نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني حوارا حصريا مطولا مع السياسي العراقي السني المعروف خميس الخنجر الذي تحدث حصريا مع رئيس تحرير الموقع ديفيد هيرست، وهو الحوار الذي يكشف فيه الخنجر كيف تم إقصاء الطائفة السنية وتهميشها في العراق، والدور الذي لعبته السعودية في هذا المجال.
تنشر "عربي21" الترجمة الكاملة للحوار عبر جزأين، وفيما يلي الترجمة الكاملة للجزء الأول:
كان خميس الخنجر وعلى مدى سنين الوسيط المفضل لدى واشنطن كلما احتاجت التواصل مع القبائل السنية في العراق. أما وقد أصبح الآن هدفاً للعقوبات الأمريكية فإنه يقول إنه يعاقب نزولاً عند رغبة المملكة العربية السعودية.
استرخى خميس الخنجر في مقعده، وألقى برأسه إلى الخلف وضحك. كنا في داخل شقته في إسطنبول حين سألتُ رجل الأعمال والسياسي السني العراقي لماذا تم وضعه على قائمة عقوبات الحكومة الأمريكية مع ثلاثة من زعماء المليشيات الشيعية المدعومة من قبل إيران.
في مقابلة أجراها معه مؤخراً موقع "ميدل إيست آي" البريطاني علق الخنجر على إعلان وزارة المالية الأمريكية في ديسمبر 2019 قائلاً: "إنه إجراء سياسي مائة بالمائة".
وقال: "في الحقيقة كان السعوديون يهددونني بشكل مباشر. لقد قالوا لعادل عبد المهدي، الذي كان حينها رئيساً لوزراء العراق بأنهم سوف يضعونني على قائمة العقوبات".
وأضاف الخنجر إن عبد المهدي أخبرهم بأن ذلك "سيكون خطأ كبيراً".
وقال: "ولكن السعوديين لا يفهمون، فكل شيء بالنسبة لهم يتعلق بالمال، والأمر ليس متعلقاً بالمال. عندما يخفق المرشحون الذين اشتروهم في الفوز بمقاعد في البرلمان، ظنوا أنني دفعت للناس أكثر مما دفعوا هم. لا يرون كم هم أغبياء بهذه النظرة."
يشير الخنجر بذلك إلى الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في عام 2018 والتي سعى أثناءها لبناء كتلة سياسية تمثل مصالح العراقيين السنة الذين قال إنه تم تهميشهم لسنوات من قبل القيادات السياسية الشيعية المهيمنة وتعرضوا للأذى على أيدي المليشيات الشيعية التي يسيطرون عليها.
وبحسب ما يقوله، فقد حاولت السعودية كذلك التأثير في الانتخابات بهدف أن يبقى في السلطة حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي حينها والذي كان مرشح أمريكا المفضل. وعندما فشلت الخطة، قرر السعوديون الانتقام.
وتتهم مذكرة وزارة الخارجية الأمريكية الخنجر بالرشوة والفساد ضمن مجموعة أخرى من الجرائم التي لم تثبت بحقه، وتزعم أنه "خطط لإنفاق ملايين الدولارات على شكل دفعات لشخصيات سياسية عراقية بغية ضمان دعمها" ناسبة هذه المزاعم إلى "مسؤول سابق رفيع المستوى في الحكومة العراقية" لم تسمه.
كما تصفه بأنه "رجل أعمال ومليونير يتمتع بنفوذ كبير على المستوى الإقليمي والدولي".
فيما يتعلق بذلك على الأقل، بإمكان المسؤولين في واشنطن أن يشهدوا من التجربة بأن الخنجر ليس غريباً عن السفارة الأمريكية في بغداد.
وتشكل الصور الموجودة في جهاز هاتفه النقال تاريخاً دبلوماسياً حافلاً يمتد على مدى السبعة عشر عاماً منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وسقوط صدام حسين في عام 2003 حيث كان حاضراً ويشارك في كل النقاشات تقريباً التي كانت تجري من وراء الكواليس حول العراق.
لقد عرف، ومازال يعرف، وبشكل شخصي كل اللاعبين السياسيين المهمين في المنطقة، ومنهم: ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، والجنرال الإيراني الراحل قاسم سليماني، إضافة إلى الدبلوماسيين الغربيين، بما في ذلك بريت ماكجيرك، المختص بالشأن العراقي والمبعوث الرئاسي الأمريكي إلى الائتلاف المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية، وجون جينكنز، السفير البريطاني السابق في بغداد. وكان يلتقي بهم جميعاً، وبشكل منتظم.
كان الدبلوماسيون يشدون الرحال إليه ويطرقون بابه لسبب وجيه، فكل من يرغب في معرفة زعماء القبائل السنية أو قيادات أهل السنة، لابد له من أن يتوجه إلى الخنجر.
كان زعماء السنة، مثل الخنجر، هم من توجه إليهم الأمريكان حينما أرادوا تجنيد وتمويل جيش ميليشيا سني لتزعم حملة أطلق عليها "الصحوات" ضد تنظيم القاعدة في أوج التمرد المسلح ضد قوات الاحتلال الأمريكية في عام 2006.
كما شارك الخنجر في مشروع إطلاق العراقية، أول كتلة حزبية غير طائفية في العراق، والتي حيل بينها وبين تشكيل الحكومة رغم فوزها بمعظم مقاعد البرلمان في الانتخابات العراقية التي جرت عام 2010.
والخنجر هو الشخص الذي توجهت إليه وكالة المخابرات الأمريكية (السي آي إيه) للاستفسار منه حينما أرادوا أن يعرفوا لماذا كان زعماء السنة في العراق يديرون ظهورهم للنفوذ الأمريكي والسعودي ويتجهون نحو إيران.
هذه هي قصة الخنجر الذي تحول خلال شهور قليلة من شخصية عراقية طالما شاركت في الحوار مع الأمريكان إلى هدف للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، والتي يُستهدف بها في العادة أشخاص متهمون بالإرهاب وبارتكاب فظائع.
ما يقوله ههنا عبارة عن رواية متحيزة يناقضها من يتحدث عنهم فيها، ولكنها أول شهادة مباشرة لشخص كان يشارك في لقاءات مهمة بحضور رؤساء وزراء العراق المتعاقبين.
ولهذا، فهي ليست مجرد حكاية شخصية، بل هي قصة تروي كيف خسرت أمريكا العراق. وكان الخنجر قد أجاب رجل السي آي إيه قائلاً له: "أنت لا تعرف، ولكن بإمكاني أن أخبرك كيف تخسر أمريكا التأييد داخل العراق."
كيف أضحى المحررون محتلين
لا يخفي الخنجر أنه كان قد رحب بالغزو الأمريكي في مارس 2003 وبالسقوط السريع للنظام الدكتاتوري الذي كان يترأسه صدام حسين لعدة عقود. فهو نفسه اضطر إلى الهرب من العراق قبل ذلك بست سنين في عام 1997.
يقول الخنجر: "لو أنني عدت خلال تلك الفترة لأعدمت. ما ينساه الناس الآن هو أن العراقيين كانوا جميعهم متساوين تحت حكم صدام. ومن كان معارضاً فهو خصم إلى الأبد. كان الناس يقتلون لأي سبب".
وقال إن معظم العراقيين مكثوا طويلاً قبل أن يدركوا مخاطر الاحتلال. عندما غزا الأمريكان البلد، لم يواجهوا سوى مقاومة ضئيلة. وكانت القوات الأمريكية مرتاحة، وكان الجنود يمشون في الشوارع ويرتادون المطاعم، وكان معظم العراقيين يعتقدون بأن الأمريكان إنما جاءوا لتنمية الاقتصاد ثم بعد ذلك سيغادرون. إلا أن شهر العسل كان قصيراً.
استمر إلى أن صدر قرار الأمم المتحدة رقم 1483 في أيار/ مايو من عام 2003، والذي تضمن الاعتراف الرسمي من قبل مجلس الأمن الدولي بالولايات المتحدة كقوة احتلال تتحمل مسؤوليات إدارية. ثم جاء القرار المصيري بحل الجيش العراقي الذي أصدره بول بريمر، أول حاكم أمريكي للعراق ما بعد الغزو، والذي كان لقبه المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة.
شكل بريمر مجلس حكم على أساس طائفي، وادعى أنه بذلك يصحح الخطأ الذي ارتكب عند تأسيس العراق في عام 1921 تحت الهيمنة البريطانية بعد سقوط الحكم العثماني.
كانت سلطة الائتلاف هي المرة الأولى التي ينال فيها العراق حكومة معينة على أساس طائفي. كان كل واحد من تلك القرارات ينثر بذور الحرب الأهلية التي نشبت فيما بعد.
وبحسب ما يقوله الخنجر، فقد فاقم من تلك الأخطاء سلوك المقاولين الأمريكيين، الذين كانوا يفتشون المنازل ويؤذون النساء. كما يشير إلى السخط الذي نجم عن استخدام القوات الأميركية للفوسفور الأبيض المحظور في الهجوم الذي شنته على مدينة الفلوجة، التي ينحدر منها، في عام 2005، والتي تحولت إلى بؤرة للتمرد. كل هذا كان يقود إلى مزيد من المقاومة.
يقول الخنجر: "نعلم الآن أنه كانت هناك اتصالات بين الأمريكيين والإيرانيين أثناء تلك الفترة حول العراق الجديد وكيفية إدارته. بل تتوفر الآن وثائق حول التعاون بين تلكما الدولتين".
ويضيف: "كان ما يزيد عن نصف مدينة بغداد تحت سيطرة قوى المقاومة، وكان تنظيم القاعدة واحداً من تلك القوى. وكانت المقاومة تسيطر على معظم المناطق ذات الأغلبية السنية. بدأ الأمريكان بمهاجمة المناطق الواحدة تلو الأخرى، وبعد أن فرضوا سيطرتهم عليها سلموها لقوات الأمن التي تهيمن عليها المليشيات الشيعية، فكانت تلك الوحدات تتصرف بطريقة طائفية متطرفة. كان واضحاً أن الأمريكان ماضون في تدمير المجتمعات السنية، ففي الفلوجة استخدموا أسلحة غير مشروعة، وبالتدريج برزت القاعدة إلى السطح وتمكنت".
تم ترتيب لقاء في عمان في عام 2007، وكان الخنجر واحداً من ممثلي السنة الذين التقوا بالقيادات الشيعية.
"سألنا الشيعة ما الذي نريده مقابل تهدئة الأوضاع. قلنا لهم نريد دولة عادلة يعيش فيها جميع العراقيين متساويين أمام القانون. وشرحنا لهم كيف أن السنة تم إقصاؤهم عن أجهزة الأمن وعن وزارتي الدفاع والنفط".
لم يرغب الخنجر في تسمية المشاركين في اللقاء من الجانبي الشيعي، والذين قالوا: "لدينا مشكلة. نخشى من بقايا نظام صدام حسين ونخشى من عناصر القاعدة. فما لم تتخلصوا من القاعدة لن نتمكن من إعادة حقوقكم لكم رغم معرفتنا بأن تلك هي حقوقكم".
الغدر بالصحوات
أيد الخنجر الصحوات، كما يقول، لأنه رأى فيها وسيلة للتخلص من القاعدة.
"كانوا يهاجمون السنة والشيعة على حد سواء، لم يسلم منهم أحد. كانت سياسة القاعدة هي مهاجمة المجتمع الشيعي بأسره. ونحن كانت مشكلتنا مع السياسيين الشيعة وليس مع المواطنين العاديين".
وافق الأمريكان في المقابل على دفع تكاليف تجهيز وتدريب المقاتلين السنة وتجنيد سبعين ألفاً منهم للانضمام إلى الجيش العراقي بعد إلحاق الهزيمة بالقاعدة.
"ما حصل حقيقة هو أن الجيش العراقي الذي أسسه بريمر، وكان قوة عسكرية شيعية، بدأ أفراده يسيئون التصرف في مناطق الأغلبية السنية، فراحوا يعتدون على النساء ويمنعون الناس من التوجه إلى المساجد، ويذلونهم عند نقاط التفتيش، وفي بعض الأوقات يقتلون الناس على الهوية لمجرد أنهم يحملون أسماء سنية. فبدأ السنة يتحدثون معنا ويقولون جيد أننا تمكنا من القضاء على منكر ولكننا جلبنا محله منكراً أكبر".
وكان ما هو أسوأ من ذلك قادم على الطريق. إذ لم يتم الوفاء بما وعد به الأمريكان من استيعاب سبعة آلاف مقاتل. وبدلاً من ذلك قالوا إن ذلك القرار تملكه حكومة سيادية عراقية، والتي كانت حينها برئاسة نوري المالكي، رئيس وزراء العراق في الفترة من 2006 إلى 2014.
"من وجهة النظر السنية كان ذلك غدراً أمريكياً. توقف الأمريكان عن الحديث معنا وسلموا الملف إلى المالكي، وكان ذلك حينما بدأ المالكي يسفر عن مشاعره ومواقفه الطائفية السيئة. توقف المالكي عن دفع مخصصات المقاتلين – حوالي ثمانين بالمائة منهم. وتعرض العشرات من قياداتهم للقتل، وألقى القبض على بعضهم بينما تمكن البعض الآخر من الفرار إلى خارج العراق".
وجد مقاتلو الصحوات السنة أنفسهم بين المطرقة والسندان، إذ انقلب عليهم في نفس الوقت الرأي العام السني وحكومة المالكي.
وفي عام 2008، بعد عامين من بدء الفترة الأولى للمالكي كرئيس للوزراء، التقت مجموعة من عشرة أو يزيدون قليلاً من قيادات الصحوات مع سفير الولايات المتحدة في الأردن، وقالوا له بشكل واضح وصريح: "لقد غدرتم بنا".
تشاور السفير مع وزارة الخارجية في واشنطن، وعاد إليهم بعد خمسة أيام، وكل ما أمكن تقديمه لهم هو السماح لخمسة منهم بالإقامة في ولاية نيفادا في غرب الولايات المتحدة. وهو ما تم بالفعل.
وعن ذلك يقول الخنجر: "كان واضحاً أن الأمريكان تخلوا عنهم بينما كان المالكي يلاحقهم، فذهب بعضهم إلى الجانب الإيراني وعرضوا أنفسهم، لقد رموا بأنفسهم في أحضان الإيرانيين".
كيف تشكلت العراقية
انتهى التواصل تماماً مع الأمريكان، إلا أن الخنجر وغيره من زعماء السنة استمروا في الحديث مع الزعماء السياسيين الشيعة، على الرغم من أن أولئك الذين ساعدوا في استنفار مقاتلي الصحوات باتوا الآن يوصمون بالإرهاب.
ظل الخنجر مصراً على أن المشكلة لا يمكن إنهاؤها من خلال تطبيق الحل الأمني. كانوا بحاجة إلى موقف سياسي. فنشأت فكرة دخول المعترك الانتخابي القادم، والذي كان مازال على بعد ثمانية عشر شهراً، وذلك من خلال قائمة وطنية عراقية شاملة يترأسها زعيم شيعي ليس لديه تحيزات طائفية.
"تحدثنا مع ثلاث مجموعات، بما في ذلك مجموعة المالكي نفسه. ودعونا جميع القوى السنية إلى منزلي في عمان بموافقة الحكومة الأردنية. التقينا هناك ليومين، وقررنا المشاركة على نطاق واسع وبشكل مكثف في الانتخابات وتغيير الوضع في العراق من خلال الانتخابات. وكانت الفكرة من وراء ذلك هي بدلاً من ترك الشباب السني يعود إلى حمل السلاح أن نقنعهم بأن التغيير في البلاد يمكن أن يحصل من خلال الانتخابات وأن نمنحهم الأمل".
كانوا بحاجة إلى شخصية كبيرة تترأس القائمة، فتواصلوا مع المالكي ومع إياد علاوي، الذي شغل منصب رئيس وزراء العراق في الفترة الانتقالية من 2004 إلى 2005 ما بعد الغزو الذي جرى في عام 2003، وجواد البولاني، الذي كان حينها وزير الدفاع في البلاد ويحظى بشعبية.
"اتصل بي المالكي هاتفياً. شكرني على الاتصال به وقال إنه سيلتقي بي بعد الانتخابات. أما الآخران فوافقا. بمعنى آخر، لم يكن المالكي مهتماً بفكرة الوحدة الوطنية، ثم بعد أسابيع قليلة نشب خلاف بينه وبين البولاني، وكان ذلك مؤذناً بميلاد قائمة العراقية، التي أصبح العلاوي رئيساً لها، وغدت إنجازاً كبيراً لاشتمالها على سياسيين سنة وشيعة".
فازت العراقية بواحد وتسعين مقعداً، أي ما يكفي لأن تكون أكبر مجموعة داخل البرلمان. وجاء تحالف دولة القانون برئاسة المالكي في المرتبة الثانية حيث فاز بتسعة وثمانين مقعداً. وكانت المحكمة الدستورية قد قضت بأن بالإمكان تشكيل ائتلاف حكومي بعد الانتخابات لا قبلها، فذلك كان ما هو متعارف عليه حينها، الأمر الذي أتاح تسعة شهور من المناورة ولي الأذرع، وسمح للمالكي بالبقاء في السلطة كونه رئيس للوزراء في حينه.
لم يكن المالكي رجل واشنطن فحسب، بل ورجل طهران أيضاً. وحسبما يقوله الخنجر كان الطرفان كثيراً ما يلتقيان.
"لقد جن جنون الأمريكان، فقد كانوا يريدون للمالكي أن يفوز بأي ثمن، ولكننا كنا نحن الفائزين".
تبعت ذلك ثمانية شهور من الصراع السياسي، وقامت كل من سوريا وقطر وتركيا بمحاولات وساطة، ولكن في نهاية المطاف تمكنت الولايات المتحدة بالتفاهم مع إيران من إبقاء المالكي في السلطة.
ومع ذلك بقيت مشكلة واحدة، إذ لم يكن المالكي رجل باراك أوباما، وهنا يأتي دور بريت ماكجيرك، وكان واحداً من ثلاثة فقط من السياسيين الذين يعود تعيينهم إلى حقبة جورج بوش وبقوا موجودين رغم انتقال الرئاسة إلى أوباما. وفعلاً، تم استدعاؤه للخدمة حتى يعالج المأزق السياسي في العراق.
قاد ماكجيرك المجموعة الأمريكية التي أقنعت أوباما بأن الحل الوحيد في العراق يكمن في إبرام صفقة جديدة مع إيران، الأمر الذي يعني إعادة المالكي ليظل في الحكم لدورة ثانية.
بدأ الأمريكان في ممارسة الضغط على المجموعات السياسية السنية لكي يقدموا الدعم للمالكي.
قيل للسنة "اذهبوا إلى إيران"
يقول الخنجر: "عاد المالكي إلى السلطة وبداخله رغبة جامحة في الانتقام".
"أراد أن يدمر الزعماء السنة والمناطق السنية التي صوتت ضده. لقد انقلب على القيادات السنية مثل طارق الهاشمي، نائب الرئيس، ورافع العيساوي، وزير المالية ونائب رئيس الوزراء، رغم ما كانا يحظيان به من شعبية، وألجأهما إلى مغادرة البلاد".
أما الهاشمي، الذي لجأ بادئ الأمر إلى منطقة كردستان شبه المستقلة ويقيم الآن في تركيا، فقد اتهم بتدبير هجمات بالقنابل على سياسيين شيعة، وصدر بحقه غيابياً حكم بالإعدام.
يقول الخنجر: "غدت السجون في العراق مكتظة بمئات السنة من الشباب. وألقي القبض على النساء دون تهم، فقط لمجرد أن شقيق الواحدة منهن كان يشك في انتمائه للقاعدة. واستخدم الاغتصاب سلاحاً".
تتوافق رواية الخنجر مع ما كانت منظمات حقوق الإنسان الدولية تنشره متهمة قوى الأمن تحت حكم المالكي بإدارة سجون سرية وبممارسة التعذيب.
تدهور الوضع الأمني سريعاً في عام 2011، إذ ما لبثت موجات الاعتقال أن دفعت الناس نحو التظاهر في مدن مناطق الأغلبية السنية مثل الرمادي، وعندما تصادم المتظاهرون مع قوات الأمن في الحويجة، قريباً من كركوك، قتل العشرات من المتظاهرين.
كان زعماء حزب القائمة العراقية يشعرون بألا حول لهم ولا قوة، فناشدوا الأمريكيين والبريطانيين التدخل والمساعدة. وحينها توجه جون كينكنز، الذي كان وقتها سفيراً لبريطانيا في العراق، إلى منزل الخنجر في عمان.
سأل السنة المتواجدون هناك السفير جينكنز ماذا عساهم يفعلون، فهم على يقين بأنهم فازوا في الانتخابات.
يقول الخنجر إن إجابته كانت صريحة وجريئة إذ قال لهم: "اذهبوا إلى إيران، فليس لديكم خيار آخر".
عندما تواصل موقع ميدل إيست آي مع السفير جينكنز، قال إنه يتذكر اللقاء مع الخنجر، ولكنه ينفي أنه قال للخنجر "اذهبوا إلى إيران"، ولكنه أقر بأنه كان "ضد المالكي وضد إيران".
قال جينكنز: "أنا متأكد أنني لم أنطق بشيء من ذلك. بالطبع، إن السياق الذي تصفه لي صحيح، فقد كان رأيي آنذاك – ولم يتغير شيء منذ ذلك الحين – أن الانتخابات التي جرت في مارس / آذار وكل ما تبعها من استطلاعات للرأي كانت تشير إلى أن أغلبية العراقيين كانوا يرغبون في حكومة غير طائفية يترأسها إياد علاوي.
"ولقد رأينا نفس المؤشرات في أنماط التصويت أثناء انتخابات المحافظات في مطلع عام 2009، أي أن ذلك لم يكن شيئاً مؤقتاً. لقد فازت قائمة العراقية بالانتخابات التي جرت عام 2010 على الرغم من العديد من العوائق.
"في ذلك الوقت كان المالكي يسعى بمساعدة الإيرانيين لضمان تواطؤ كبير القضاة مدحت محمود، وبفضل المجاملة الظاهرة من جانب الولايات المتحدة، لقلب تلك النتيجة حتى يتمكن من البقاء في السلطة. فقط إيران هي المستفيدة من ذلك، وبالطبع المالكي. ولم أفهم لماذا لم يحرك أحد في العواصم الغربية ساكناً للحيلولة دون حدوث ذلك".
يتذكر جينكنز أنه اتهم حينها بأنه مناهض للشيعة، ويقول عن ذلك: "لم يكن ذلك صحيحاً. كنت بالتأكيد ضد المالكي وضد إيران. ولم يكن ذلك بسبب موقف عقائدي مناهض للإيرانيين، وإنما من باب المهنية لا أكثر ولا أقل. كان تقديري أن المالكي كان معادياً لنا، وأن استيلاء إيران على العراق سيشكل تهديداً للمصالح البريطانية في المنطقة بل وللمصالح الغربية بشكل عام، وأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تقويض الاستقرار في دول الجوار".
بينما استمر جينكنز في رفض الادعاء بأنه قال للخنجر جاداً عليكم أن تذهبوا إلى إيران، إلا أنه اعترف بأن جزءاً من النقاش لربما كان حول ذهاب علاوي إلى إيران.
وقال: "من الممكن أن جزءاً من النقاش تطرق لفكرة ما إذا كانت إيران متقبلة لأن يكون علاوي رئيساً للوزراء. وفي واقع الأمر، ذهب علاوي فعلاً إلى طهران مرة أو مرتين. ولكن إذا ما أخذنا بالاعتبار أن خامنئي وسليماني كانا كلاهما يصران على أهمية وجود كتلة انتخابية شيعية موحدة كشرط أساسي لضمان هيمنة شيعية طائفية موالية لإيران داخل العراق، فقد كان مستبعداً جداً أن يقبلوا بعلاوي".
وطبقاً للخنجر فقد وصل زعيم سني آخر إلى أوباما في البيت الأبيض، وكانت الإجابة مماثلة، حيث نفض الأمريكيون أيديهم من المسؤولية عن حملات القمع التي كان يشنها المالكي.
فما كان من الخنجر إلا أن توجه مباشرة إلى زعماء الشيعة العراقيين مناشداً إياهم أثناء لقاء عقد في بروكسيل. وحول ذلك يقول:
"قلت لهم: إنكم تدفعون بشعبنا نحو الإرهاب. عندما قاوم السنة الاحتلال قلتم عنهم إنهم إرهابيون. وعندما قاومت الصحوات تنظيم القاعدة، وصمتموهم أيضاً بالإرهاب، وعندما فاز السياسيون السنة في الانتخابات، قلتم عنهم إنهم إرهابيون. كيف سنتفاهم إذن؟".
كان واضحاً لدى الزعماء السنة أن الولايات المتحدة وإيران كلاهما يدعمان المجموعات الشيعية.
(يتبع: الجزء الثاني ينشر على "عربي21" يوم غد الجمعة).
لقراءة النص الأصلي بالانجليزية إضغـــط هنـــا
هل يؤسس الأمريكيون لانقلاب عسكري في بغداد؟
NYT: رئيس وزراء العراق يستكشف حجم الدمار في بلده
NYT: أزمة فلويد تجاوزت حدود أمريكا.. العالم يتابع برعب وأمل