيلة الوقت كالعمل في الأرض مثلا.
ويبين بأن أكثر أداة موسيقية يحب العزف عليها وتلازمه دائما هي العود لما له من صوت نقي شعبي.
ويتفق ربيع مع الزجال أبو نضال في أن الجيل الشاب الجديد لا يقبل على التراث والزجل بالشكل المطلوب، وأنهم يميلون إلى ألوان موسيقية فقدت معانيها ويحبونها لمجرد أنها سريعة.
لهذا سقطت يافا.. وهُزّمت الجيوش العربية
مسجد حسن بيك بيافا.. معلم إسلامي تاريخي يقاوم التهويد (شاهد)
الدبكة الفلسطينية.. موروث تحفظه الأجيال (شاهد)