سبعة آلاف
مصري عالقون بالكويت يتم نقلهم بعد فضيحة عالمية لدولة تستهين بأبنائها وترفض
استقبالهم إلا بعد ضغط لخارجية الدولة المضيفة، ثم تحملها تكاليف تذاكر السفر
والإتاوة التي فرضتها حكومتهم كثمن لفترة الحجر الصحي في بلادهم، في سابقة لم تحدث
بدولة قط.
وقد سيرت
دولة مثل تركيا طائرات لتنقل أفرادا عالقين خارج بلادهم، وليس جماعات، بل ولقد
تحركت طائرة خاصة لنقل فرد واحد أرسلت ابنته استغاثة لرئيس دولتها.
وفي ذات
الوقت، ما زال ملايين المصريين عالقين في الخارج لنفس الأسباب، بين توقفهم عن
العمل وفقدانهم دخولهم، وعدم قدرتهم على الاستمرار بالخارج لانتهاء الإقامة، ونفاد
أموالهم، وعدم تحمل الدول المضيفة في ظل أزمة
كورونا أعباء أخرى فوق أعباء شعوبها
الداخلية.
وعلى
الجانب الآخر، تصرح وزيرة الهجرة في أحد البرامج على التلفزيون المصري حول أزمة
إعادة المصريين؛ بأن هناك لجنة مشكلة لتنفيذ إرادة القيادة السياسية (وليس إرادة
الشعوب كما تفعل الأنظمة المنتخبة والتي تضع أولوياتها احتياجات شعبها) في إعادة
العالقين بالخارج، هذه اللجنة تجتمع بشكل دوري وتعمل تحت رئاسة رئيس الوزراء
مباشرة، وحين تجتمع تفرز أفكارا وتتخذ قرارات جديدة لعمل جداول، لينقطع كلام
الوزيرة عند هذا الحد، ولتطمئن المصريين بكافة الشرائح بكلام ليس له معنى، ودوامة
اجتماعات لا تسفر إلا عن مكافآت تصرف للمجتمعين في كل مرة ولا تمس أصحاب المشكلة
من قريب أو من بعيد.
وتأتي
الاستغاثات تباعا تشرح الظروف المعيشية الكارثية التي يحياها الملايين من المصريين
في الخارج، بينما النظام يتعنت معهم فارضا شروطا تعجيزية، ومتاجرا بفقر الشعب
وألمه ومرضه واحتياجه وخوفه وغربته. فلا بد من الدفع مقدما ثمن تذاكر العودة، وثمن
الإقامة الفندقية في فنادق الجيش ومواليه، للتكسب من عرق الغلابة، بينما طلبات
الاستدانة تتم باسم مكافحة كورونا، لتكون التجارة مضاعفة بديون يتحملها الشعب وحده.
حُلت بعض
مشكلات العالقين في الخارج، بينما لم ينتبه العالم الذي ساهم بشكل كبير في مأساة
هذا الشعب للعالقين في الداخل. نسي العالم أن هناك مئة مليون مصري أكثر من ثلثيهم
يعانون نفس ما يعانيه عالقو الخارج من نفس الشعب.. فقدان العمل اليومي الخاص،
ومواجهة مرارة العيش وشظفه في ظل تعنت مضاعف من النظام الذي يزداد تغولا كل يوم،
بزيادة الأسعار ومطاردة أصحاب المصالح التي يتقوت منها المئات والآلاف، لتفقد
ملايين الأسر دخلها، حتى عندما حاول عمال غزل المحلة سد احتياجات البلاد من الكمامات
التي يجود بها النظام على الشرق والغرب، حاربهم النظام لتتوقف صناعتها على المصانع
الحربية وتحتكرها كما احتكرت الحياة الاقتصادية في البلاد.
فمن ينقذ
أكثر من سبعين مليون عالق تحت خط الفقر والعوز الذي تسبب فيه الانقلاب العسكري
الغاشم؟ من ينقذ هؤلاء ليرحلوا إلى حيث يجدون لقمة عيش تسد جوعهم؟ أو إلى حيث يمكن
أن يعيشوا بآدمية في بلاد تعالجهم وتحافظ عليهم من المرض؟ من ينقذ شعبا مأسورا تحت
حكم عسكري ينتمي للعصور الوسطى ولا يرى إلا ذاته؟
سفه
النظام والكذب المتعمد
ويتحجج
النظام بعدم استقبال العالقين في الخارج بأنه لا يملك الإمكانيات الكافية
لاستقبالهم في المستشفيات المخصصة للحجر الصحي، وأنه قد فوجئ بالجائحة ولم يكن
يضعها في حسبانه، وكأن العالم كله كان يعلم بها مسبقا واستعد لها قبلا، متناسيا
جريمته التي يصنعها كل يوم في إهدار أموال الشعب التي تقدر بمليارات الدولارات
والتي تنفق في سفه على سفه، بدأ فيها بشق تفريعة قناة السويس التي ابتلعت الملايين،
ولم تدخل للبلاد أي عائد منذ حفرها والانتهاء منها، ثم يخرج قائد الانقلاب على
إثرها بعد احتفالات أضافت المزيد من الأعباء على كاهل الشعب الذي يئن من الأساس؛
ليصرح بأنها ما كانت إلا لرفع معنويات الشعب، أي أنه لا جدوي منها إلا ليقال أن
النظام لديه رؤية ولديه مشروع، بينما الحقيقة التي صرح بها أيضا من قبل أنه لا
يملك مشروعا، وأنهم لم يتفقوا معه على ذلك، دون أن يبين من الذي اتفق معه.
ثم يقوم
بالسفه الأكبر في بناء القصور الرئاسية التي قام الفنان محمد علي في حلقاته
الشهيرة بفضح النظام وكشف خباياها، والأموال المهدرة عليها، وكيفية تصرف أسرة قائد
الانقلاب أثناء حكم الرئيس الراحل محمد مرسي حين كان يتولى منصب وزير الدفاع، ثم
سفه نفس الأسرة في التصرف في أموال الدولة ببناء القصور ثم الهدم والبناء مرة أخرى،
بما كلف خزينة الدولة ملايين مضافة في حالة شراهة لبناء قصور تفوق التسعين قصرا.
ويخرج للمرة الثانية في حالة من الهوس ليعترف أمام العالم ببنائها، والاستمرار في
بنائها في تحد سافر واعتراف لرئيس دولة يعتقد أنه لن يحاسب يوما.
وفي الوقت
الذي يعاني فيه الشعب العالق من الفقر غير المسبوق في تلك البلاد، ولا البلاد
المجاورة، يتعمد النظام الفاشل في إسناد كافة المشروعات العامة والتي تبنى من دم
الغلابة؛ للهيئة الهندسية للقوات المسلحة. ويظهر قائد الانقلاب في صدارة مشهد
الفشل من جديد، ليطلب من رئيس الهيئة الهندسية الانتهاء من شبكة طرق واسعة في عام
واحد، وتنفق المليارات التي يحتاج إليها الشعب في سد رمقه، أو علاج بدنه الواهن،
لتحدث أكبر عملية نصب في التاريخ، تقوم به دولة على شعبها، فيتم بناء الطريق الهشة،
لتنهار مع أول حفنة مطر، أو هبة ريح، وتبني الكباري التي تنهار كذلك قبل أن تعبرها
سيارة واحدة، ويدفع الشعب من صحته وبقائه وحياته واستمراره ثمن الوهم الذي تبيعه
له دولته..
وتشيّد
الفنادق والقري السياحية لأصحاب الحظوة من لواءات العسكر أو المقربين إليهم.. وقبل
هذا وذاك، تقوم الدولة التي ترفض القيام بتسيير طائرات لإعادة أبنائها الذين تمتص
دماءهم عبر التحويلات التي يقومون بها، والضرائب الباهظة التي تفرضها عليهم،
والأسعار المرتفعة التي تكويهم بها، وترفض إعادتهم إلا بالتسول الذي تعرف به..
تقوم ببناء عاصمة إدارية جديدة تبتلع علاوة علي الدخل القومي، كافة القروض التي
تقوم بها من صندوق النقد الدولي وغيره، لتصنع بها عالما خاصا لقادة العسكر
والمحاسيب والأتباع، لتكون تلك العاصمة المزعومة أكبر بلاعة لاستنزاف الموارد واستنزاف
طاقة العمال العاملين بها، بل والبلاد بأسرها.
فمن ينقذ
هذا الشعب العالق في الداخل، إن كان سيتم إنقاذ العالقين في الخارج، وما أجبرهم على
العودة إلا ما هو أشد من إلقاء أنفسهم في نار الجوع والبطش في بلادهم؟
الأمن
المفقود في بلاد العالقين
وفي خضم
أحداث الإهانة والمذلة وسحل المصريين في الداخل والخارج، تقع حادثة من بين مئات
الحوادث المشابهة، حيث يتم تصفية عدد من الأبرياء في سيناء دون ذكر اسم أحد منهم،
ثم تنشر صور لعملية تمت في العام 2017 علي أنها العملية الجديدة، في موقع وزارة
الداخلية التي تتسابق مع الجيش في عدد التصفيات للأبرياء، فيثور رواد مواقع
التواصل الاجتماعي، ويقوموا بفضح الداخلية بالصور والتواريخ القديمة لتقوم
الداخلية على إثرها بحذف الصور وتعديل الخبر، ثم يتم حجب حساب الداخلية عن عدد من
الدول حتى لا يفتضح أمرها بشكل أوسع نطاقا، دون تقديم اعتذار على أنه خطأ تقني أو
فني.
إن
التعامل الأمني مع المواطن المصري لا يخفى على أحد، والممارسات الأمنية مشبوهة
بشهادة كافة المنظمات الحقوقية العالمية، وسمعة مصر في مجال حقوق الإنسان معروفة
لدى الجميع ويتم على أساسها ابتزاز النظام المصري لتحقيق أغراض خاصة لدول بعينها.
فمن ينقذ هذا
الشعب العالق في بلاده؟ شخصيا لا أرى سوي حل واحد وهو أن ينقذ الشعب المصري نفسه
وهو قادر على ذلك. فليس هناك في التاريخ دول تحرر دولا أخرى إلا إذا كانت تنوي
استعمارها هي أيضا.. إن الحل في يد الشعب وليس غيره، فليس هناك من يدفع تذكرة
الحرية، إلا صاحب الحق الأصيل في شراء حريته.