لم تكن "الإصلاحات الإدارية" التي أعلنها رئيس الوزراء
العراقي مصطفى
الكاظمي منذ تولّيه مقاليد الحكم، وضمن استراتيجية منظمة، والمتمثلة في سلسلة تغييرات وتبديل مواقع في مفاصل الدولة؛ إلا فصلا للأمن عن السياسة، وكان الهدف منها تفكيك تركة ثقيلة خلّفتها الحكومات المتعاقبة منذ 17 عاماً، انغمست في غضونها
أحزاب مختلفة في جميع مفاصل الدولة.
الحكومة التي تعصف بها أمواج أزمات مالية وأمنية وسياسية وصحية، تجابه جملة من الاتهامات بسبب تلك التغييرات، منها أن الإجراءات هي إعادة تدوير للشخصيات وتبادل في الأدوار والمناصب، بفعل نظام المحاصصة الذي تنتهجه الأحزاب الحاكمة منذ عام 2003، والذي صار مؤخراً عرفاً سياسياً، أخلَّ بالهوية الوطنية التي استُبدلت أخرى فرعية بها.
حركة التصحيح التي يقودها الكاظمي على المستوى الأمني؛ استطاع من خلالها ترتيب أوراق البيت الأمني المبعثر بفعل فوضى السلاح، فضلا عن إبعاد المؤسستين الأمنية والعسكرية عن النفوذ الخارجي عبر وكلائه المتغلغلين في مختلف الأجهزة الأمنية، بضوء أخضر من الحكومات السابقة.
مكلفون جدد بمهام إدارية استقالوا بعد مرور ساعات على تعيينهم، ومنهم آخرون قبلوا التحدي في المهمة الإصلاحية التي تبدو مستحيلة، لكن يبقى الزمن هو المختبر الأكبر لمدى نجاحهم. أما الاستقالات المبكرة فكشفت حجم صعوبة المهمة التي تواجهها الحكومة وربانها الكاظمي، حيث يخوض حربا ناعمة مع الدولة الموازية التي يمثلها السلاح السياسي والمتحالفون معه.
إعادة تنظيم الكاظمي هرم الدولة استندت إلى مبدأين، الأول كسب الشارع عبر تكليف مسؤولين وإعلاميين يمتلكون شعبية كبيرة، وضمهم إلى فريقه الحكومي، والآخر هو مغازلة المتظاهرين عبر قرارات ترتبط بالتحقيق في ملف قتل المتظاهرين، وهو ما جرى في وزارة الدفاع، وأخرى بتحقيق مطالبهم التي خرجوا من أجلها في احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
أحزاب السلطة في العراق لا تريد دولة مؤسسات؛ حيث لا يخفى مدى تعارض ذلك مع مصالحها، بل تريد دولة هشة ورئيس وزراء ضعيفاً تملي عليه ما تريد، ثم يحقق لها ما تشتهي. وعلى الرغم من أن أحزاب السلطة تنادي بالإصلاحات وتخويل رئيس الوزراء بإجرائها، فإنها تمارس ازدواجية في التعامل مع الدولة والمواطن.
الكاظمي استخدم في حربه الناعمة وسائل عدة متاحة لإجراء التحويرات الإدارية، ما خلا اللجوء إلى القوة، التي يعي جيداً خطورتها، مع جهات تملك زمام المبادرة. الرجل المخابراتي يسير في حقل ألغام سياسية نُصبت له ولمن قبله، ورياح التغيير التي بدأها تنذر بالعاصفة الكبرى، وإن كانت المواجهة مؤجلة.