التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وموجة العنف المتصاعد بسبب العنصرية المتأصلة في هذين البلدين وفي الغرب بشكل عام، تكشف أنّ المبادئ التي كان يسوّق لها الغرب؛ ما هي إلا سلعة موجهة لبلدان العالم الثالث، مثل المساواة والعدل ونبذ العنصرية والحق في حرية التعبير والتظاهر.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية لم يتردّد الرّئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في التّهديد باستدعاء الجيش لمواجهة الاحتجاجات المتصاعدة، جراء الجريمة العنصرية المرتكبة في حق مواطن أمريكي من أصول إفريقية، بل إن الرئيس الأمريكي تجاوز كل الخطوط الحمراء في التّعامل مع المظاهرات، وذلك في مكالمة مسربة نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز”، إذ قال وهو يخاطب حكام الولايات: “عليكم بالقبض على هؤلاء الأشخاص، وعليكم توجيه الاتهام إليهم.. سجنهم لمدة أسبوع لن يؤدي إلى أي نتيجة.. هؤلاء إرهابيون.. هؤلاء إرهابيون.. إنهم يتطلعون إلى الإساءة لبلدنا، ولا ينبغي أن نصعّب على أنفسنا كيفية التعامل معهم.. سنتولى هذا الأمر”. وقال في تغريدة على تويتر “استدعوا الحرس الوطني… الرعاع والفشلة يمزقون المدينة لأجزاء، تصرفوا سريعا… لا تكرروا نفس الخطأ المروع والقاتل الذي ارتكبتموه مع دور المسنين”.
هذا الخطاب العنيف هو الذي أجّج الأوضاع أكثر في الكثير من الولايات وانحرفت المظاهرات إلى أعمال نهب وتخريب وسرقة، ما أعطى صورة مغايرة عن الولايات المتحدة الأمريكية التي توصف ببلد الحريات وحقوق الإنسان.
وفي الواقع؛ فإنّ الأحداث الأخيرة فضحت حقيقة المجتمع الأمريكي المنقسم على ذاته، خاصة بين الجنس الأبيض القادم من الدول الأوروبية، وبين الجنس الأسود القادم من إفريقيا، والجنس الأصفر القادم من آسيا. هذا الانقسام يمكن الوقوف عليه في أول زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، إذ تعيش هذه الأصناف في مجتمعات شبه مغلقة، ويكاد التّواصل ينعدم بين هذه المجتمعات، إلا في إطار رسمي ضيّق، ولا زال ذوو البشرة السمراء يعانون التّمييز الخفي، ما انعكس سلبا على أوضاعهم المعيشية على أطراف المدن وفي الأحياء الفقيرة.
ومن الواضح أن أزمة وباء كورونا أعادت الغرب إلى طبيعته، وقد رأينا كيف تحولت دول متقدمة إلى ممارسة القرصنة للحصول على الكمامات الواقية على بساطتها وسهولة تصنيعها، وكيف تم التصرف مع كبار السن في العديد من الدول كإسبانيا وفرنسا وأمريكا، لتأتي هذه الأزمة الأخيرة التي تؤكد أن الغرب أمامه الكثير للتخلص من أمراضه المستعصية وعلى رأسها العنصرية.
عن "الشروق" الجزائرية