نشرت صحيفة
"
البايس" الإسبانية
تقريرا، تحدثت فيه عن الأزمة
الاقتصادية الناتجة عن جائحة فيروس
كورونا، التي تسببت في وصول قيمة الدين العام إلى أعلى المستويات على الإطلاق.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه كان على الغرب وجزء من الدول الناشئة اللجوء للاقتراض لمنع الدخول في ركود اقتصادي. ومن بين الأمور الواضحة الآن أن أغلب الدول تواجه
مستقبلا مجهولا وأعباء اقتصادية ثقيلة. ووفقا لمعهد المالية الدولية، سيرتفع
مجموع
الديون العامة والخاصة العالمية من 255 تريليون دولار إلى حدود 325 تريليون
دولار بحلول سنة 2025، وذلك في ظل معاناة العديد من البلدان بالفعل من ارتفاع الدين
العام من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضحت الصحيفة أن اللجوء للاقتراض للحد من المشاكل الاقتصادية التي تسببت فيها جائحة كوفيد-19 بات أمرا
مبررا أكثر من أي وقت مضى. من يستطيع معارضة القرارات الصادرة من الحكومات
للاقتراض من أجل حماية دخل العمال أو لتجنب تدمير سلسلة الإنتاج. وفي الأسبوع
الماضي، صرحت كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي لورانس بون بأن التقشف ليس خيارا
صائبا اليوم، وبالنظر للطبيعة الاستثنائية لهذه الأزمة، فإن الدعم المالي ضروري
لضمان انتعاش النمو بسرعة لتسهيل سداد الدين، فلا يمكننا تكرار أخطاء الأزمة الأخيرة، ويجب تجاوزها بسرعة أكبر".
وأضافت الصحيفة أن
الإجراءات المالية الحالية ستساهم في انخفاض الفائدة إلى أدنى مستوياتها. وقد أوضح
مدير الاستثمارات في البنك السويسري "جوليوس باير"، إيف بونزون، أن
"مدى استدامة الدين العام يعتمد على تكلفة إعادة التمويل وليس على القدرة
الافتراضية للحكومات على سداد الديون".
من جهته، يقول بول دي
جراوي من كلية لندن للاقتصاد: "من خلال التعافي القوي بحلول سنة 2021، فإن
إضافة 10 إلى 20 نقطة مئوية إلى الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي لن يكون
مثيرا للقلق، ومن الممكن أن تنخفض نسبة الديون من دون الحاجة إلى التقشف".
وذكرت الصحيفة أن التوازن بين الاحتياجات الأكثر إلحاحا اليوم -بما في ذلك توفير الحد الأدنى من سبل العيش لأولئك الذين يعانون من أسوأ الأوقات
وتجنب إلحاق ضرر كبير بمحرك الاقتصاد- وضمان مسار الاستدامة على المدى الطويل
يشهد اختلالا أكثر من أي وقت مضى. وربما إعادة التوازن سيكون التحدي الأكبر الذي
سيتعين على السلطات الاقتصادية مواجهته في السنوات القادمة.
وأوردت الصحيفة أن هناك ثلاث طرق للتخفيف من نسبة الديون المتراكمة
على عاتق أي دولة، وذلك إما من خلال جعل الاقتصاد ينمو بسرعة أكبر، أو توليد
التضخم، أو اتباع سياسة التقشف. واليوم تبدو كل هذه الحلول بعيدة المنال. قد تظهر
بعض المؤشرات الإيجابية بحلول سنة 2021، إلا أنه إلى الآن وعمليا لا أحد تقريبا
يرى في الأفق نموا قويا مستداما على جميع المستويات.
كيف يمكن سداد القروض؟
نقلت الصحيفة عن كبير الاقتصاديين بول دونوفان في بنك "يو بي إس" أنه
"ربما لن نضطر إلى سداد القروض، فنادرا ما تسدد الدول ديونها". ومن
جهته، يرى جوردي غالي، الأستاذ في جامعة بومبيو فابرا، أنه طالما أن الفائدة على
الدين العام أقل من النمو الاقتصادي، فإنه "لا ينبغي أن تكون مشكلة سداد
الديون كبيرة، لأنها في وقت ما ستُسدد".
كما أشار غالي إلى
أمرين دقيقين ومهمين للغاية، أولهما أنه من غير الواضح متى يمكن الوفاء بهذه
الالتزامات، وثانيهما أن نسبة الدين المرتفعة من الناتج المحلي الإجمالي تفتح
الأبواب أمام أزمات الثقة، التي يمكن أن تؤدي بدورها إلى زيادة في قسط التأمين
على المخاطر والديناميكيات الاقتصادية المحتملة".
وأكدت الصحيفة أن كل
شيء يشير إلى أن الأزمة الاقتصادية هذه المرة ستكون مختلفة تماما عن سابقتها. ففي
سنة 2012، أدت الاختلالات المتراكمة وغياب الدعم الأوروبي الواضح إلى خطة إنقاذ
تاريخية بقيمة 100 مليار دولار (عُشر الناتج المحلي الإجمالي)، ولا تزال هذه الأزمة
راسخة في الذاكرة الجماعية الإسبانية.
حيال هذا الشأن، يقول
غالي: "من حيث المبدأ، فإن التزام البنك المركزي الأوروبي وإمكانية التدخل
النهائي عن طريق آلية الاستقرار المالي الأوروبي، سيعالج هذه الأزمة، في حال كان
الالتزام ذا مصداقية". ومرة أخرى، سيسلط الضغط على المؤسسات المجتمعية التي
ستعتمد سياسات مرنة لإخراج القارة العجوز من الأزمة. إن إسبانيا وإيطاليا واليونان
من الدول التي عانت كثيرا جراء انتشار فيروس كورونا، ولكن اعتماد اقتصاداتها على
العائدات السياحية يجعلها من بين أكثر الاقتصادات تضررا في العالم.
العودة إلى المفاوضات
أفادت الصحيفة بأنه بالنسبة للدول النامية، تبدو الأمور مختلفة
تماما، حيث بلغ الدين العام رقما قياسيا في الأسابيع التي سبقت تفشي الفيروس،
بنسبة وصلت إلى 170 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وحذرت أنا رافينجا من معهد
بروكينغز من أن المشكلة الأكبر تكمن في الأسواق الناشئة". فمواجهة مشاكل على
غرار هجرة رؤوس الأموال، وانهيار أسعار السلع الأساسية وتراجع العائدات السياحية
وانهيار سعر العملة المحلية يمثل كارثة بأتم معنى الكلمة.
وحذر البنك الدولي، في وقت سابق من هذا الأسبوع، من أن "النفور
من المخاطرة سيزيد أسعار الفائدة للمقرضين"، وهذا يضاف إلى الديون التي وصلت
بالفعل إلى مستويات قياسية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى سلسلة من حالات التخلف عن سداد
الديون والأزمات المالية في العديد من هذه البلدان.
وبالنسبة لمجموعة العشرين، فإن البلدان الأفقر ستكون غير قادرة على
سداد ديونها في نهاية هذه السنة. من جهتها، قالت أوديت ليناو من جامعة كورنيل إنه
"بالنظر إلى حجم هذه الأزمة، فإن الإجراءات قصيرة المدى لن تكون كافية"،
لذلك، لقد حان الوقت لوضع هيكل دولي قادر حقا على التعامل مع مسألة إعادة هيكلة
الديون بكفاءة ونزاهة".