في سابقة صحفية وتاريخية، أساءت جريدة ثقافية حكومية مصرية لأحد رموز المقاومة الشعبية في التاريخ المصري والعربي الحديث.
جريدة "القاهرة" الثقافية الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية، تحدثت بعددها الصادر الثلاثاء، عن المقاوم السوري سليمان الحلبي الذي قتل القائد الفرنسي الثاني للحملة الفرنسية على مصر والشام ( 1798- 1801) الجنرال كليبر، ووصفه مقال بها بأنه قاتل مأجور وأنه من أصحاب البطولات الزائفة بتاريخ مصر. المقال الذي كتبه منير عتيبة المسؤول في وزارة الثقافة ورئيس إدارة "مختبر السرد" في "مكتبة الإسكندرية"، جاء بعنوان "الحقيقة في مواجهة البطولات الزائفة.. القتل باسم الوطن والدين من كليبر إلى فرج فودة".
اقرأ أيضا: مائة عام على الثورة المصرية 1919 ... ملهمة في سياق
عتيبة نشر عرضا وتلخيصا لكتاب "محاكمات شهيرة وبطولات زائفة" للمستشار بهاء المري، وقال إن "الكاتب يكشف للقارئ زيف كثير مما كان يظنه من بطولات، وسقوط كثير من أوهامه حول بعض الأحداث والشخصيات الشهيرة في مجالات مختلفة".
وعن شخصية الحلبي، الذي اعتبره عتيبة، زائفا، قال: "قد تُفاجأ بأن قاتل كليبر -القائد الثاني للحملة الفرنسية على مصر بعد نابليون- سُليمان الحلبي الذي كان بطلًا عروبيًا أو إسلاميًا أو هما معًا في مُقرراتنا الدراسية، قبَض أربعين قرشًا من أحد قادة الإنكشارية العثمانية ليَقتل كليبر، بعد أن هزم كليبر العثمانيين".
ذلك الحديث أثار غضبا في أوسطات الكتاب والمعارضين المصريين وأساتذة التاريخ الحديث؛ خاصة أن المصريين يعتبرون الحلبي بطلا شعبيا ضحى بروحه لتخليص المصريين من الاستعمار الفرنسي مسجلا أسمى معاني البطولة، فيما أفرد تاريخ مصر له صفحات ناصعة وُسمي شارع باسمه في وسط القاهرة.
"مؤامرة على التاريخ"
وفي تقديره لخطورة ذلك الحديث الصادر من مطبوعة حكومية رسمية وتعبر عن توجه وزارة الثقافة المصرية المسؤولة عن وعي الشعب المصري وفكره وتثقيفه، قال الناشط والمعارض المصري حسن حسين، إن "أحد أهم أساليب القضاء على الأمم دون إطلاق رصاصة واحدة، العمل على تخريب وجدانها القومي".
وأضاف بحديثه لـ"عربي21"، إلى أن تخريب الوجدان القومي يتم "بتشويه رموز الأمم وتزييف وعيها التاريخي، وإفساد قيمها والتشكيك بثوابتها".
وأكد أن "ذلك ما يحدث خلال نصف القرن الأخير"، مشيرا إلى أن "مقال جريدة القاهرة؛ هو أحد الحلقات بتلك المؤامرة".
"بطل قومي"
وفي تعليقه قال أستاذ التاريخ الحديث الدكتور صبري العدل: "الحملة الفرنسية على مصر من وجهة نظر وطنية مصرية غزو استعماري ككل الغزوات الاستعمارية استخدم فيها نابليون بونابرت كل الوسائل لاحتلال مصر في إطار الصراع الفرنسي الإنجليزي عقب الثورة الفرنسية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى أن نابليون "كان يطمح بقطع الاتصال بين بريطانيا ومستعمراتها بالهند عبر موقع مصر الذي يمثل مفصلا مهما لهذا الاتصال، كما كان يطمح بتوسيع غزوه لتكوين إمبراطورية أفرو -آسيوية انطلاقا من مصر".
وتابع: "وحين فشل بفتح عكا وقامت ضده ثورة القاهرة الأولى عاد لفرنسا تاركا قيادة حملته للجنرال كليبير العسكري الذي يفتقد السياسة ولا يشبه بونابرت؛ لهذا تعامل مع المصريين بقسوة وأخمد ثورة القاهرة الثانية بمنتهى العنف".
اقرأ أيضا: قصة الحركة الوطنية المصرية.. قراءة في تجارب قيادات تاريخية
وأوضح الأكاديمي المصري، أن "ذلك كان سببا لقتله على يد الشاب الأزهري سليمان المعروف بالحلبي، وكان قد قدم لتوه من الشام وشاهد عنف القوات الفرنسية ضد الثوار المصريين".
وأكد أنه "من هنا يعتبر الحلبي، من الوجهة الوطنية المصرية بطلا قوميا مصريا، وهناك دراسة لأستاذ التاريخ الدكتور عماد هلال، حاول فيها نفي تهمة قتل كليبر على يد سليمان الحلبي".
ويرى العدل أنه "أيا ما كان فلا يجوز أن نعتبر الحلبي على الأقل من الوجهة الوطنية قاتلا ومأجورا كما يدعي بعض المتحذلقين"، موضحا أن "ما فعله صب بمصلحة المصريين حيث كانت من عوامل اضطرار الفرنسيين للانسحاب من مصر ومغادرتها عفب توقيع معاهدة العريش الثانية عام 1801".
وختم أستاذ التاريخ المعاصر بالقول: "ولهذا لا يجب الخلط بين الدوافع الوطنية ودوافع الجرائم العادية؛ وإلا اعتبرنا حركة الفدائيين بمنطقة القناة بين عامي 1950 و1952 عملا إجراميا وليس وطنيا".
وقال الكاتب الصحفي أسامة الألفي: إن "القاهرة، جريدة ثقافية حكومية تصدر عن وزارة الثقافة، فهي بالتالي تعبر عن سياسة الوزارة، وفي عددها الأخير حولت البطل سليمان الحلبي الذي انتقم للمصريين من سفاح الفرنسيس كليبر إلى قاتل مأجور".
وتساءل عبر صفحته بـ"فيسبوك": "إلى متى يظل تاريخنا يشوهه بعض المرضى بحب الظهور، الباحثين عن العالمية عبر الدوس على رموز التاريخ وتشويهه في عقول الأجيال الناشئة؟".
وقال الكاتب المصري أبوالحسن الجمال، إن جريدة القاهرة تشوه صورة المناضل الكبير سليمان الحلبي، مؤكدا عبر "فيسبوك"، أن "المقال استغرق صفحة بالجريدة؛ التي ينفق عليها من خزينة الدولة، التي حاربت الحملة الفرنسية، وقاومتها وفقدت في هذا الكفاح عشر سكانها؛ إذ قتل نابليون وعصابته المجرمة 300 ألف مصري بدم بارد".
وانتقد عضو اتحاد كتاب مصر أحمد عبده، ما اعتبره "تجنيا" من مؤلف الكتاب على البطل السوري، فيما عاب على منير عتيبة، تعاطفه مع رأي المؤلف، قائلا عبر صفحته بـ"فيسبوك": "حرام أن نصنع هذا ببطل سوري جسد الوحدة العربية"، مذكرا بقول الحلبي: "إني أرى بلدا واحدا لا أرى بلدين".
من هو سليمان الحلبي؟
شاب سوري من مدينة حلب الشهباء جاء مصر ليدرس بالأزهر الشريف وهو في عمر الـ24 عاما، زمن الاحتلال الفرنسي.
وإبان ثورة القاهرة الأولى على الفرنسيين بقيادة الشيخ أحمد الشرقاوي أحد علماء الأزهر، صدر الحكم بإعدام ستة من علماء الأزهر بينهم الشيخ الشرقاوي، وهنا قرر الحلبي بعد إعدام شيخه الانضمام لثورة المصريين الثانية.
ونجح الشاب السوري في قتل كليبر قائد الحملة بعد نابليون، مستخدما حيلة التسول لدخول قصر الألفي بك مقر الحملة الفرنسية، ليتم الحكم عليه هو وأربعة من الفلسطينيين من طلاب الأزهر بالإعدام، ونفذ الحكم بالفعل، فيما وضعت فرنسا جمجمة الحلبي، في "متحف الإنسان" بباريس، مدون تحتها عبارة "المجرم سليمان الحلبي".
إطلالةٌ على "ملحمة الحرافيش" من منظور ثنائيّة البناء والهدم
العرب أرخوا للنوازل والأوبئة في أشعارهم.. ماذا عن كورونا؟
لماذا غاب أدباء مصر عن منصات "البوكر" العربية 11 عاما؟