أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مجددا إلغاء كافة الاتفاقيات السياسية والأمنية التي
تم توقيعها مع الاحتلال في حال نفذ الأخير مخطط ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية
المحتلة إلى سيادته.
ويفتح
هذا الإعلان باب تساؤلات حول الخطوات الفعلية لما بعد الإعلان، وما إمكانية تطبيق القرارات
على الأرض.
ويرى
مراقبون فلسطينيون بأن القرارات بحاجة إلى تطبيق فعلي وقرار وطني موحد لتنفيذها، إضافة
إلى سلسلة إجراءات لمواجهة التعنت الإسرائيلي والإصرار على عملية الضم خلال
تموز/يوليو القادم.
واعتبر
خبراء بالشأن الإسرائيلي أن الاحتلال ينتظر ماذا سيترتب على خطاب عباس الأخير، خاصة
وأن الإعلان عن وقف الاتفاقيات تكرر أكثر من مرة، لكن دون تطبيق فعلي.
ويرى
الناشط السياسي والشعبي صلاح الخواجا أن التوافق الوطني الفلسطيني الداخلي يشكل حماية
للقرار الذي اتخذته السلطة، في حال أقدمت على تنفيذه.
ويقول
لـ"عربي21" إن التوافق الوطني يعزز من القدرة على مواجهة التحدي المفروض من الحكومتين
الإسرائيلية والأمريكية؛ ويسهل من التصدي للمخططات الإسرائيلية، مؤكدا "تجارب الشعوب المختلفة عبر التاريخ أثبتت أنه لا يمكن تحقيق منجز وطني إلا بالوحدة".
وحول
إمكانية تطبيق تهديدات رئيس السلطة، يوضح الخواجا "نظريا تم التراجع عن التوقيع
على العديد من الاتفاقيات، لكن المطلوب تطبيقها العملي، وهو ما نناشد به"، مضيفا: "وحتى نواجه الاحتلال
على الأرض نحتاج استعادة الوحدة وتغليب المصالح الوطنية".
اقرأ أيضا: عباس: نحن في حل من جميع الاتفاقيات مع واشنطن وتل أبيب
ويشير
إلى أن قرار الضم الذي أعلنته الحكومة الإسرائيلية مؤخرا لم يكن الأول من نوعه، بل سبقه قرار ضم "القدس الشرقية" عام 1967، وقرار ضم آلاف الدونمات من الأغوار، ثم إقامة الجدار
العنصري الذي صادر عام 2002 أكثر من 19 بالمئة من مساحة الضفة الغربية المحتلة.
ويضيف: "أصبح الاحتلال يسيطر على ثلثي الضفة، ولكن الخطر الجديد بإعلان أوسع عملية ضم للأراضي
ستحصل قريبا، وإذا حاولنا منع ذلك فالموقف الفلسطيني الموحد ضد الاحتلال وسياسة الضم
والاعتداءات يجب أن يصحبه خطوات واضحة لتصعيد المواجهة، والأمر لا يشكل خطرا على السلطة
فحسب بل على القضية الفلسطينية برمتها".
ويعتبر
الخواجا أن الغائب الوحيد أمام تطبيق هذه التهديدات والقرارات المهمة هو "الإرادة السياسية"، والتي لم تمض نحو خطوات عملية وجدية لتنفيذ الإعلانات المتكررة.
ويتابع: "نحن بحاجة لقرارات واضحة منها إعلان
الدولة الفلسطينية على كل الأراضي وإلغاء تقسيمات اتفاقية أوسلو، فلا يمكن أن نطالب
العالم بدولة ونحن لا نعلن أنفسنا دولة".
ويقترح، ردا على الضم، الإعلان عن عصيان مدني شامل،
والتفكير بأشكال مقاومة إبداعية تضعف توجه الاحتلال، مؤكدا أن العصيان يعطي المجال
لكل فلسطيني أن يشارك في النضال كما حدث في الانتفاضة الأولى.
وكانت
السلطة قد أعلنت عن إلغاء الاتفاقيات نحو 11 مرة، الأولى كانت عام 2015 خلال انعقاد
المجلس المركزي بدورته الـ27 في رام الله، ثم في سبتمبر من العام نفسه خلال
خطاب عباس في الأمم المتحدة، ثم عام 2017 في كلمة لعباس بمجلس الشيوخ الفرنسي، وأيضا في
العام ذاته ردا على انتهاكات الاحتلال للأقصى، وكذلك في عام 2018 خلال دورة المجلس
المركزي الـ29، وفي جلسة المجلس الوطني بدورته الـ23، ومجددا
في جلسة المجلس المركزي بدورته الـ30، ثم ضمن خطاب عباس ردا على سياسة هدم المنازل
في القدس عام 2019، وكان القرار قبل الأخير في شباط/فبراير الماضي خلال اجتماع خارجية العرب
في القاهرة، ومن ثم الإعلان الأخير ردا على قرار الضم.
الهيمنة
الأمريكية
ويعزو
خبراء حالة الضعف في الموقف الفلسطيني إلى الهيمنة الأمريكية التي تتحكم بزمام الأمور
في الشرق الأوسط والعالم، حيث كان أخذ الضم الضوء الأخضر أمريكيا ضمن صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب.
ويوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي، عمر جعارة أن الاحتلال أولى اهتماما عبر وسائل إعلامه بخطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وركز على عبارة واحدة جاءت في الخطاب، حين قال: "إن منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين قد أصبحتا اليوم في حل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة على تلك التفاهمات والاتفاقات، بما فيها الأمنية".
ويقول
لـ"عربي21" إن السلطة أعلنت أكثر من مرة أن الاتفاقيات الأمنية لاغية سواء
من خلال المجلس المركزي لحركة فتح أو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ولكن لم يتم
تنفيذه، مبينا بأن عباس لا يستطيع تطبيق مثل هذا القرار "لأنه لا يملك شيئا فهو عبارة عن
سلطة دون سلطة كما صرح سابقا".
ويبين
جعارة أن السيطرة الأمنية الإسرائيلية ثابتة وقوية ولن تقبل بأي تراخ، فهي تسيطر
على كافة الأراضي من خلال المستوطنات والسيادة الأمنية والسيطرة على الموارد الطبيعية
في الضفة ومن خلال الحصار على قطاع غزة ومن خلال التهويد في القدس، فلم يتبق شيء للسلطة
لتسيطر عليه.
ويشير
إلى أن الجانب الضعيف في هذه المسألة هو الفلسطيني والجانب القوي هو الإسرائيلي بسبب أن الولايات المتحدة تعمل على تقوية الاحتلال وإضعاف الفلسطينيين.
اقرأ أيضا: اشتية يوجه ببدء وقف التنسيق الأمني.. وأردوغان يدعم عباس
ويضيف: "الأمر بالأساس أمريكي وليس فلسطينيا أو إسرائيليا، وأكبر دليل هو أن قرار الضم تم اتخاذه من الولايات المتحدة، وأعلن عنه نتنياهو في البيت الأبيض".
أما على الأرض فإن "السيطرة الأمنية كاملة بيد الاحتلال، حتى على الهواء والأموال والذهاب والإياب والمياه، فالضم وفرض السيادة والقرارات الإسرائيلية هي عبارات لا معنى لها إن لم تكن مشحونة بالكهرباء الأمريكية".
وحول
مصير السلطة الفلسطينية بعد قرار الضم، يرى جعارة أن ذلك "مرهون بالرغبة
الأمريكية، بعد أن استطاعت قلب موازين القوى في الشرق الأوسط عبر سياستها بإضعاف العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والصومال..".
ويتابع: "حين أعلن ترامب أن الجولان جزء من دولة إسرائيل كان يقف إلى جانبه نتنياهو الذي وجه كلامه
للمستوطنين وقال حين أعود لدولتي سوف أقوم بإجراءات الضم، وبالفعل عاد وبدأ بالإجراءات".
ويختم بالتنبيه إلى "خطورة أن نكون كفلسطينيين وعرب سببا في إضعاف أنفسنا، في مقابل احتلال يستمد قوته من غيره".
ما سيناريوهات صدام الأردن مع الاحتلال بحال ضم الأغوار؟
في ذكرى نقل سفارة أمريكا للقدس.. هل تحقق مراد الاحتلال؟
هذه عقوبات لا يلزمها إجماع.. هل أوروبا جادة بمعاقبة إسرائيل؟