قامت أمانة الرياض قبل أيام
بإزالة لوحة من أحد شوارع العاصمة السعودية، تحمل اسم السلطان العثماني سليمان القانوني. ونشرت حسابات ووسائل إعلام سعودية صور اللوحة المرمية على الأرض، بالتزامن مع حملة أطلقها ما بات يعرف إعلاميا بــ"الذباب الإلكتروني"، في مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل تشويه سمعة السلطان الذي حققت
الإمبراطورية العثمانية في عهده أوسع فتوحاتها في القارات الثلاث.
لماذا يستهدف النظام السعودي الآن السلطان سليمان القانوني؟ هذا السؤال طرح نفسه، لأن الأيام الأخيرة لم تشهد أي حادث يمكن ربطه بهذه الخطوة، غير التطورات الأخيرة التي حدثت في
ليبيا، في ظل انشغال دول العالم بمكافحة جائحة كورونا، وخطط العودة المتدرجة إلى الحياة اليومية.
يبدو أن إزالة اسم السلطان سليمان القانوني من أحد شوارع الرياض، مسرحية سخيفة كتبت فصولها وعرضت على عجالة، لتنفيس الغضب المتراكم لدى القوم بسبب هزيمة حفتر المدعوم من محور الإمارات والسعودية ومصر في ليبيا، والانتصارات التي حققتها قوات حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها
تركيا.
العالم يتحدث اليوم عن الطائرات المسيرة التركية التي أثبتت تفوقها في سوريا وليبيا، وعن المساعدات الطبية التي قدمتها تركيا إلى عشرات الدول لدعمها في مكافحة الجائحة. كما يتابع الجميع النجاح الذي حققته وزارة الصحة التركية في التعامل مع الأزمة العالمية، وافتتاح عدد من المستشفيات الحديثة لتعزيز النظام الصحي التركي، بالإضافة إلى تطوير جهاز تنفس اصطناعي محلي في وقت قياسي، وبدء تصديره إلى الخارج.
حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا، حققت انتصارات ضد المليشيات والمرتزقة التي يقودها حفتر. ومن المؤكد أن تحالف طرابلس مع أنقرة، لعب دورا محوريا في قلب التوازنات لصالح الحكومة الشرعية التي تسعى إلى بسط سيطرتها على كامل البلاد.
وفي المقابل، فشل التحالف السعودي الإماراتي في تحقيق أهدافه المعلنة منذ تدخله في اليمن، وأصبح وضع حكومة هادي المحتجز في أحد فنادق الرياض أضعف من ذي قبل، بل واتضح أن التحالف يملك أجندة أخرى تتعارض مع تلك المعلنة ومصالح الشعب اليمني، الأمر الذي دفع اليمنيين إلى رفع أصواتهم
للمطالبة بالتدخل التركي لإنقاذ بلادهم من الضياع.
وعلى صعيد مكافحة جائحة كورونا، كان "الذباب الالكتروني" في بداية انتشار الفيروس يملأ مواقع التواصل الاجتماعي ضجيجا ويدَّعي بأن تركيا ستبقى عاجزة أمام ضخامة عدد المصابين والمتوفين، وأنه سينهار اقتصادها، إلا أن فرحته لم تدم كثيرا، ولم يعد يتحدث عن أخبار كورونا في تركيا بلغة الشماتة، بعد أن نجحت وزارة الصحة التركية في السيطرة على الجائحة إلى حد كبير. بل تشير الأرقام إلى أن الوضع
في السعودية متجه من سيئ إلى أسوأ، حيث أعلنت وزارة الصحة
السعودية، الثلاثاء، أن هناك 4267 إصابة جديدة، وأن العاصمة الرياض وحدها سجلت فيها 1629 حالة خلال 24 ساعة، فيما وصل عدد الوفيات الجديدة إلى 41 حالة وفاة في عموم المملكة. وفي المقابل، سجلت في تركيا ذات اليوم 1467 إصابة جديدة، أي أقل مما سجلت في الرياض وحدها، و17 حالة وفاة. وللمقارنة الصحيحة بين أرقام البلدين، لا بد من ضرب الأرقام المسجلة في السعودية بثلاثة، نظرا للفرق بين عدد سكان تركيا والسعودية، ليتضح أن الوضع كارثي في الأخيرة.
النظام السعودي في مأزق لفشله في ملفات عديدة. وما زال الحوثيون يحتلون العاصمة اليمنية صنعاء، ولم تفلح محاولة حصار قطر في تركيع الدوحة، كما فشل رجل الثورة المضادة في ليبيا، الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، في السيطرة على طرابلس والانقلاب على الحكومة الشرعية.
وبالتالي، قد تحتاج الرياض إلى مثل هذه المسرحيات السخيفة للفت انتباه الشعب السعودي عن النجاحات التركية، ومن المشاكل التي عجزت هي في حلها، إلى قضايا مفتعلة، إلا أن السلطان العثماني الكبير الذي تزخر كتب التاريخ بفتوحاته الإسلامية ومواقفه المشرفة، لا يحتاج بكل تأكيد إلى لوحة تحمل اسمه، ولا تنقص من قدره شيئا إزالة اسمه من شارع أو ميدان. كما أن هناك في أماكن أخرى من العالم من يقدر ذاك الجبل ويذكر محاسنه، كأعضاء مجلس بلدية تاجوراء الليبية الذين
قرروا إطلاق اسم السلطان سليمان القانوني على أحد أهم شوارع المدينة، تقديرا لإرسال قواته بقيادة القائد العثماني مراد آغا إلى ليبيا لمساعدة أهل طرابلس في تحرير مدينتهم قبل حوالي خمسة قرون.
twitter.com/ismail_yasa