تصدّرت صورةُ عالم "الأحياء الجزيئي ومناعته"، البروفيسور "منصف محمد السلاوي"، مواقع الأخبار وشبكات التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع المنصرم. وما زال التعريف به وبمساره العلمي وإنجازاته في اكتشاف لقاحات الأوبئة وتطويرها، مستمرا، وسيظل مستمرا في القادم من الشهور، وربما السنوات. وقد زاد من كثافة التعريف به والحديث عنه؛ قرارُ الرئيس الأمريكي "ترامب" تعيينه على رأس اللجنة الطبية العليا المكلفة بإيجاد لقاح لوباء "كورونا"، الذي اجتاح العالم، وعطّل الحياة في ربوع بلدانه منذ شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي (2019)، بداية في آسيا، وبعدها في أكثر من 193 دولة.
ولد "منصف محمد السلاوي" في مدينة أكادير، عاصمة سوس العالمة، في المملكة المغربية في 27 تموز/ يوليو 1959، وقضى 17 سنة في بلده، حيث استكمل دراسته الأولية والثانوية، ليلتحق بـ"جامعة بروكسيل الحرة" في بلجيكا متابعا دراسته العليا في الطب (علم الأحياء الجزيئي ومناعته)، ما بين 1976 و1983، واستقر بهذا البلد 27 سنة، لينتقل بعدها إلى "مدرسة طب هارفارد" في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عمّق تكوينه في مجال تخصصه ليرتقي بالتدريج، وبفضل إنجازاته المنتظمة والناجحة، إلى مدير قسم اللقاحات في شركة "غلاسكو سميث كلاين"، حيث اشتغل لسنوات قبل أن يتقاعد عام 2017، ويتفرغ لمتابعة إنجازاته العلمية، التي كانت حصيلتها اكتشاف كثير من لقاحات علم المناعة، من قبيل الملاريا، وسرطان عنق الرحم، والمطورات الرئوية على سبيل المثال.
تكمن أهمية قرار الرئيس الأمريكي الخاص بتعيين "منصف محمد السلاوي" على رأس فريق عملية "Warp speed" في نوعية المنخرطين في هذه العملية، والمهام المناطة بها. فقد تمت إدارة هذه العملية من قبل كبير مستشاري البيت الأبيض "جاريد كوشنر"، وبدعم من وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الصحة والخدمات البشرية في الولايات المتحدة الأمريكية. أما مهمتها الرئيسة فالعمل على إيجاد لقاح فعال وناجع لفيروس كورونا في الشهور المقبلة، والشروع في تقديم ملايين الجرعات المنقذة للناس والبشرية عموما، وهو ما شدد عليه الرئيس "ترامب" في خطاب تقديم رئيس الفريق، وأعاد "السلاوي" التأكيد عليه في كلمته.
لنعد إلى مسار "منصف محمد السلاوى"، ومساره العلمي تحديدا، وما يمكن أن يوحي من خلاصات ودروس بالنسبة لبلد مولده (المغرب)، وبلده الحالي (الولايات المتحدة) ، والمجتمع العلمي والأكاديمي عموما. فعالم المغرب الأقصى من عائلة متوسطة مثل العديد من العائلات والأسر، راهنت على تدريس أبنائها، والدفع بهم للارتقاء في مدارج العلم والتكوين، كما رأت ورأى هو شخصيا الولوج إلى الجامعات المتقدمة، كما حال "جامعة بروكسل الحرة"، منفذا للوصول إلى ما هدف إليه في سن مبكرة (17 سنة). ولأن مثل هذه الجامعات العريقة ذات تقاليد وأعراف قديمة ومترسخة في مجال العلم والتكوين، فقد مكنت هذا العالم من صقل شخصيته، وتعميق معارفه العلمية في مجال تخصصه، ورؤية المستقبل بوضوح ووثوقية أكثر، والأهم النجاح في تحقيق أهدافه وتطلعاته.
هذا يُحيلنا على معطى أساسي للنجاح يتعلق بالبيئة الحاضنة للعلم والعطاء، والدور المفصلي الذي تلعبه في تعميق النجاحات والمساعدة على تحويل التعثرات والإخفاقات إلى نجاحات حقيقية
في كثير من البلدان، ومنها مع الأسف بلداننا العربية، لا نلمس وجود مثل هذه الظروف، وهو ما يُفسر عدم قدرتنا كدول ومجتمعات على استثمار الكفاءات
أوروبا تكتشف إنسانيّتنا متأخرة
"منظمة الصحة الصينية" تنُقذ رقبة بطل الهروب إلى الأمام!!