اقتصاد عربي

هل يلجأ نظام الأسد لطباعة فئة 5 آلاف ليرة.. ما التداعيات؟

مجلس الشعب السوري أعلن مشروع قرار يجيز للنظام إصدار ورقة نقدية من فئة 5 آلاف ليرة سورية- جيتي

نفى مدير في القطاع المصرفي العام بسوريا، لصحيفة "الوطن" الموالية للنظام، الأسبوع الماضي، ما يتم تداوله على صفحات التواصل الاجتماعي، حول إمكانية طرح ورقة نقدية جديدة من فئة 5000 ليرة سورية.

ورغم وصف المسؤول المصرفي الأخبار بـ"الشائعات"، إلا أن الصحيفة نقلت وجود تضارب بين الأكاديميين حول طرح مثل هذه الفئة النقدية الجديدة.

وأوردت أن فريقا من الأكاديميين، لم تسمهم، يرون أن طرح فئة 5000 ليرة بات حاجة ضرورية، ويخفف من نفقات الطباعة، والنقل للأوراق النقدية، لكون هذه النفقات عادة ما تكون متقاربة لكل الفئات النقدية، كما يخفف من التداول وعبء حمل النقود وعدّها عند التعامل بـ"الكاش"، إضافة لتحقيق سعات أكبر لدى الصرافات الآلية.

في المقابل، حذّر بعض الأكاديميين، بحسب "الوطن"، من الأثر النفسي لدى المواطنين عند طرح مثل هذه الفئة، وخاصة مع حالة التراجع الكبير الذي سجلته القوة الشرائية للمواطنين في الأشهر الأخيرة.

 

اقرأ أيضا: هل تعارض تركيا إقامة معابر بين إدلب ومناطق النظام؟

تخطت الليرة السورية، الاثنين، حاجز الـ1300 ليرة مقابل الدولار في السوق غير الرسمية، ما يعني أن الدولار صعد أكثر من 25 ضعفا مقابل الليرة، منذ بدء الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، البالغ حينها نحو 50 ليرة.

هذا الانهيار في العملة السورية صاحبه بالضرورة تضخم مهول في الأسعار، ويقدر معدل التضخم عام 2019 بأنه تضاعف 1200 بالمئة عما كان عليه في 2011، بحسب ما نقلت "الوطن" عن الأستاذ الاقتصادي بجامعة دمشق علي كنعان، في أيار/مايو الماضي. 

وفي ظل إجراءات مواجهة كورونا، قدر كنعان خلال الشهر الماضي أن تبلغ خسائر الاقتصاد تريليون ليرة سورية (33 مليار ليرة يوميا)، بفعل تعطل القطاعات الاقتصادية، وسط توقع بأن تصل الخسائر إلى 4 تريليونات في حال استمر الحظر لغاية حزيران/يونيو القادم.

قصة العملة

 

وكان مجلس الشعب السوري في أيار/مايو 2018 قد أعلن عن مشروع قرار جديد يجيز للمصرف إصدار ورقة نقدية من فئة 5000 ليرة سورية، بدافع أن الفئات الكبيرة مناسبة جدا لتسهيل التعاملات النقدية، متوقعا إقبال البلاد على رواج اقتصادي كبير في السنوات المقبلة.

لكن طباعة هذه الفئة من العملة تم سابقا بكميات قليلة لدى روسيا، في عام 2012، حين كانت محاولة من النظام بإيجاد "الدولار السوري" والذي يعني وجود ورقة نقدية مطبوعة بقيمة الـ100 دولار، لتسهيل تحويل الدولار إلى الليرة (50 ليرة مقابل الدولار آنذاك)، وفقا للباحث الاقتصادي يونس الكريم.

ويشير الكريم في حديثه لـ"عربي21" إلى أن النظام بدأ أيضا، وضمن خطة اقتصادية في حينه، بطباعة عملة من فئة 2000 بهدف "تقليل استعمال وكمية النقود المطبوعة من فئة 500 و1000" لكن تلك الطبعات لم يستطع الحصول عليها نتيجة امتناع بروكسل عن منحه إياها بسبب العقوبات الأوربية التي فرضت عليه وقتها مما ألجأه إلى الطباعة لدى روسيا، وهذا يعتبر أول تدخل روسي بالحياة الاقتصادية السورية. 

وخلال السنوات اللاحقة من الثورة، ونظرا لارتفاع معدلات التضخم وتراجع سعر الصرف على النحو الحالي (1300 ليرة مقابل الدولار) لم تعد الخطة ذات جدوى.


وفي ظل تعنت بروكسل بعدم تسليم النظام الفئات النقدية بالتزامن مع حاجة النظام إلى النقود، دخل النظام في صراع بين إلغاء الطبعة الموجودة الجيدة وسحبها من السوق أو طباعة مثيلها بتكلفة مالية عالية (كل ورقة نقدية تكلف من 30 إلى 50 سنتا) مع عدم القدرة على التحكم بحجم الطبعة، بسبب تعدد السلطات السياسية والعسكرية الحاكمة بالجغرافيا السورية.

 

اقرأ أيضا: مخلوف يتحدث عن استهداف النظام له.. ويناشد الأسد (شاهد)

ويكمل الكريم: "وقد اضطر النظام لطباعة عملة فئة 2000 لدى روسيا بجودة قليلة وبخصائص أمان منخفضة وبالتالي إمكانية التزوير أصبحت سهلة مقارنة مع طبعات بروكسل، وهناك شكوك من أن النظام يطبع ذات الفئة بطريقة غير نظامية (أي كود الطبعة غير مسجلة لدى المصرف المركزي) لتمويل عملياته العسكرية وبهدف سحب الدولار من مناطق المعارضة مقابل هذه الفئات، وما يدل على ذلك أن كمية المعروض النقدي من هذه الفئات هي أكثر مما يصرح به النظام (قيمة 30 مليار تقسيم 2000 يساوي 15 مليون قطعة نقدية حسب المسرب إعلاميا وقتها)".


ويقول: "الملاحظ أن شاحنات كبيرة محملة بفئة 2000 تدخل المناطق المحررة وتعود بالدولار". ويمكن للنظام، بحسب الكريم، أن يقول في أي وقت إن فئة 2000 ملغية نتيجة اكتشاف طبعات مزورة، وأنه يعترف فقط بالكود المسجل لديه، وبالتالي هذه الكمية الكبيرة من السيولة ستفقد قيمتها في المناطق المحررة، وتسبب خسائر كبيرة للناس.

خيارات النظام
ونظرا لتفاقم الأوضاع الاقتصادية في سوريا مع شح الدولار بسبب العقوبات وارتفاع معدلات التضخم غير المسبوقة، يرى الكريم أن النظام أمام خيارين، الأول: أخذ قرض من صندوق النقد الدولي، حيث طلب حقه بمعالجة الاختلالات النقدية وأدى الشروط المطلوبة منه (رفع الدعم وتقليص دور الدولة في الاقتصاد لصالح القطاع الخاص).

 

وعند سؤاله عن الفيتو الأمريكي على إعطاء صندوق النقد للقرض، قال الباحث الاقتصادي يونس الكريم: "أستبعد اعتراض الولايات المتحدة على ذلك، لأنها أحد الداعمين لعدم انهيار مؤسسات الدولة، ولأن الدول المجاورة ستتأثر، كما أن تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي يحميه من الفيتو الأمريكي، كما أنه يخفف قبضة الروس عن العملة والتي تمتلك كليشهات الطباعة دون أن ننسى أن قيمة القرض هي صغيرة وفقا لحصة سوريا بحقوقها لدى الصندوق وهي بالعملة المحلية فقط".

 

اقرأ أيضا: نظام الأسد يرد على حديث رجل الأعمال السوري رامي مخلوف

والخيار الثاني: طباعة عملة من الفئات الكبيرة 5000 أو 10000 ليرة سورية، ويترتب على ذلك ارتفاع التضخم ما يعني أن نمط الاقتصاد بسوريا سيتكيف مع هذه المعدلات العالية، ويؤدي لخلق واقع اقتصادي جديد، نحتاج معه إلى وقت طويل للعودة بالحياة إلى الوراء.


ويوضح أن التضخم الحالي سببه قلة السلع، ومع دوران عجلة الاقتصاد يمكن أن يتراجع التضخم، لكن في حال طباعة هذه الفئات النقدية فإن الأمر سيكون صعبا.


ويشير إلى احتمال أن طباعة هذه الفئات النقدية يكون بتكلفة عالية (35 سنتا للورقة) على النظام، وربما لا يملك السيولة لطباعة العملة.

 

وفي حال تمت الطباعة، فإنه سيقود لإخراج العملات الضعيفة من فئات 100 و200 و50 خارج التعامل، وبالتالي يرتفع معدل التضخم، ويتوجب على النظام حينها إعادة التقييم للأسعار والرواتب، على حد قول الكريم.