على
أعتاب قدوم شهر رمضان، يواجه المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل جنوب الضفة
الغربية المحتلة، أخطار الاحتلال الإسرائيلي وأطماعه المتزايدة بالاستيلاء عليه لصالح الاستيطان.
ويحدق الخطر الاستيطاني أكثر من ذي قبل بالمسجد الإبراهيمي، عقب مصادقة المستشار القضائي لحكومة
الاحتلال أفيحاي مندلبليت، الثلاثاء، على قرار مصادرة مسطحات الأراضي بتخوم المسجد، والتي تديرها الأوقاف الإسلامية، بذريعة "تحديث" المكان.
وكرد
على القرار الإسرائيلي، اعتبرت وزارة الأوقاف بفلسطين المصادقة على القرار اعتداء
واضحا على ملكية المسلمين للمسجد، وأنه يخدم المخططات الاستيطانية.
ويتزامن القرار الخطير مع حالة الطوارئ المعلنة في مناطق الضفة الغربية المحتلة،
بفعل تفشي وباء فيروس كورونا، والتي تضمنت تعليق صلوات الجماعة في المساجد، بما فيها الإبراهيمي، خلال
شهر رمضان.
اقرأ أيضا: تحذير من استغلال الاحتلال كورونا للسيطرة على "الإبراهيمي"
وتعد
هذه المرة الأولى التي لن يكون فيها المسجد الإبراهيمي متاحا للمصلين الفلسطينيين في
شهر رمضان المبارك.
ومر المسجد الإبراهيمي بسلسلة طويلة من
الاعتداءات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية، ففي
عام 1994 نفذ المستوطن "باروخ غولدشتاين" مجزرة بحق المصلين في المسجد أثناء
أدائهم لصلاة فجر الرابع عشر من شهر رمضان المبارك؛ قتل منهم 29 شخصا وأصاب آخرين،
وبدلا من إبعاد المستوطنين عن المسجد قامت قوات الاحتلال بإغلاقه لعدة أشهر ومن ثم
أعادت فتحه ضمن واقع جديد تُرجم على الأرض بتقسيمه بين المستوطنين والمصلين، وما زال
حتى الآن على هذا الحال.
ويرى
المواطن جهاد ارشيد من الخليل بأن المسجد الإبراهيمي بالذات له خصوصية بالغة في ظل
أطماع المستوطنين ومحاولتهم الاستيلاء على ما تبقى منه، حيث يحاولون استغلال أي فرصة
لضمه إليهم.
ويوضح خلال حديث لـ"عربي21" بأن أهالي المدينة يجتاحهم الحزن على إغلاق المسجد بسبب تفشي وباء كورونا رغم تفهمهم سبب الإغلاق، ولكنهم لا يتخيلون أبدا أن يقبل شهر رمضان وهم بعيدون عنه دون الصلاة فيه أو عيش أجوائه.
ويستذكر ارشيد أجواء الشهر الفضيل في المسجد
الإبراهيمي الشريف الذي يعتبر قلب الخليل النابض وجوهرها؛ حيث يتوجه إليه الفلسطينيون
في رمضان أكثر من أي وقت آخر ويقومون بإحياء الشهر الفضيل ضمن أجواء ساحرة كما يصفها،
حيث يمتلئ بالمصلين في كل الأوقات وتحديدا في صلاة التراويح.
ويبين
بأن الإفطار الجماعي هو أبرز ما يميز الشهر الفضيل في المسجد الإبراهيمي؛ حيث تزدحم
أروقته بالوافدين والذين لا يكادون يغادرونه حتى يعودون إليه، كما أن أزقة البلدة القديمة
تزدان بالأضواء والمحال التقليدية التي تبيع الحلويات الرمضانية الشهيرة مثل القطايف.
ويعتبر
ارشيد بأن أهالي مدينة الخليل يعتبرون المسجد الإبراهيمي تعويضا لهم عن حرمانهم من
التوجه للمسجد الأقصى المبارك، والذي يمنع الاحتلال أهالي الضفة من وصوله، فيتوجهون
للمسجد الإبراهيمي بديلا لهم.
ويضيف: "لا نستطيع تخيل شهر رمضان دون وجود المسجد الإبراهيمي، فكيف نصلي التراويح وكيف نصلي
الفجر وهو مغلق، وكيف سنشعر بأجواء الشهر الفضيل دون أن نتوجه إلى أهم مسجد في الخليل؟".
أطماع
مبيتة
ورغم أن المسجد الإبراهيمي محاط بعشرات الحواجز الإسرائيلية إلا أن عشرات الآلاف من سكان المدينة ومحيطها يتوجهون إليه في شهر رمضان تجديدا لعهدهم معه في ظل ما يتعرض له من محاولات استيلاء إسرائيلية جديدة.
بدوره
يؤكد مدير المسجد الإبراهيمي الشريف حفظي أبو سنينة بأن المسجد بقي مفتوحا أمام المصلين
إلا أن الاحتلال في الآونة الأخيرة وحتى قبل انتشار الفيروس لم يسمح إلا لأعداد قليلة
من المصلين بدخوله.
ويوضح
في حديث لـ"عربي21" بأنه فيما بعد تم إغلاق الحرم بالكامل وحتى منع الدوام فيه للموظفين
إلا المؤذن فقط الذي يذهب لرفع الأذان؛ وأن هذا يتم بالتنسيق مع الاحتلال في كل وقت.
اقرأ أيضا: تعليق الصلاة بالمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي بسبب كورونا
ويشير
أبو سنينة إلى أن المسجد هو القلب النابض لمدينة الخليل وهو مقام جد الأنبياء والمرسلين
إبراهيم عليه السلام، وأن رمضان له طعم خاص جدا في المسجد الذي يفتح أبوابه للمصلين
في مشهد تحبه قلوب أهالي المدينة، حتى أن الفلسطينيين من مختلف أرجاء الضفة يتوجهون
للمدينة من أجل رؤية المسجد في شهر رمضان رغم الحواجز المعيقة التي يضعها الاحتلال.
ويوضح
بأن إغلاق المسجد الإبراهيمي جاء استجابة لقرار وزارة الأوقاف الفلسطينية بإغلاق المساجد
في الضفة من أجل الحد من تفشي فيروس كورونا والحفاظ على أرواح المصلين رغم ما يصاحب
ذلك من ترقب وقلق للشهر الفضيل.
وحول
أطماع الاحتلال يؤكد أبو سنينة بأنه ما دام هناك احتلال داخل المسجد فليس هناك ما
هو مستغرب؛ لأن ما يفعله بحق المقدسات هو انتهاك حرمتها ومحاولة السيطرة عليها.
وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية حذرت من استغلال السلطات الإسرائيلية أزمة انتشار وباء فيروس كورونا للسيطرة على المسجد الإبراهيمي.
وقالت
الوزارة في بيان لها إن قوات الاحتلال أغلقت المسجد، ومنعت دخول الحرّاس والسَدَنة،
بينما سمحت فقط بدخول المُؤذن، مُؤكّدة أنّه جرى إغلاق المسجد أيضا أمام موظفي الأوقاف،
مِمّا يشير إلى محاولة للسيطرة الكاملة عليه.
وتوقّعت
الوزارة استمرار هذه الخطوة، إلى ما بعد انتهاء أزمة كورونا، مُطالِبة المجتمع الدولي،
بالعمل على منع الاحتلال من تنفيذ مُخطّطاتِه الهادفة لتحويل المسجد إلى كنيس يهودي.
"يوم الأرض" الفلسطيني.. ذكرى خالدة وصراع لم ينته