يستمرّ الجدل في المشهدين السياسيّ
والاجتماعيّ العراقيّين منذ عدّة سنوات حول "حقوق" أبناء معسكر رفحاء!
فمنْ هم جماعة رفحاء، وما هو "نضالهم
ضدّ النظام السابق"؟
الرفحاويون بموجب قانون مؤسّسة السجناء السياسيّين
رقــم (35) لسنة 2013 المعدّل: "هم مجاهدو الانتفاضة الشعبانيّة عام 1991 الذين
اضطرّتهم ظروف البطش والملاحقة لمغادرة جمهوريّة
العراق إلى المملكة العربيّة السعوديّة،
وعوائلهم ممّن غادروا معهم والذين ولدوا داخل مخيّمات الاحتجاز وفقاً للسجلّات والبيانات
الرسميّة الموثّقة".
وأحكام هذا القانون" تسري على محتجزي
رفحاء وأزواجهم وأولادهم للمدّة من (17/7/1968) ولغاية (8/4/2003)".
الحقيقة الكبرى هي أنّ الرفحاويين هاجموا
الجيش العراقيّ بعد الانسحاب من الكويت في "ثورة شعبيّة" سميت "الانتفاضة
الشعبانيّة"، وكانت الغاية استغلال انهيار الجيش للسّيطرة على الحكم، وفعلاً
سيطروا على أكثر من 15 محافظة من أصل 18، ثمّ فشلت ثورتهم، ولذلك هربوا إلى
السعوديّة، وهم قرابة 40 ألفا مع عوائلهم. ووضعوا في معسكر ضمن محافظة رفحاء، وبعدها
تبنّت مفوّضيّة اللاجئين حصولهم على لجوء تامّ في أمريكا وأوروبا!
وبعد زلزال 2003 وجد العراقيّون أنفسهم
أمام أكثر من 600 ألف "مجاهد، وضحيّة للنظام السابق"، وهؤلاء جميعهم
حصلوا على امتيازات "ظلمهم" أو "جهادهم"!
يستقرّ المجاهدون الرفحاويّون اليوم في أمريكا
وأوروبا، ويتقاضون
رواتب جيّدة من تلك الدول، ومشمولون بالتأمين الصحّيّ الشامل،
ويدرسون في أرقى المدارس والجامعات، وهم الآن مواطنون رسميّون في تلك الدول!
ونتيجة للضغوطات الشعبيّة، وربّما
السياسيّة والاقتصاديّة بعد دخول العراق في نفق أزمة انخفاض أسعار النفط، وجّهت
حكومة
مصطفى الكاظمي بداية الأسبوع الحاليّ بـ"
إجراء الإصلاحات اللازمة وفق مبدأ
تحقيق العدالة الاجتماعيّة، من خلال معالجة ازدواج الرواتب، والرواتب التقاعديّة لمُحتجزي
رفحاء، وفئة من المقيمين خارج العراق الذين يتقاضون رواتب أخرى".
التوجّه الحكوميّ دفع رئيس "لجنة السجناء
السياسيّين" في البرلمان العراقيّ عبد الإله النائلي، وكذلك
الكتل الشيعيّة
البرلمانيّة، لشنّ حملة قاسية على
الكاظمي، معتبرين أنّ هذا الإجراء "منافٍ للعدالة
الاجتماعيّة"!
ولا ندري أين كان هؤلاء "المجاهدون"،
ثمّ لماذا لم "يُسقطوا" النظام بجهادهم، ولماذا طرقوا أبواب القاصي
والداني لضرب وطنهم؟ وهل الجهاد ضدّ النظام يُعطيهم الحقّ في الغدر بوطنهم وشعبهم؟
وهل كان العراقيّون، كشعب، في ترف خلال
مرحلة نشوء معسكر رفحاء بعد العام 1991؟
قانون السجناء يصف "الرفحاويّين"
بأنّهم "مجاهدون وقفوا ضدّ الدكتاتوريّة"، بينما كانت الدولة العراقيّة تصنّفهم،
حينها، بأنّهم "مجموعة من المخرّبين والمجرمين"!
إنّ العراقيّين كانوا يعانون من جَوْر
الحصار الدوليّ بعد غزو الكويت، ومنْ يدّعون أنّهم جاهدوا ضدّ الدولة كانوا يتنعّمون
في حياة أفضل من حياة الحصار التي اضطرّ الناس خلالها لأكل الخبز المليء بـ"الحجارة
والرمال ومخلّفات الطيور والقوارض، ولم يجدوا حتّى حبّة الدواء، واضطرّوا لبيع أعزّ
ما يملكون من مقتنيات ثمينة وأثاث منزليّ ليبقوا على قيد الحياة، فأين "جهاد
الرفحاويين المفترض"؟
إنّ حكومات بغداد بعد العام 2003 تسبّبت
بتهجير ملايين المواطنين، رغم أنّهم لم يخونوا وطنهم، ولم يُشعلوا الفتن، وهم في نظر
الحكومة مجموعة من المجرمين!
فكيف يمكن القبول بأنّ الذين غدروا بالعراق
هم "مجاهدون"، والذين وقفوا ضدّ الخراب هم إرهابيّون، ومجرمون!
وكيف يمكن التفريق بين مجرم ومجرم؟
فبأيّ ميزان تُقاس الأمور في عراق اليوم،
ومنْ سينصِّف الذي هُجّروا وظُلموا بعد العام 2003؟
الغريب أنّ قانون رفحاء شمل جميع
الرفحاويّين، وحتّى أطفالهم الذين ولدوا بعد العام 1991 عُدّوا من المجاهدين!
أمّا رواتب هؤلاء فقد اختلفت الأرقام
حولها، وحتّى لو قبلنا برأي من يقول إنّ رواتبهم قرابة الألف دولار شهريّاً، فهذا
يعني أنّ العائلة المكوّنة من ثمانية أفراد يكون دخلهم الشهريّ ثمانية آلاف دولار،
وهم استلموا تلك الرواتب بأثر رجعيّ منذ العام 1991 وحتّى العام 2003، والآن
رواتبهم مستمرّة شهريّاً!
هذه المبالغ الضخمة المنهوبة ساهمت في إرهاق
خزينة الدولة، فضلاً عن كون هؤلاء غير محتاجين أصلاً لتلك الأموال لأنّهم يحصلون
على مساعدات وخدمات مجانيّة كاملة في الدول المتواجدين فيها، في حين هنالك أكثر من
سبعة ملايين عراقيّ هم تحت خط الفقر!
وبعيداً عن مقترحات قطع رواتب الرفحاويّين،
أو اقتصارها على ربّ الأسرة، أتصوّر أنّ الحلّ الأمثل لمشكلتهم بسيط جداً، ويتمثّل
بعودتهم للعراق على اعتبار أنّهم "جاهدوا ضدّ النظام السابق"، ولذا عليهم
العودة لإكمال "جهادهم" في بناء الوطن بشرط التخلّي عن الجنسيّات الأجنبيّة
التي يحملونها، وحينها ليأخذوا ما يأخذوه من أموال هنيئاً مريئاً، وإن رفضوا سيتمّ
قطع صلاتهم "النضاليّة" والماليّة مع العراق، لأنّه لا يمكن القبول بمنح
هذه "الهِبات الشهريّة الضخمة" وغير المبرّرة لأناس مترفين في "دولهم
الثانية". ولهذا ينبغي على الحكومة والبرلمان أن يوقفوا هذه السرقة العلنيّة لأنّ
الرفحاويّين لا يُريدون العراق، بدليل رفضهم العودة لإكمال مسيرة "جهادهم وخدمتهم
لوطن الذي جاهدوا من أجله"!
فمن ينفّذ هذا المقترح؟
twitter.com/dr_jasemj67