الذهب الأسود داء ليبيا ودواؤها، نعم.. حُسمت معظم الخيارات العسكرية، وخرجت أوراق أخرى، اختلفت الأدوات واللاعبون لم يتغيروا.
اقتحم مرتزقة فاغنر الروس حقول النفط بليبيا، لوجه من؟ لوجه مصالحها العائمة، غير أن مسارا آخر يفسر سلوك قفازات «الكرملين» هناك، إنه شبه المؤتمر غير المعلن ذلك الذي يحاك في زاوية عمياء، وأطرافه: مصر وفرنسا وأمريكا والبعثة الأممية، ونتائجه قيد التحضير، كما تقول الجارديان.
ماذا يجمع تلك الأطراف؟ لا شيء، فقط محادثات عن نفط ليبيا وآلية تقسيم عائداته!، والغريب أن قضية هي الأهم تدار في الخفاء، خارج مسارات الأمم المتحدة التي قررتها عن مخرجات مؤتمر برلين بشأن ليبيا في يناير (كانون الثاني) الماضي. إنه انتهاك مغلف، والأغرب أن الجارديان لا تذكر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها طرفا في تلك المفاوضات!
انفجرت الأطراف المحلية والدولية في وجه «رعونة» الفاغنر وانتهاكها حقول النفط في ليبيا، وحال روسيا: انتهاك بانتهاك والبادئ أنتم!!، وأمّا الأمم المتحدة فتعلق بأن الكلمات نفدت منها إزاء سلوك المرتزقة، والولايات المتحدة الأمريكية تصف الأمر بالمخزي، وتؤكد أنه خرق لسيادة الدولة، وأما حكومة الوفاق فهو وفق وصفها احتلال لقوت الليبيين.
سياسة روسيا في ليبيا زئبقية، طويلة النفس، هوائية الأطوار، تلدغ ولا تقتل، تشل ولا تقصم، وينتهج أسلوبها «تجميد الصراع»، فهي لا تقترب حد الاحتراق ولا تفارق كل الفراق، فقط تُعوّم الوضع وتتواصل مع كل الأطراف، وتهدهد الأحداث إلى أن تتبلور بصيغتها الأنسب.
روسيا تدعم حفتر عسكريا بكل ما أوتيت من أطماع مؤجلة على صفيح ناعم، إذ يرصد مثلا موقع إيتاميل الإيطالي نحو 473 رحلة لطائرات روسية إلى قاعدة حفتر الإماراتية في شرق ليبيا منذ فبراير (شباط) الماضي أي بواقع 8 رحلات يوميا، وحجم الدعم هذا يعني أن الكرملين لن يفلت الكعكة بسهولة. لقد تورط الجميع في الطرف الروسي العنيد.
روسيا ليست هي الآثمة وحدها، فـ «قادة دول العالم لم يعد لديهم ضمير.. لقد طعنت في ظهري بنفاق غالبية أعضاء مجلس الأمن، إذ كانوا مؤيدين لهجوم حفتر»، تلك أحدث تصريحات المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة، الذي استقال في مارس (آذار) الماضي بحجة «الدواعي الصحية».
سكت سلامة دهرا وهو يراوغ الأطراف المحلية ويتكتم على نفاق تلك الدول الكبرى، وموقفه هذا متأخرٌ تَأَخُّرَ موقف فرنسا الذي خطر لرئيسها بعد 14 شهرا من هجوم حليفه خليفة حفتر على طرابلس أن يعلن رفضه لهذا الهجوم، مشددا على أن هذا موقف باريس منذ البداية، ولعل هذا «النفاق» أنطق سلامة.
تركيا كلمة السر الأكثر عنادا، فمنذ توقيعها تحالفها مع حكومة الوفاق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، انعقدت طاولتان اختبرتا رغبة الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة لحفتر، إحداهما في موسكو والأخرى في برلين وفي كلتيهما انسحب اللواء المتقاعد رافضا التوقيع على وقف إطلاق النار، وأكد للعالم أنه لن يردع إلا بإجابة عسكرية.
نعم، أجابت حكومة الوفاق بالرصاص ومن ورائها تركيا إجابة بليغة قالت فأسمعت وضربت فأوجعت، وأحالت داعمي حفتر إلى متنصلين منه بعدما طُرد من المنطقة الغربية، وافتضحت جرائمه على غرار المقابر الجماعية بترهونة التي تضم نساء وأطفالا. وأما في هذه المرحلة، فنسمع حقيقة مطامع تلك «الدول المنافقة» وفق وصف سلامة بصوت أكثر وضوحا.
(العرب القطرية)