نشرت صحيفة
"
لوموند" الفرنسية مقال رأي للمؤرخ الفرنسي جان بيار فوليو، تحدث فيه عن الخلافات القائمة في صلب عائلة
الأسد، التي تفاقمت خلال
الفترة الأخيرة.
وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إنه خلال
السنة العاشرة من الحرب، يواجه السوريون موضوعا آخر مثيرا للجدل بعيدا عن النزاع
المستمر في إدلب، وحظر عودة ملايين اللاجئين إلى منازلهم، أو خطر انتشار فيروس
كورونا في البلاد.
وذكر الكاتب أن البيان
الذي نشرته إحدى الصحف الروسية، التي تزعم أن الأسد أهدى زوجته أسماء لوحة "ذي
سبلاش" للفنان البريطاني ديفيد هوكني، التي تزيد قيمتها عن 27 مليون يورو، قد
تسبب بالفعل في ذهول الشعب السوري، الذي يعتقد أنه رأى ما يكفي من فساد قادته. لكن
حقيقة اقتنائه لهذه اللوحة تعد الآن أقل أهمية من خبر تسوية الحسابات بين بشار
الأسد وابن خاله
رامي مخلوف، أغنى رجل في
سوريا، الذي كان في السابق إحدى ركائز
النظام، لكنه بات اليوم هدفا لحملات "مكافحة الفساد".
وأورد الكاتب أن رامي
مخلوف كان المستفيد الرئيسي من "الليبرالية" الاقتصادية بقيادة بشار
الأسد، بعد أن خلف والده حافظ الأسد في سنة 2000، الذي حكم سوريا لثلاثة عقود. في
الأثناء، بنى مخلوف إمبراطورية حقيقية، وكان يسعى إلى تحقيق مصلحته الخاصة من خلال
احتكار "خصخصة" المؤسسات العامة، والاستثمار في البنوك
"الخاصة" الجديدة. كما يتمتع مخلوف بمكانة مهيمنة في شركة سيريتل الخاصة
للاتصالات.
مع ثروة تقدر بمليارات
الدولارات، أصبح مخلوف الممول الرئيسي للمليشيات الموالية للأسد، التي كان لها
دور حاسم في قمع الانتفاضة الشعبية لسنة 2011. دعم مخلوف بسخاء الأنشطة الخيرية
الخاصة بأسماء الأسد، زوجة الطاغية السوري
بشار الأسد، خاصة من خلال جمعيته
البستان.
وأفاد الكاتب بأن صعود
المستفيدين الجدد من الحرب في الحاشية الرئاسية أدى منذ سنة 2018 إلى ظهور توترات
ملموسة بشكل متزايد بين بشار الأسد وابن خاله. وقد تفاقمت هذه التوترات مع عودة
أسماء الأسد إلى الساحة في شهر آب/ أغسطس 2019، بعد أن شفيت بالكامل من مرض سرطان
الثدي، بعد صراع دام لمدة سنة.
وأشار الكاتب إلى أن
جزءا من أصول مخلوف وُضع تحت الحراسة القضائية. وفي الآونة الأخيرة، وقع ضبط
أربعة أطنان من الحشيش في مصر في شحنة حليب تابعة لشركة مخلوف، بينما تم الاستيلاء على أصول شركة "آبار بتروليوم"، التي استهدفتها بالفعل
العقوبات الأمريكية في سنة 2018، لكن هذه المرة من قبل نظام الأسد.
وأوضح الكاتب أن هذه
التوترات غير المسبوقة بين الأسد ومخلوف تفاقمت من خلال نشر "الأخبار"
المحرجة للغاية للديكتاتور السوري في وسائل الإعلام القريبة من الكرملين، وفي
مقدمتها "اللوحة" التي أهداها الأسد لزوجته. من هنا يمكن أن نؤكد أن هذه
الأخبار تأتي في إطار انتقام مخلوف للحملة التي تشن ضده. وتجدر الإشارة إلى أن
محمد وحافظ مخلوف، والد رامي وأخيه، استقرا في موسكو، علما بأن حافظ مخلوف كان حتى
سنة 2014 أحد رؤساء الأجهزة الأمنية السورية. هذه الخلافات في صلب العائلة لا تشكك
في قدرة الأسد على إعادة بناء سوريا فقط، وإنما حتى في إدارتها بطريقة
"طبيعية".
في هذا الإطار، نشر
ألكسندر أكسينوك، نائب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية، تحليلا قاسيا لنظام
الأسد على موقع المجلس الروسي للشؤون الدولية، أكد فيه أنه "من الواضح بشكل
متزايد أن النظام متردد أو غير قادر على تطوير نمط حكم من شأنه أن يحد من الفساد
والجريمة ويسمح بالانتقال من الاقتصاد العسكري إلى العلاقات التجارية والاقتصادية
العادية".
وأضاف الكاتب أن وكالة
"ريا فان" الروسية نشرت "استطلاع رأي" أجري في نيسان/ أبريل
2020 شمل ألف سوري، أظهر أن حوالي 71.3 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع يعتبرون أن
الفساد هو المشكلة الرئيسية في البلاد، وأن 53.1 بالمئة سيصوتون ضد بشار الأسد في
الانتخابات الرئاسية لسنة 2021، وأن حوالي 70.2 بالمئة يرغبون في "ظهور
سياسيين جدد". من الطبيعي أن هذه الأرقام ليس لها قيمة في هذا السياق، وهي
بمثابة اختبار لسياسة روسية محبطة بشكل متزايد في مواجهة عدم قدرة الأسد على
الخروج من منطق الحرب الأهلية.
وفي الختام، أشار
الكاتب إلى أن المواجهة بين بشار الأسد ورامي مخلوف لا تكتسي البعد العسكري ذاته الذي اتسمت به المواجهة بين بشار وشقيقه، لكنها تكشف، مرة أخرى، التناقضات
التأسيسية لهذه "الدولة البربرية" التي يسيرها نظام الأسد. إن الحرب
التي شنها حافظ، ثم بشار الأسد ضد شعبه، هي في الواقع في صميم ديناميكيات سلطتهم،
مهما كانت الخلافات التي تحرض الآن على العشيرة الحاكمة.
اقرأ أيضا: نظام الأسد يشدد الخناق على رامي مخلوف والأخير يكشف السبب